العمدة الزعيم (بورتريه)
الأربعاء, 05 نوفمبر 2014 18:33

عندما سئل مرشح حزب تواصل لزعامة المعارضة عن المبلغ الذي يتقاضاه عوضا عن عمله عمدة لبلدية عرفات؟ قال متأففا، إنه يستحي أن يمد يده إلى ميزانية يتضاغى حولها آلاف الرضع. "لقد افتقرت بعد انتخابي للعمدة".

بهذه النفسية ماليا سيدخل الحسن ولد محمد إلى مكتبه الجديد في مؤسسة المعارضة الديمقراطية، لكنه يدخله بنفسية سياسية مثقلة بالهموم والآمال، وربما بالأحلام.

وارث التكتل

ليس مقعد الزعامة هو الأول الذي يرثه الحسن من حزب تكتل القوى الديمقراطية، فقد كان وريثا لمقعد التكتل في بلدية عرفات (كان العمدة سيدي أحمد ولد لبات تكتليا ورث المقعد من جميل منصور)، بعد منافسة في الشوط الثاني مع مرشح الحزب سنة 2006 إبراهيم والد ادِّ. تعلم الحسن هزيمة المرشحين في بلدية عرفات، وفي الشوط الثاني، فأطاح بمرشحة حزب الاتحاد من أجل الجمهورية، قبل سنة، في انتخابات قاطعها حزب التكتل. فوز الحسن الثاني أهَّله لاختيار حزبه لاستلام مقعد زعامة المعارضة في مأموريتها الثانية.

سيكون هذا لقاءَه الثانيَ مع الرئيس أحمد ولد داداه بعد أن قاد ولد محمد مفاوضات الإسلاميين مع رئيس التكتل، التي أفضت إلى مغادرة أبناء الحركة الإسلامية مقاعدهم في حزب المعارضة الرئيس إلى صفوف بشائر التغيير.

تجمع بين الرجلين صفات الهدوء والانتماء الجغرافي، وحفظ القرآن الكريم، وشيء من التلقائية، وأناقة غير متكلفة.  وتفرق بينهما العلاقة بالغرب وثقافته، والتاريخ النضالي، والكاريزما الشخصية، وسني العمر.

 

الركيزة العمدة

ينتمي  الأربعيني (ولد 1969)  الأشيب إلى ولاية الترارزة، يتوزعه انتماء اجتماعي إلى  مقاطعتي أبي تيلميت وواد الناقة، كما يتنازعه انتماءان آخران داخل قيادات التيار الإسلامي؛ فهو  واحد من ركائز  مرحلة ما قبل نشر الأشرعة السياسية، وقد تبوأ موقعا متصدرا منذ انطلاق مرحلة الانفتاح السياسي بالاصطفاف خلف مرشح رئاسيات 2003. وصفه رئيس حزب تواصل محمد جميل منصور في جلسة مع مجموعة من مناضلي الحزب قائلا: "هذا الرجل أحد ركائز العمل الإسلامي في البلد منذ عرفته".

تخرج ولد محمد من كلية الحقوق بجامعة نواكشوط سنة 1995، وكان يومها واحدا من قيادات العمل الإسلامي، صفة ظلت ترافقه.

افتتح مأموريته الأولى في بلدية عرفات بإنهاء عمل بواب العمدة، ليستعيض عنه بباب مفتوح أمام ذوي الحاجات، وأكملها بفريق موزع الولاءات السياسية، لم يتخذ المجلس البلدي طيلة سبع سنوات قرارا إلا بالإجماع.

يأخذ عليه المعارضون لنهجه في البلدية أنه "لا يريد أن يغضب أحدا" إلى حد "التعايش مع بعض مظاهر الفساد"، ويرد عن نفسه بأن إغضاب الأشخاص ليس هدفا في حد ذاته، وأن "أخذ الناس بالظنة ليس صرامة ولا سياسة".

ما كان "سلبيا" في العمدة قد يكون إيجابيا في الزعيم؛ فقيادة تركيبة مختلفة المواقف والخلفيات تحتاج شخصية توافقية، لا تبحث عن إغضاب الآخرين، لكن مشفقين يتخوفون من أن تقود صفة الوسطية إلى محاولة للتوسط في المواقف في مؤسسة يراد لها أن تكون حدية في علاقتها بسلطة تتغول على كل شيء، بما في ذلك معارضاتها.

يعرف عن الزعيم الجديد حضور بديهة في هدوء، في صلابة موقف، في سلاقة خطاب، وتوازن في النظرة إلى الأشياء والفرقاء. أكسبته التجربة البلدية "قسوة المسير"، وإن ظل سهل المراس.

تزحدم نساء ورجال من أعمار  وهيئات مختلفة أمام مكتب العمدة، الذي ما زال يداوم فيه، وتزدحم في أذهانهم صور لرجل يقولون إنهم حملوه إلى البلدية دون أن يكون لهم، أو لبعضهم، بالضرورة ولاء لحزب اختاره لزعامة المعارضة، وتزدحم في ذهن الزعيم الجديد صور المعاناة التي تعجز عنها ذات يد البلدية، وتشغل عن بعضها زعامة المعارضة، في أرجاء، وتضاعيف، كبرى بلديات العاصمة.

ينتمي ولد محمد إلى مدرسة العمل الصامت، يقدم بين يدي خطابه آيات التواضع، ثم  يردف بـ"المحاولة". ليس قاطعا، في إجاباته، لكن نبرته لا تخلو من صرامة، تنكرها ملامح حامل القرآن المبتسم، والسياسي الودود، لكنها ظهرت بجلاء عندما رفض استلام البلدية من سلفه سنة 2006 نتيجة وضعها المالي. الأزمة التي تمت "تسويتها وديا".

مطالب بين خسارتين

استقبل استلام الحسن ولد محمد زعامة المعارضة الديمقراطية بسيل من التعليقات المشككة في القدرة والأهلية، يرى عارفوه عن قرب أنها ستتلاشى تدريجيا بفعل قدرته الهادئة على تبديد الغيوم.

واستقبل بتبريكات واستعدادات للتعاون من الأغلبية، رافقها تسريب غير بريئ عن لقاء مرتقب (مفترض) بينه وبين الرئيس عزيز،  يعتقد المشفقون أنها تريد أن تبلعه طعم تمزيق المنتدى، و"غزوه" بزعامة مؤسسة معارضة تمنحها من تشاء وتسلبها من شاءت.

يواجه العمدة الزعيم تحديات جمة لا تختزلها الفروق الشخصية بينه وبين الزعيم الرئيس المنصرف، فهو مطالب بأن تسع المؤسسة الموقف المعارض، بغض النظر عن الموقع، وهو مطالب بتصريف موقف حزبه بين معارضتين؛ تشارك إحداهما في البرلمان والمؤسسة وينظر إليها على أنها معارضة رخوة، أو  معارضة بنكهة الموالاة، لن ترضى أن تكون تابعة في الموقف لحزب تواصل.  ومعارضة خارج البرلمان، توصف بالراديكالية، لا ينتظر منها أن تعترف بزعامة لم تشارك في الانتخابات التي قادت إليها.

وهو مطالب بإحياء مؤسسة فُصِّلت على غيره، واختير هو لها، واحتضرت في المهد.

كانت مؤسسة زعيم المعارضة فكرة تفتقت عنها "عبقرية العسكر"  تعويضا معنويا لمن تقرر أن "يخسر الانتخابات الرئاسية، ولو صوتت له الصين"، وربما يكون تسليمها اليوم فكرة تفتقت عنها ذات العبقرية لتحقيق أهداف ليس أقلها أن يخسر   الصف المعارض وحدة يعتبر التسليم بحد ذاته مؤشرا على الشقوق العميقة في جدارها. وبين الخسارتين على الزعيم الجديد تحقيق نجاحات.

 

العمدة الزعيم (بورتريه)

إعلان

السراج TV

تابعونا على الفيس بوك


Face FanBox or LikeBox