موريتانيا.. معاناة مرضى السرطان في مركز "الأنكولوجيا" / محمد الامين إسلمُ

سبت, 2021/06/19 - 16:00

غادرت المنزل في نهاية الترحيل حوالي السابعة صباحا متجهة نحو المركز الوطني للأنكلوجيا رفقة الابن صمب شيخنا حيث أجرينا عدة فحوصات بتكاليف باهضة، أنفقنا فيها كل مانملك"، هكذا روت لنا خديجة محمد أحمد بداية رحلة ابنها مع مرض السرطان الفتاك.

بنت محمد أحمد قالت إنها كانت تقضي قرابة 17 ساعة في المستشفى.

وتضيف بنن محمد أحمد خلال الموجة الأولى من فيروس كورونا المستجد عانيت رفقة الابن صمب شيخنا من حظر التجوال الذي كان يتم تطبيقه في تلك الفترة الساعة الرابعة ظهرا، وفي بعض الأحيان يأتي علينا الحظر  ونحن لم نصل المنزل، وقد بتنا ليالي عددا أمام المركز خوفا من عدم وصولنا للمنزل قبل بداية حظر التجوال.

وكانت السلطات الموريتانية قد قررت السماح للمرضى بالتنقل أثناء حظر التجوال للمراكز الصحية، غير أن بعض الفرق الامنية لم تحترم ذلك القرار في بعض الأحيان.

يتلقى صمب البالغ من العمر (15) عاما العلاج منذ 7 سنوات في المركز الوطني للأنكلوجيا وسط العاصمة نواكشوط.

تقول والدته - ووجهها يتهلل من الفرح - إن الأطباء أخبروها بقرب شفائه بعد معاناة عاشها مع السرطان دامت أكثر من 7 سنوات.

وتلخص بنت محمد أحمد معاناتهم في عدم القدرة على شراء الأدوية والعجز في بعض الأحيان عن ثمن تأجير سيارة أجرة توصلهم للمستشفى حسب تعبيرها.

لايختلف حال صمب عن حال بقية المصابين بالسرطانات في المركز الوطني للأنكلوجيا بالعاصمة نواكشوط، حيث تتسم تكاليف علاج مرضى السرطان بالغلاء إضافة إلى طول فترة العلاج مما ينهك كاهل أسر المرضى فيضطر الكثير منهم إلى التوقف عن الذهاب بمريضه لإكمال علاجه بسبب ضعف المستوى المادي، بل إن كثيرا من المرضى لا يعود لمواعيده بسبب العجز عن مصاريف النقل إلى الأنكلوجيا.

فاطمة بنت عبد الله رئيسة جمعية أسعد تسعد العاملة في مجال مساعدة مرضى السرطان منذ عدة سنوات قالت في تصريح خصتنا به إن من أبرز المعاناة التي يعاني منها المصابون بأمراض السرطانات في موريتانيا مواجهتهم للمرض لوحدهم، إضافة إلى المشاكل الاجتماعية والاقتصادية والنفسية.

وأضافت بنت عبد الله: "كذلك من ضمن المعاناة أنه لاتوجد منظومة شاملة لرعاية المريض متكاملة تشمل جميع الجوانب الاجتماعية والاقتصاية والنفسية، مردفة أن غالبية المشاكل التي يعاني منها مرضى السرطانات تكون اقتصاية بالدرجة الأولى، لأنها تشكل عائقا كبيرا بالنسبة لهم".

ومن ضمن المعاناة التي يعيشها مرضى السرطان ومازالوا يعانون منها لحد الساعة هو عدم وجود تصاريح بالمرور أثناء فترة حظر التجوال، وحتى لو وجد الواحد منهم تصريحا فإنه لن يجد سيارة توصله إلى منزله، فتجد الواحد منهم ينتهي من الحقنة الساعة الواحدة أو الثانية فجرا ولايجد سيارة توصله إلى منزله، وقد حاولنا في جمعية أسعد تسعد التغلب على ذلك من خلال الاتصال بشركات النقل الخصوصية التي توجد لديها تصاريح بالتنقل أثناء حظر التجوال لتأجير سيارة توصل المريض إلى بيته.

وفي سردها لمعاناة مرضى السرطان قالت بنت عبد الله إن من ضمن المعاناة عدم وجود مصحات نفسية تساعد المريض على الاندماج في أسرته ومحيطه لأن أغلب مرضى السرطان يختارون الجلوس لوحدهم، وللأسف لاتوجد حتى الآن مصحات تساعد المرضى في الاندماج داخل المجتمع.

وأشارت بنت عبد الله إلى أن أغلب المصابين الذين يعانون من السرطان بالمجمل هم من الطبقات الهشة أصحاب الحرف اليدوية (امنيفرات)، (مصوهات)، أصحاب العربات (شاريت) لافتة إلى أن أي شخص أصيب بهذا المرض مهما بلغ من الغنى سيعاني من تبعاته أحرى إذا كانت عنده معاناة اجتماعية قبل الإصابة بالمرض.

ولفتت بنت عبد الله إلى أنه بعد إصابة الوالد أو الابن تفقد تلك الأسرة شخصا كان هو مصدر الدخل بالنسبة لهم، فهذه أيضا من الصعوبات التي يواجهها مرضى السرطان في موريتانيا إن لم تكن أكثرها صعوبة.

وأكدت بنت عبد الله أن أكثر السرطانات انتشارا في موريتانيا سرطان "الثدي" يليه "عنق الرحم" ثم "القولون"، ثم سرطان الدم بالنسبة للأطفال، مردفة أن معدل السن التقريبي للإصابة 55 سنة وأن 33% من هذه الإصابات  تأتي متأخرة للمركز الوطني للأنكلوجيا.

أما بالنسبة للأدوية تضيف بنت عبد الله فإنه رغم الإعلان عن تخفيضها من طرف الجهات الرسمية فإنها لايمكن أن تغطي احتياجات المرضى ومع ذلك أغلبهم يجود بما يملك من المصاريف لكنه في أغلب الأحيان لايجد الدواء.

ورجحت بنت عبد الله أن يكون سبب ارتفاع حالات الإصابة خلال العام المنصرم 2020 راجع لكثرة حالات التشخيص عن المرض وإجراء الفحوصات للأشخاص الذين يصلون المركز.

الأكثر احتياجا

وأظهرت إحصائيات رسمية أرقام مهولة لانتشار السرطانات في موريتانيا بمعدل يفوق 100 حالة مشخصة شهريا في يالعام 2020.

وأطلق عدد من الأخصائيين حملة في مواقع التواصل الاجتماعي نهاية العام المنصرم طالبوا فيها الجهات المعنية بدق ناقوس الخطر لمعرفة الأسباب وراء الإنتشار المخيف لهذا الداء العضال.

و تحرص الجمعيات العاملة في مجال مساعدة مرضى السرطان كجمعية أسعد تسعد، والجمعية الموريتانية لمرضى السرطان (شفاء)، على انتقاء المرضى الأكثر احتياجا، وذلك من خلال توفير العلاج الطبي لعدد كبير من المحتاجين إليه خاصة الأطفال والأيتام، والأرامل.

ونظرا لانتشار هذا المرض الخطير في وسط الأطفال الموريتانيين، وحاجة هذه الفئة من المجتمع للرعاية والعلاج الخاص، وسط حالة من عدم القدرة الاقتصادية لأسر هؤلاء الأطفال، و غلاء أسعار بعض فواتير الأدوية وعجز ذوي المصابين عن توفيرها، تسعى الجمعيات إلى مساعدة أسر هؤلاء الأطفال من خلال شراء الأدوية وإجراء بعض الفحوص لهم.

كما تحاول الجمعيات - رغم إمكاناتها المتواضعة - المساهمة في توفير العلاج المجاني لمرضى السرطان، في مجتمع يعيش معظم أفراده ظروفا اقتصادية صعبة، وتعاني بنيته الصحية من صعوبات جمة تراكمية منذ عشرات السنين، حيث ارتفاع تكاليف العلاج وكثرة المصابين بالسرطان.

وبما أنه لكل طفل أحلام وأماني يحلم بتحقيقها بين أحضان أسرته، فإن هذه الجمعيات تعتبر أطفال السرطان قطعة منهم يتحملون معهم آلامهم ويسعون جاهدين للتخفيف من معاناتهم ورسم البسمة على وجوههم، لذلك عودوهم على إطلاق موسم "تحقيق الأمنيات"، حيث ينظمانه في ذكرى اليوم العالمي لسرطان الطفل الذي يصادف 15/2، من كل عام، يسعون من خلاله لرسم البسمة على أوجه الأطفال لتخفيف معاناة المرض عنهم نفسيا على الأقل.

تكاتف الجهود

قبل ثلاثة أيام وفي آخر تصريح رسمي من الحكومة الموريتانية قال وزير الصحة، سيدي ولد الزحاف،  إن قطاعه بصدد إعداد استراتيجة وطنية شاملة  لمحاربة مرضى السرطان، مشيرا إلى أن الوزراة غير قادرة وحدها على محاربة هذا المرض الخطير، لافتا إلى ضرورة تكاتف جهود أغلب القطاعات لمحاربته.

وفي رد له على سؤال حول مركز الأنكلوجيا في موريتانيا، قال ولد الزحاف إن هناك توسعة للمركز ريثما يتم الحصول على قطعة أرضية لبناء مركز جديد.

وقال ولد الزحاف إن أغلب الحالات التي تصل إلى المركز تصل في المراحل  النهائية، مشيرا إلى ضرورة معرفة أسباب انتشار مرضان السرطان في موريتانيا، لافتا إلى انتشار المرض قد يكون بسبب المعلبات المستوردة أو السيارات.

وأضاف ولد الزحاف أن الحكومة لا بد أن تستثمر في الوقاية من السرطان، مشيرا إلى أن ذلك ضروري من ناحية الصحية والاقتصادية.

السرطان الفتاك

السرطان الذي كان يُعتبر في يوم ما مرضا لا يمكن تدبر السيطرة عليه ومميتا حتما، يمكن الآن تشخيصه في مرحلة مبكرة ومعالجته بمزيد من الفعالية باستخدام تقنيات نووية، مما يتيح للمرضى فرصة للكفاح، وللكثيرين منهم فرصة كبيرة للشفاء.

وقد مثل إنشاء المركز الوطني للأنكلوجيا أواخر العام 2008  حلقة مهمة في إطار تعاطي الدولة مع مرضى السرطان، حيث كان الكثير منهم ينفق قبل إنشاء المركز الكثير من المال في السفر إلى الخارج لتلقى العلاج هناك.

تم نشر هذا التقرير بدعم من JHR/JDH – صحفيون من أجل حقوق الإنسان والشؤون العالمية في كندا