المحظرة ...تاريخ يتحدى النسيان وحاضر يصارع من أجل البقاء
الأربعاء, 22 سبتمبر 2010 09:01

لايفاخر الموريتانيون بشيء مفاخرتهم بتاريخهم العلمي المجيد الذي صنعته مؤسسات علمية حملت اسم المحاظر وكانت أبرز سفير لموريتانية الإسلامية،كما كانت صوتا إسلاميا نشر دين الله في ربوع إفريقيا الغربية،ومهد لمكانة سامقة للموريتانيين مكنتهم من ترديد قول الشاعر الموريتاني العلامة المختار ولد بون.

ركب من الأشراف منتظم

أجل ذا العصر قدار دون أدنانــا

قد اتخذنا ظهور العيس مدرسة

بها نبين دين الله تبيانـــــــــــــا

ولأن اختلف الموريتانيون في اشتقاق المحظرة هل هو من الحضور والإقامة على الماء كما يرى العلامة محمد سالم ولد عدود مستشهدا ببيت لبيد بين ربيعة العامرى

أقوى وأقفر واسط فبرام

من أهله فصوائق فبرام

فالواديان وكل مغنى منهم

وعلى المياه محاضر وخيام

أو كانت من الحضرة ذات الدلالة الصوفية أو من الحظيرة التي تعني الاجتماع،فإنهم بالمقابل لم يختلفوا على أنها مثلت منارة الإشعاع التي حملت صيت الشناقطة،وحفظت دينهم وتراثهم،كما لم يختلفوا أيضا على أن تلك المحاظر تواجه اليوم عاديات الزمن ويلفها مصير لايبدو مشرقا كماضيها الزاهر

وقديما انتشرت المحاظر انتشارا واسعا في كل موريتانيا حتى أخذت بعض المجموعات القبلية اسم ’’ المحاظر ’’ نظرا لكثرة العلماء والطلاب بين أفرادها،أما الآن فلا تكاد المحاظر النموذجية تتجاوز عشر محاظر في أحسن الأحوال.

نمط خاص في الدرس والتدريس

تقوم منهجية التدريس في المحاظر الشنقيطية على نظام محكم يهتم أساسا بالحفظ والاستحضار كما يؤسس لموسوعية علمية متميزة،تنتظم كل الفروع التقليدية لدائرة المعارف الإسلامية وتسجل وفاء تاما لمدرسة الفقه المالكي وخصوصا طبعتها المغاربية ممثلة في تيارابن القاسم وطبعته الأخيرة التي مثلها مختصر الشيخ خليل بن اسحاق،كما تسجل مناهج المحظرة الشنقيطية وفاء تاما أيضا للمدرسة البصرية في النحو وخصوصا مؤلفات الشيخ جمال بن مالك الأندلسي، ووفاء آخر لايقل عن سابقيه للمدرسة الأشعرية في العقيدة الإسلامية،

حرية منهجية

يختار الطالب في المحظرة ما يدرسه من الفنون والمتون،لكن يظل رأي الشيخ غالبا هو الرأي الأكثر ’’ بركة’’ وغالبا ما تسعى بدايات الدراسة المحظرية إلى تحصيل ’’فرض العين’’ في الفقه والعلوم الشرعية’’ وتقوم اللسان ’’ في علوم اللغة،وقد نظم العلامة الموريتاني محمدن فال بن متالي هذه التراتبية بقوله

وقدم الأهم إن العلم جم

والعمر طيف زار أو طيف ألم

أهمه عقائد ثم فروع

تصوف وآلة بها الشروع

ولا تسمح المحظرة الموريتانية للطالب بأن يدرس أكثر من متن واحد في مجال واحد وأن سمحت لبعض النابهين والأذكياء بذلك،كما تتحدث الحكاية الشعبية عن أن العلامة سيدي المختار الكنتي الشنقيطي كان يدرس في سبعة ألواح

لكن الإطار العام كان ذلك الذي عبر عنه البيتان الشهيران في الوسط المحظري

وإن ترد تحصيل فن تتمه

وعن سواه قبل الانتهاء مه

ففي ترادف الفنون المنع جا

إن توأمان استبقا لن يخرجا

ويكتب الطالب الدرس في اللوح، ثم يقوم بضبطه على الشيخ استعدادا لحفظه، ثم بعد ذلك يشرحه الشيخ له، على أن يقوم بعد ذلك بـ"التكرار"، والمقصود به المراجعة، وهي في نظرهم مهمة جدا، وينبغي ألا تتوقف تحت أي ظرف، ولا في أي وقت؛ ومن هنا شاعت كلمتهم المشهورة "من ترك التكرار لا بد أن ينسى".

ويرى الموريتانيون أن الترتيب السالف الذكر هو الأجدى لتحصيل العلم، وأن مخالفته تمنع من حصول المطلوب، كما قال الناظم:

كتب إجازة وحفظ الرسم ** قراءة تدريس أخذ العلم

ومن يقدم رتبة عن المحل ** من ذي المراتب العلم لم ينل

ويوزع الطلاب أحيانا إلى مجموعات باختيارهم تسمى المجموعة منها "الدولة"، تدرس كتابا من الكتب المعتمدة في المحظرة، وتقوم بالمراجعة الموحدة، ويتولى أحد الطلاب قراءة النص على الشيخ فقرة فقرة أو كلمة كلمة حسب المقتضى، ويفضل أن يكون أجود المجموعة، ويسمى "حمار الدولة". ويشرح الشيخ الدرس باللهجة المتداولة وإذا اقتضى الأمر الاستنجاد بما يتطلب وسيلة توضيحية يلجأ الشيخ إلى التراب كوسيلة توضيح لقاعدة ما أو ترتيب صور ما، وربما لجأ إلى أحد الكتب المتخصصة لتوضيح مشكلة ما أو لمعرفة بعض الآراء والصور المتعلقة بها.

وتظل الألواح الخشبية في الغالب الوسيلة الأكثر والمثلى للدراسة في المحظرة الموريتانية،كما يظل المداد المصنوع في الغالب من الفحم والصمغ العربي أهم وسيلة للكتابة.

وتبدأ الدراسة المحظرية غالبا عند بلوغ الطالب لسن السابعة وقد تمتد لأكثر من ثلاثين،أما الدرس اليومي فيبدأ في الغالب مع ساعات الفجر الأولى وعند الساعة الرابعة صباحا في الغالب عندما يتجمع الطلبة على ضوء نار أوقدت بالحطب على أن يبدأ الدرس بعد صلاة الفجر مباشرة عندما يجلس شيخ المحظرة،ويبدأ في شرح الدروس عبر استقبال مجموعات الطلاب التي تدرس النص الواحد (الدولة)،ويستمر الدرس إلى الزوال،حينما يأخذ الشيخ قسطا قليلا من الراحة ليبدأ بعد التدريس بعد صلاة الظهر،وحتى مابعد صلاة العشاء،فيما يكون الليل فرصة للتدريب والاختبار بين الطلبة في محفوظاتهم وفهمهم للدروس،وغالبا ما يكون شيخ المحظرة متفرغا للتدريس ولايمارس أي عمل آخر ،وغالبا ما يكون أيضا شيخ تربية صوفية وزعميا اجتماعيا ومفتيا وقاضيا يصدر الجميع عن فتواه ويرضون بحكمه لأنه حكم الشريعة،كما يتنافس الزعماء القبليون والأمراء على خدمة العلماء وإكرامهم،رغم أن هؤلاء ظلوا دائما ينظرون بريبة وتوجس إلى الأمراء باعتبارهم شرا في الغالب.

مقررات موسوعية

غير أن الظاهرة الأبرز في تعامل الموريتانيين مع مدونة المعرفة الإسلامية هي إعادة الإنتاج التي واجهه بها الشناقطة أهم المتون العلمية من خلال نظم المنثور منها أو الاختصار والاستدراك والزيادة في غيرها ولعل شجرة المتون العلمية المدرسة في المحظرة الموريتانية تحيلنا بجلاء إلى هذه الموسوعية التي ربما اقتطعت من الطالب أكثر من عشرين سنة من زهرة عمره ليعود بعد ذلك بعلم ’’ لاتحيط به الكتب ’’ على حد تعبير أحد العلماء الشناقطة.

1 – في القرآن وعلومه

يدرس الشناقطة القرآن الكريم حفظا واستظهارا ومن أهم المتون المدرسة في رسم القرآن متن الطالب عبد الله وهو نظم متقن ألفه أحد العلماء الموريتانيين إضافة إلى منظومة ابن بري في المقرأ ومنظومة الجزرية،ويعتبر حفظ هذه المتون الثلاث شرطا أساسيا لمنح الإجازة في قرائتي ورش وقالون عن نافع، وأما في التفسير فيحتل تفسير الجلالين المكانة السامقة في المحظرة الموريتانية،ومن الطلاب من يستظهره،ومنهم من يكتفي بإدمان مطالعته طيلة درسه للتفسير، غير أن درس التفسير الموريتاني وجد دفعا كبير ا مع كتاب ’’مراقي الأواه إلى تفسير كتاب الله ’’ للشيخ أحمدو بن أحمذيه ’’ الشنقيطي الذي نظم من خلاله سبع كتب من كبار كتب التفسير وجاء في أكثر من سبعة آلاف بيت يستظهره حفظا عدد كبير من الفقهاء الموريتانيين.

أما في مجال الفقه والدراسات الشرعية،فتبدو شجرة المتون أكثر تعقدا،ومن أهم مقررات العقيدة في المحظرة الموريتانية كتاب إضاءة الدجنة في اعتقاد أهل السنة للإمام أحمد المقري الأندلسي،وهو الكتاب الذي أعاد صياغته نظما العلامة الموريتاني المختار ولد بونه في كتابه وسيلة السعادة،فيما يدرس الموريتانيون أيضا كتابي صغرى وكبرى السنوسي في الاعتقاد،وجدير بالذكر أن كل هذه المتون معدة للحفظ أولا.

أما في مجال الفقه،فتبدأ الدراسة المحظرية من كتاب ’’ الأخضري’’ للشيخ عبد الرحمن الأخضري الجزائري،وقد نظمه عدد من العلماء الموريتانيين وغالبا ما يدرس الطالب هذا الكاتب منظوما أو منثورا قبل بلوغ الخامسة عشر وغالبا ما يكون تدريسه على يد النساء،وإذا ترقى الطالب درس متن ’’ المرشد المعين على الضروري من أحكام الدين’’ للعلامة عبد الواحد بن عاشر المغربي، فيما تكون المرحلة اللاحقة هي دراسة متن رسالة محمد بن أبي زيد القيرواني ويوليها الموريتانيون عناية فائقة وتؤكد أدبيات المحظرة أن ’’ ال يحفظ الرسالة ما تغلبه امساله ’’ أي أن من يحفظ الرسالة لن يعجز عن الإجابة عن أي مسألة’’ وبعد مرحلة الرسالة يمتد الدرس إلى مختصر الشيخ خليل ويكاد يكون المدونة الأسمى في الدرس الفقهي الموريتاني وقد قسمه الموريتانيون إلى مجموعة دروس بحسب أيام السنة بلغت ’’333 قفا ’’ حسبي التعبير المستعمل،حيث أن القف هو القسم المخصص حفظه يوميا من نص خليل،وقد اعتنى الموريتانيون بدرس الشيخ خليل دراسة وافية،بل تخصصت في تدريسه محاظر معروفة في موريتانيا أهمها محظرة أهل محمد ولد محمد سالم في الشمال الموريتاني ولايزال المحظريون إلى اليوم يحبذون دراسة المختصر على شيوخ أهل محمد سالم أكثر من غيرهم.

وبعد استكمال درس الشيخ خليل وملحقاته وشروحه يكون بإمكان الطالب أن يتوجه بشكل أوسع إلى المدونات العلمية المتخصصة،وذلك عبر دراسة المتون العلمية المتخصصة وبالأخص كتب القضاء مثل لامية الزقاق" في القضاء. فقد بلغت شروح الشناقطة عليها أكثر من العشرة. ومن المقررات في جانب القواعد الفقهية نذكر كتاب "المنهج" للزقاق، و"تكميل المنهج" لميارة. وقد عمل الشناقطة على شرح هذين الكتابين. فمن الذين شرحوا "المنهج" محمد محمود بن حبيب الله بن القاضي ومحمد امبارك اللمتوني، ومحمد الأمين بن أحمد زيدان، وعبد القادر بن محمد سالم.

هذا إضافة إلى كتاب تحفة الحكام في العقود والأحكام للقاضي ابن عاصم الغرناطي الأندلسي ولايتولى القضاء في ظل المحظرة الموريتانية من لم يستحضر هذا الكتاب حفظا وعلما.

أما في الدرس اللغوي والنحوي فتبدو المدونة المغاربية حاضرة بقوة في هذا المجال،حيث تبدأ دراسة النحو من خلال كتاب  ابن آجروم في النحو ونظمه ’’عبيد ربه ’’ الذي عقد به العلامة الموريتاني عبد الله الغلاوي الكتاب المذكور،فيما تكون المرحلة اللاحقة مع بعض كتب العلامة ابن هشام الأندلسي وخصوصا كتابه قطر الندى وبل الصدى،ليتطور الدرس لاحقا إلى ’’ الخلاصة النحوية ’’ المعروفة بألفية ابن مالك التي حظيت بعناية فائقة  في المحظرة الموريتانية تطورت إلى تضمينها ضمن ما يعرف بكتاب الجامع للعلامة المختار ولد بونه الذي أضاف إليها قرابة ثلاثة آلاف بيت في النحو نظمه،لتأخذ الألفية مكانا جديدا ضمن الموسوعة الجديدة،واسما جديد هو ’’ الاكحلال ’’ حيث كان الموريتانيون يميزون أبيات الألفية بكتابتها بالحبر الأسود،فيما يكتبون نظم ابن مالك بالحبرر الأحمر،لتترسخ بذلك أن علم النحو يتطلب حفظ ’’ الاكحلال والاحمرار’’

أما في جانب الصرف فاهتم الموريتانيون بلامية الأفعال للعلامة محمد بن مالك وقد لاقت هي الأخرى تعاملا شبيها بتعامل الألفية عندما طرزها العلامة النحوي الحسن ولد زين الشنقيطي بشرح يسمى الطرة،أستدرك فيها على ابن مالك كثيرا مما أغفله في لامتيه،ومنذ ذلك اليوم اندمجت لامية ابن مالك فيما بات يعرف لاحقا بطرة ابن زين،وهي من مقررات الحفظ والاستظهار.

أما في مجال اللغة والشعر والبلاغة،فقد واصل ابن مالك احتلاله للصدارة في الدرس اللغوي وذلك من خلال كتبه المقصور والمدود والمثلث،وفي العروض و البلاغة درس الموريتانيون بشكل خاص المنظومة الخزرجية في العروض وتسمى القصيدة الرامزة،كما درسوا أيضا ألفية السيوطي في البلاغة إضافة إلى بعض المنظومات التي كتبها عدد من علماء الشناطقة في هذا المجال.

وفي الشعر العربي حفلت مدونة الدرس الموريتاني بحضور كبير لديوان الستة الشعراء لللغوي الأندلسي الأعلم الشنتمري،وعكس غيره من دواوين الشعر العربي الأخرى فقد كان ديوان ’’ الستي ’’ كما يلقبه الشناقطة أحد مقررات الحفظ الأساسية في المحظرة الموريتانية.

أما في الحديث وأصول الفقه،فقد مثلت ورقات إمام الحرمين أبي المعالي الجويني،أولى حلقات السلسة الأصولية متبوعة بكتاب مراقي السعود للعلامة  سيدي عبد الله ولد الحاج ابراهيم كتاب جمع الجوامع للعلامة السبكي ونظمه الكوكب الساطع للعلامة السيوطي الذين حظيا باهتمام خاص من الشناقطة وكان من المأثورات أن ’’ من لايحفظ السبكي يجلس جنب أمه ويبكي ’

وفي الحديث وعلومه فرغم أن المدرسة الشنقيطية لم تتوسع بشكل قاطع في الدرس الحديثي لظروف وسياقات خاصة من أبرزها المنهج التقليدي والوفاء التام للمدرسة المالكية،مما جعل الكثير من علماء المحاظر الموريتانية يرددون أن دراسة الحديث إنما هي للتبرك وليست للاستشهاد  والتأصيل إلا أن ذلكة لم يمنع متون الحديث وعلومه من الظهور بشكل واضح في مقررات المحظرة الموريتانية،ومن أبرز الكتب المدرسة في هذا المجال كتاب الأربعين النووية للعلامة يحيى بن شرف الدين النووي إَضافة إلى كتب السنة الستة ( الصحيحين وسنن الترمذي وابن ماجه والنسائي والدارمي’’ أما في علوم الحديث فقد درس الموريتانيون كتبا عديدة من أهمها ’’منظومة البيقونية،وطلعة الأنوار للشيخ سيدي عبد الله ولد الحاج ابراهيم العلوي الشنقيطي،وألفية السيوطي وألفية العراقي’’ في علوم الحديث وقد حظيت الألفيتان بشروح واسعة في المحظرة الموريتانية،كما ألفت كتب عديدة في شرح مدونات الحديث الكبرى مثل كتاب’’ النهر الجار على صحيح البخاري’’ للعلامة الموريتاني محمد ولد محمد سالم المجلسي وكتاب ’’إدرار الأنجم الدراري في شرح صحيح البخاري’’ للعلامة محمد الخضر ولد ما يابى الجكني.

فيما لم تخل المحظرة الموريتانية أيضا من دراسة المنطق والفسلفة ورغم تحذير مدرسة السنة السلفيين من دراسة هذه العلوم إلا أن الشناقطة كشفوا عن استيعاب تام لهذا المجال حتى صارت بعض المحاضن الاجتماعية تعبرعن سهولة أمر ما بأنه ’’ مثل المنطق عندنا’’ وظل الشناقطة يرددون في وجه المقولة الذائعة ’’من تمنطق فقد تزندق ’’ قول الإمام عبد الرحمن الأخضري

وابن الصلاح والنوواي حرما

وقال قوم ينبغي أن يعلمـــــــا

والقولة الصحيحة الصريحة

جوازه لكامل القريحــــــــة

ممارس السنة السنة والكتاب

ليهتدي به إلى الصـــــــواب

كما درس الموريتانيون أيضا فنونا أخرى في السيرة النبوية والتاريخ أبرز متونها متن قرة الأبصار للعلامة المغربي عبد العزيز اللمطي وكتابا غزوات النبي صلى الله عليه وسلم وعمود النسب الشريف للعلامة أحمد البدوي الشنقيطي،هذا إضافة إلى ألفية العراقي في السيرة النبوية.

مكانة خاصة

حظي طلاب وشيوخ المحظرة الموريتانية بعناية خاصة لدى المجتمع الموريتاني،بلغت حد تخصيص امتيازات مادية،حيث تلتزم كل أسرة بدفع شاة خاصة للطلاب تدعى ’’ شاة اتلاميد’’ عند كل وليمة أو عقيقة،فيما تظل الهدايا والإكراميات،كما أسقط المجتمع الموريتاني كثيرا من القيود والاعتبارات عن طلاب المحظرة،حيث يحرم المجتمع إهانتهم أو الرد على إساءة المتهورين منهم أو حتى اتهام بعضهم بمناقضة ما يدرسون ويردد الموريتانيون عبارة الشيخ خليل ابن اسحاق ’’وعزر كمدعيه على صالح ’’ والتي تحكم بحد التعزيز على من يتهم الصالحين بممارسة أعمال غير لائقة.

غير أن الحياة المحظرية لم تكن حياة رفاهية بالنسبة للطلاب ولا الشيوخ،وقد كان طبيعة المجتمع والظروف الاقتصادية الصعبة جدا والبداوة المترسخة كلها ظروف تزيد تقعيد حياة الطالب المحظري،الذي يواجه الكثير من الصعاب من أجل العودة بعلم وفير.

كما أدت المحاظر دورا أساسيا في خدمة العلم ونشر الدين الإسلامي في غرب إفريقيا،كما حافظت على الوحدة الثقافية للمجتمع الموريتاني ووقفت بصلابة في وجه المستعمر الفرنسي،الذي حاول أكثر من مرة اختراق النسيج الاجتماعي،ومضايقة المحاظر الموريتانية التي تصدت بقوة لمشروع التعليم العصري ’’ والمدرسة ’’ مؤكدة أن المدرسة العصرية ليست إلا أختا للكنيسة والكتيبة الفرنسية.

حاضر يصارع من أجل البقاء

ولأن كان ماضي المحظرة الموريتانية زاهرا فإن حاضرها لايبدو بذات الصورة حيث تواجه المحظرة الموريتانية صعابا كثيرة،أبرزها انحسار المد العلمي بشكل عام،حيث لاتتجاوز المحاظر الموريتانية الموسوعية التي تحافظ على النمط العلمي الأصيل تسعة محاظر في أحسن الأحوال،رغم أن الإحصاءات الرسمية تتحدث عن 1500 محظرة وأكثر من 70 ألف طالب يزاولون دراستهم فيها إلا أن أكثر هذه المحاظر لاتعدو أن تكون كتاتيب لدراسة القرآن أو وحده أو معاهد أهلية محدودة المجال والتأثير والمقررات،كما أن من أبرز الظواهر التي أدت إلى انحسار مد المحظرة هو انتقال إلى الحواضر وإكراهات الحياة المدنية وصعوبة الوضعية الاقتصادية بالنسبة لموريتانيا التي أدت إلى أن انخرط المئات من الطلاب والأساتذة المحظريين في سلك التعليم والقضاء الموريتاني وقطاع الوظيفة العمومية،الأمر الذي أدى إلى تعطل عدد كبير من المحاظر،ينضاف إلى هذا الوفايات المتسارعة بين كبار العلماء في موريتانيا حيث شهدت العشرية الماضية وفاة أكثر العلماء الموريتانيين ويؤكد العلامة الشيخ محمد الحسن ولد الددو رئيس مركز تكوين العلماء في حديث للسراج ’’ إن العلماء الموسوعيين في موريتانيا لايتجاوزون الآن خمسة علماء،كما أن المحاظر النموذجية لاتتجاوز ستة محاظر’’

ويؤكد العلامة الددو أن الإحساس بواقع المحظرة وتحدياتها هو الذي دفعه إلى تأسيس مركز تكوين العلماء الذي ينتهج النظام المحظري في الحفظ والموسوعية،كما يستفيد من ثورة الكتاب والوسائل المعاصرة في خدمة الدرس المحظري،وذلك عبر الاستغناء عن الشيخ الذي يدرس كل الفنون بشيخ واحد،بعدد معتبر من الأساتذة المتخصصين وبنظام دراسي صارم،يسمح بتخريج الطالب الموسوعي خلال اثنتي عشر سنة بعد حفظ واستظهار 52 فنا من فنون المعرفة الإسلامية.

ومن أهم المحاظر الباقية اليوم في موريتانيا محظرة أم القرى والتي تقوم عليها أسرة أهل عدود التي يقوم عليها الجيل الثالث من أساتذة تلك المحظرة التي خرجت عشرات العلماء الموسوعيين ،ومن هذه المحظرة تخرج العشرات من العلماء أبرزهم علامة موريتانيا الكبير الشيخ محمد الحسن ولد الددو،وإلى جانب محظرة أهل عدود توجد إلى محظرة النباغية ويقوم عليها الشيخ أباه بن عبد الله،إضافة إلى محظرة التيسيير المتخصصة في الفقه المالكي ويقوم على التدريس فيها الشيخ محمد الحسن الخديم،إضافة إلى محاظر الحاج ولد فحفو ومحظرة الشيخ بداه ولد البوصيري رحمه الله والتي شهدت تراجعا ملحوظا بعد تقدم الشيخ بداه في السن والتحاق عدد كبير من طلابها بسلك التدريس والقضاء.

أما الشيخ محمد عبد الرحمن ولد فتى فيؤكد هو الآخر على ضرورة إعادة الاعتبار للمحظرة الموريتانية مفضلا أن يكون ذلك في إطار أهلي ومجتعمي خاص دون اللجوء إلى استيراتجيات الدولة التي ستظل دائما موضع شك بالنسبة لشيوخ المحاظر،كما أنها في الغالب لم تكن في صالح المحظرة.

المحظرة المورتانية المعاصرة ’’ ماتت بقرتها’’ على حد تعبير الشيخ حمدا ولد التاه رئيس رابطة العلماء الموريتانيين،وفقدت كثيرا من أشعاعها الذي تجاوز حدود الصحراء الموريتانية إلى أقطار متعددة وتواجه المحظرة اليوم إكراهات متعددة،ورغم ذلك فإن عددا من العلماء أبرزهم الشيخ محمد الحسن ولد الددو عضو اتحاد العلماء المسلمين يؤكدون أن إعادة كل ذلك الماضي البهيج باتت من المستحيل،لكن ليس من المستحيل الحفاظ على ما بقي وتنميته،والإسهام في صناعة محظرة جديدة،ويرى القائمون على مركز تكوين العلماء في موريتانيا أن أول دفعة من خريجيه ستكون لبنة مهمة في إعادة بناء المحظرة الموريتانية،فهل سينجح الموريتانيون في ذلك.

 

محاضرة مسموعة لفضيلة الشيخ بداه ولد البصيري

{play}images/1.mp3{/play}

المحظرة ...تاريخ يتحدى النسيان وحاضر يصارع من أجل البقاء

إعلان

السراج TV

تابعونا على الفيس بوك


Face FanBox or LikeBox