وقف نشاط بعض الشركات والهيئات العمومية ترشيد أم تبذير / أحمد ولد محمدو

خميس, 2019/02/14 - 15:28

كلما جرى حديث عن المنجز خلال #عشرية_الأنوار، انبرى البعض لمحاولة البرهنة على ما يعتقد أنه فشل للدولة خلال هذه العشرية مستدلا على ذلك بتصفية وإغلاق عدد من الشركات ملمحا إلى أن حكومة تسرح العمال وتفلس الشركات على حد زعمه لا يحق لها الحديث عن إطلاق مشاريع جديدة.
إن الكشف عن حقيقة الإجراءات الحكومية الخاصة بهذه الشركات وتصنيفها بشكل موضوعي ضمن خانة ترشيد الموارد العامة أو تبديدها، يستدعى الكشف عن الغرض من إنشاء الشركات التي يستشهد البعض بإغلاقها، وتوضيح الخدمات التي كانت تقدم، هل مازلنا بحاجة لهذه الخدمات في الوقت الراهن؟
إن الإجابة على هذه الأسئلة توضح ما إذا كان إغلاق هذه الشركات يدخل في إطار ترشيد موارد الدولة وتوجيهها الوجهة الصحيحة أم يمكن أن يكون فسادا وإتلافا للموارد العامة.
لا خلاف في أن هذا النظام قد أنقذ شركات كبرى ومهمة من التفويت للخواص، كما أعاد إطلاق شركات أخرى كانت مفلسة، أما تلك الجديدة فحدث ولا حرج والتي كانت ثمرة للسياسة ناجعة لتحسين مناخ الأعمال.
وحتى لا نبتعد كثيرا فإن النماذج الشهيرة للشركات التي تم إغلاقها أو إلحاقها بأخرى هي سونمكس، وكالة النفاذ الشامل، وأنير، فبخصوص الأولى وكما هو معروف فإنها أنشئت في ستينات القرن المنصرم بغرض توفير السلع الأساسية في ظل غياب موردين قادرين على تغطية السوق بالشكل المناسب، ولاحقا لمكافحة الاحتكار وضبط الأسعار، وقد قامت بدور مهم خلال العقود الماضية، ومنذ دخول البلد مرحلة اقتصاد السوق، وتشكل قوة مالية من رجال الأعمال قادرة على استيراد حاجيات البلد، فإن هذه الشركة بدأ دورها يتقلص، ومع ذلك ظلت الحكومات السابقة تتمسك بها لأسباب تخصها، فكانت بذلك عبء على كاهل الدولة حيث تستنزف الموارد المالية دون تقديم خدمة، ليقتصر دورها في السنوات الأخيرة على تسيير حوانيت أمل الموجودة في نواكشوط فكانت بذلك تكلف الدولة سنوية ما يزيد على مليار أوقية.
أما بخصوص "أنير" شركة صيانة الطرق التي أطلقت في مرحلة كان البلد خلالها في حاجة ماسة لصيانة الطرق وبنائها في وقت متزامن، بناء على الحالة المزرية للشبكة وضرورة التسريع في بناء طرق جديدة، وبعد 10 سنوات من العمل المتواصل وإكمال ما يضاعف ما تم بناؤه خلال 50 سنة الماضية، هل من المنطقي أن تبقى حاجة البلد من البنى الطرقية هي نفسها، وهنا كشف التقييم أن دمج هذه الشركة في ATTM أكثر جدوائية خصوصا إذا ما علمنا أنه في عصر التكتلات الصناعية والتجارية الكبرى يعتبر خيار دمج المؤسسات الحل الأفضل للاستمرارية والقدرة على المنافسة في سوق تشكل القدرة المالية والخبرة للشركات العوامل الأساسية لنجاحها.
أما وكالة ترقية النفاذ الشامل إلى الخدمات فقد أنشأت هي الأخرى سنة 2001 بهدف تمكين سكان المناطق التي لا تغطيها خدمات شركات الكهرباء والماء والاتصالات للنفاذ إلى هذه الخدمات.
وبعد أكثر من عقد ونصف من العمل كان من الطبيعي أن يتم تقييم أداء هذه الوكالة، وقد خلص هذا التقييم إلى أنها لم تعد الوسيلة المثالية لتحقيق الغايات المنتظرة منها، بسبب تداخل الصلاحيات مع بقية القطاعات الحكومية، مما يضع استمرار هذه الوكالة ضمن دائرة تبديد الموارد العامة، كما أن عملها الموازي لعمل بعض القطاعات الحكومية يضعف فرص مراكمة وتعزيز القدرات والخبرات لدى الكوادر العمومية.
انطلاقا مما سبق فإن إنشاء هذه الهيئات جاء استجابة لحاجيات وظروف معينة، وقد قامت بالدور المطلوب منها، لكن تغير هذا الظروف يجعل من التمسك بها ضربا من سوء التسيير وتبذير الموارد العامة.
أما الدور التشغيلي لهذه الشركات الذي يعزف عليه البعض، باعتبار عمالها من يعيل مئات أو آلاف الأسر الموريتانية، فإن الدور التشغيلي لهذه الهيئات لم يكن أبدا من بين الأهداف التي تم إنشاء هذه الشركات على أساسها لأنه كما أسلفنا أنشأت من أجل توفير خدمات للمواطنين بشكل عام لا تشغيل بعضهم.