ولد بوعماتو ...في مرمى نيران الصديق (تقرير)
الثلاثاء, 29 يناير 2013 09:09

محمد ولد بوعماتو + محمد ولد عبد العزيز"أنا اسمي محمد ولد بوعماتو ..أطلب من كل من يعرفني أو أسديت له جميلا أن يصوت للمرشح محمد ولد عبد العزيز". لاشك أن الرئيس الحالي محمد ولد عبد العزيز لم ينس تلك الكلمات التي روجت بها حملته كثيرا، خلال رئاسيات 2009، كما لم ينس في المقابل أكثر من 5 مليارات صرفها ولد بوعماتو لحساب الحملة الرئاسية العزيزية.

وفي المقابل لن ينسى أغلب الموريتانيين الزخم الذي حظي به رجل الأعمال ولد بوعماتو مع وصول الرئيس الحالي محمد ولد عبد العزيز إلى السلطة.

 

لسنوات طويلة ظل الرجلان صديقيين للغاية، لكن تلك الصداقة ازدادت توثقا أو تغولا على الأصح بعد وصول الرئيس محمدولد عبد العزيز إلى السلطة بلبوسه المدني.

 

ولعدة سنوات ظل الإسم الكامن خلف أغلب الأزمات المالية والسجون التي تعرض لها عدد من كبار المسؤولين في موريتانيا، كانت وسائل الإعلام الحرة وبيانات القوى المناوئة للنظام تشير إلى أن ولد عبد العزيز يعمل وفق سياسة تنتهي بسرعة إلى تفليس كل المؤسسات الحكومية ذات الصبغة التجارية، ولصالح مستفيد واحد اسمه محمد ولد بوعماتو.

يعرف عن ولد بوعماتو قدرته على استيفاء دينه، وقوته في الانتقام من خصومه، ويستعين لتحصيل الديون البسيطة وغير المعقدة، بمجموعة كبيرة من الرجال الأقوياء الأشداء الجاهزين للفتك ،يرسلهم بين الحين والآخر إلى المدين عند انقضاء الأجل، وغالبا ما تنجح المهمة ويعودون بالدين كاملا، ذلك أنهم لا يغادرون قبل السداد أو قبل استدعائهم للعودة من قبل ولد بوعماتو.

قبل ذلك كان ولد بوعماتو قد أبصر أنوار الحياة الأولى في السنغال في العام 1953، لأبوين مهاجرين إلى السنغال هما حمين ولد بوعماتو واغلانه بنت محمد مختار كان أحد أفراد المجموعة المهمة التي ولدت هنالك رغم أن جذورها تعود إلى مدينة أكجوجت، بعد مراحل دراسية غير طويلة جدا التحق ولد بوعماتو بقطاع التعليم الأساسي ولعدة سنوات، كان الرجل " مسيي " محترما يتابع أيام التعليم القاسية بصعوبة وتململ.

يؤمن الرجل أنه خلق لمهمة أخرى غير التدريس والطباشير، حيث اكتشف بسرعة أن " الخبز" قد يكون وسيلة سريعة للثراء، حيث أسس الرجل مخبزة صغيرة لصناعة الحلويات، وزعت آلاف القطع في موريتانيا والسنغال، قبل أن يؤسس مجموعة صغيرة من سيارات الأجرة الصغيرة (R4)، يقوم عليها سائقون سنغاليون.

واصل ولد بوعماتو رحلة الصعود المثيرة، حيث حصل على وظيفىة إسمية في شركة خاصة يملكها ابن عمه اعبيد ولد الغرابي، غير أن القدر ابتسم من جديد، للرجل عبر " التوابل " التي أضافها للمشهد المالي والتجاري في البلد، وذلك عبر تمثيله الحصري لشركة (جمبو) للتوابل، مستخدما في ذلك براعة التسويق السياسي ..

توزع أكشاش جمبو، وحوانيتها ومسابقاتها، المشهد حينئذ، مع منتصف الثمانينيات وبداية التسعينيات، وبالتالي استطاع التغلب على المكانة المهمة لشركة ماجي في عالم التوابل، وهكذا استفاد بوعماتو من كل مكعب " حموضة" يدخل إلى المطابخ الموريتانية.

 

مع بداية التسعينيات ربط ولد بوعماتو علاقات قوية مع رجل الأعمال أحمد ولد الطايع شقيق الرئيس الأسبق معاوية ولد سيدي أحمد الطايع، ومن خلال البوابة " الطائعية" استطاع ولد بوعماتو إدارة صراع قوي مع منافسيه الماليين " أهل عبد الله " وأهل " انويكظ".

وبتفان كبير في المنافسة، استطاع ولد بوعماتو الحصول على التمثيل الحصري أيضا لمنتجات شركة مالبورو، قاضيا بذلك على التمثيل الذي كان بحوزة شركة MAOAالخاصة بالسجائر والمملوكة لأهل عبد الله.

وبسياسة ترويجية مميزة، تزايد حجم المدخنين لسجاير مالبورو، وتزايد الطلب عليها، قبل أن تقوم الشركة الأم ببناء عيادة طبية لأمراض العيون في نوكشوط ضمن التزامها القانوني بإقامة منشآت طبية في مقابل السموم والأمراض التي تنتشر عبر أعواد السجائر، حملت الشركة اسم " عيادة بوعماتو لأمراض العيون" ولسنوات طويلة ظلت المؤسسة مصدرا مهما لمئات الموريتانيين للحصول على العلاج المجاني أو شبه المجاني.

مع نهاية التسعينيات أسس ولد بوعماتو بالشراكة مع مؤسسة مع مؤسسات أوربية، وبشراكة مماثلة مع صديقه أحمد ولد الطايع البنك العام لموريتانية (GBM)، برأس مال يقارب 7 مليارات و200 مليون أوقية.

وبدأ البنك يتمدد بسرعة داخل شرايين المؤسسات الاقتصادية في البلد، وفي مقابل ذلك بدأت شجرة مؤسسات بوعماتو تمد أغصانها داخل البلد،  ليستحوذ على جانب مهم من شركة ماتال، وليكون أحد كبار ملاك الحصص المالية في الشركة الموريتانية التونسية للاتصال، كل ذلك كان دائما برفقة صديقه أحمد ولد الطايع.

وفجأة لم يعد أحمد ولد الطايع شقيق الرئيس نا فذا ، فقد أزيح ولد الطايع في العام 2005 بأحذية جيل جديد من العسكر،وتمتع ولد بوعماتو بقرب جديد من السلطة، ليدعم بقوة الخيارات السياسية الجديدة لسلطة ما بعد معاوية، وليعاود الظهور القوي رفقة السيدة ختو بنت البخاري وأنشطتها " ذات النفع العام"، أما أحمد ولد الطايع فأصبح شيخا مسنا، يأوي إلى مدينة أطار ومساجدها، لم يعد رجلا واسع الثراء، ولم يعد مرهوب الجناب لأنه باختصار لم يعد أخ الرئيس ولا ابن عمه.

 

سنوات التفليس

 

ارتفع اسم ولد بوعماتو إلى مرحلة جديدة من الحضور القوي في دائرة المال والأعمال، وهكذا خلال الأشهر الأولى من حكم ولد عبد العزيز، سددت الدولة الموريتانية حوالي 13 مليار أوقية دفعة واحدة من الديون المترتبة لولد بوعماتو على شركة الغاز، وتوجهت مؤسسات عمومية كبيرة وبتوصيات رسمية – وفق ما أِشيع حينئذ- إلى تحويل حسابها وودائعها المالية إلى بنك ولد بوعماتو.

وفي المقابل بدأ الرجل تأسيس شركة موازية للغاز، ظلت لسنوات طويلة تستولي على المخازن التابعة لشركة سو ما غاز، كان ولد بوعماتو شريكا أساسيا في سونمكس وما يبنغي أن تقوم به ولذلك اصطدم باكرا بمديرها مولاي العربي، وراسل السلطات الرسمية متهما مولاي العربي بالفساد وإساءة الإدارة، وصادفت تلك الرسائل هوى في نفس ولد عبد العزيز ليرمي بالرجل الأسمر في السجن سنة أوتزيد قبل أن يخرج ببراءة.

ثم اصطدم ولد بوعماتو سريعا بالوزير السابق لمرابط ولد بناهي مدير شركة آنير لأنه رفض شراء سيارات شركة نيسان المملوكة لولد بوعماتو وفق ما تداولته وسائل الإعلام حينها.

كانت نيسان قد أسقطت شركة ممثلية توتويا المملوكة لأهل عبد الله، واستطاع ولد بوعماتو في عهد ولد الطايع النفوذ إلى شركة نيسان التي امتلكت سوق السيارات الحكومية، قبل أن تنصرف عنها وجهة الرئيس الحالي إلى سيارات (V8) التي تحتل اليوم جزء مهما من اهتمامات السلطة.

ووفق مصادر السراج فإن شركة تأمينات النصر التابعة لرجل الأعمال محمد ولد بوعماتو  سيطرت هي الأخرى على عدد هائل من عقود التأمين مع المؤسسات الحكومية، خلال السنوات الثلاث المنصرمة.

كما أن حضور الرجل في ميدان الإسمنت والغاز، والطيران الذي قضى على أحلام " الخطوط الجوية الموريتانية" لم يكن له مثيل في تاريخ الحضور الاقتصادي في البلد.

ولعيون ولد بوعماتو صادق البرلمان على تخفيض الضرائب على السجائر، قبل أن تعود السلطة من جديد إلى تحريم بيع السجائر بعد أن اشتدت الجفوة بين الرئيس وصديقه.

 

صياد الأسود في الشباك..

وأخيرا وقع الخلاف بين الصديقيين، بين ولد بوعماتو وابن عمه الرئيس محمد ولد عبد العزيز، الذي سلط إدارة الضرائب على الرجل الذي ملك لسنوات سلطة على الضرائب والواردات والصادرات.

يمكن القول إن الضرائب المفروضة على ولد بوعماتو رغم ضخامتها الخيالية، لا تشكل جزء كبيرا ولا خطرا على ثروة الرجل الضاربة للأعماق.

دون شك لن ينسى ولد بوعماتو أنه هو من سهل علاقة ولد عبد العزيز بالفرنسيين عبر شبكة فرانس آفريك الضاربة، وأنه هو أيضا من جلب دعم العجوز السنغالي للرئيس محمد ولد عبد العزيز، لقد رأى العجوز واد في دعم ولد عبد العزيز "إكرامية مهمة " للصهر أو الشريك ولد بوعماتو، وفق ما تداوله الإعلام حينئذ.

ويمكن القول أيضا إن قصة الضرائب واستعادة الأموال المنهوبة، ليست أهم شيئ بالنسبة للسلطة الحاكمة، وإلا لما سهلت للرجل كل امتيازات الاحتكار والتغلب أيام كان رجال الأعمال يرتعدون خوفا من السجن أو التفليس.

 

لكن قصة الخلاف وأسبابه بين الرجلين تبقى السؤال الأكثر تعقيدا في تحليل العلاقة المضطربة بين الرجلين، وتقول مصادر قريبة من ولد بوعماتو إن الرئيس محمد ولد عبد العزيز أراد الرجل شريكا تجاريا يستفيد من علاقته برأس الدولة ويفيد رأس الدولة في آن واحد، فيما كان ولد بوعماتو ينظر إلى تلك الامتيازات باعتبارها " إكرامية من ابن عم لابن عمه" ولا ينبغي أن يكون لها أي مقابل ولا " كومسيوه".

على المستوى القبلي تسعى عشيرة ولد بوعماتوعزيز إلى حلحلة الملف داخليا، وفي النهاية فليس الأمر أكثر من صراع بين رجلين قويين من عشيرة واحدة ، صراع بين بوعماتو وابن عمه.

من المؤكد أن علاقة الرئيس محمد ولد عبد العزيز مع ولد بوعماتو قد ساءت منذ أشهر بل منذ أكثر من سنة، لكن تفاقمها الحالي وتسارع أحداثها، جاء سريعا بعد " النيران الصديقة" فهل قدر البلاد أن تخرج من أزمة " نيران صديقة" إلى " لعب بالنار " بين الأصدقاء.

ولد بوعماتو ...في مرمى نيران الصديق (تقرير)

إعلان

السراج TV

تابعونا على الفيس بوك


Face FanBox or LikeBox