موريتانيا: باعة النعناع والإجراءات الاحترازية ضد كورونا / اموه احمدناه

أحد, 2021/06/20 - 16:14

عابدين همر"بائع نعناع" أحد الشاهدين على فترة العزوف عن الشراء كما يطلق عليها،وهو يدرك حق الإدراك أن جميع الأنشطة تأثرت جراء فيروس كورونا حيث يقول:
"قبل كورونا كان دخلنا اليومي يتراوح بين 300 آلاف و 200 أوقية قديمة حوالي" 8 دولار - 5 دولار"،وبعد وصوله البلاد وعدم خروج الناس من المنازل إلا للضرورة القصوى والتوجس من كل شيء،تراجع الدخل إلى 150 أوقية قديمة"حوالي 4 دولار"،كان الكثير من النعناع يصبح بعد فترة قصيرة غير صالح للاستعمال،لذلك فقد كانت مرحلة صعبة،وكنا الحلقة الأضعف فيها من ناحية التأثر كأصحاب دخل محدود،يعيشون في الغالب على ما يأتي من هذه التجارة التي عرفت الكساد"

توجه عابدين لهذه المهنة انطلاقا من منزلة الشاي الذي يحتل عند الموريتانيين مكانة يحسد عليها،بعد أن وجد طريقه لهذه الربوع وفق المصادر التاريخية أواخر القرن التاسع عشر رُفقة قوافل التجار التي كانت تجوب البلاد،فأصبح الرفيق في المجالس وعلى وقع كؤوسه يحلو السمر،ومع الأيام نشأت علاقة تمازج وتجانس بين أوراقه وبين أوراق النعناع الذي يضفي لمذاقه نكهة خاصة،جعلت من بيعه واحدا من أبواب الرزق التي توجه صوبها عدد لا بأس به من الرجال والنساء على حد السواء.

العلاقة بين الشاي والنعناع بدأت في الاضطراب مع بزوغ فجر فيروس كورونا في موريتانيا،حيث جاء الإعلان عن جملة من الإجراءات الاحترازية،فعرفت المنتوجات المعروضة في الشوارع عزوفا من لدن المشترين،الذي يتوجسون خيفة من الإصابة بفيروس أثقل كاهل المنظومات الصحية.

الأستاذ بكلية العلوم القانونية والاقتصادية محمد فال أحمد الكوري متحدثا عن الأثر الذي تركه كوفيد من الناحية الاقتصادية:
"سبب كورونا أزمة اقتصادية عالمية لم يسبق لها مثيل من حيث الطبيعة و التداعيات،فهي أول أزمة بهذا الشكل منذ مائة عام،وبلمح البصر بدأت إجراءاتها تنعكس على الجميع و إن كانت بدرجات متفاوتة نسبيا بين الدول (النامية و المتقدمة) و بين القطاعات.
ولعل من التداعيات التي سببها كوفيد الشلل التام الذي حصل في مجمل  القطاعات،كما هو الحال بالنسبة للتعليم والصحة وغير ذلك،
و جدير بالذكر أن هذه الأزمة الشاملة كانت على مستوى الدول أخف حدة على الصين (حيث نما اقتصادها في حين كانت معدلات النمو لجميع الدول سلبية) وعلى مستوى القطاعات شكل قطاع الاتصالات الإستثناء الصارخ حيث نما،أو على الأقل لم يصب بخسائر كبيرة(و مرد ذلك هو أن الطلب عليه شهد طفرة أثناء الحجر الصحي من قطاع الأعمال والمستهلكين الخاصين)".

ويضيف الأستاذ محمد فال قائلا:
"في هذه الصورة تبدو موريتانيا كبقية الدول النامية الهشة كقشة في مهب عاصفة كورونا:
- عجلة الاقتصاد تدار من طرف القطاع العام بمختلف مؤسساته،مما يعني احتمال سوء التسيير.
- القطاع الخاص بشقيه(نسبة الشركات الصغيرة في موريتانيا تزيد على 95% من النسيج الإنتاجي و نسبة القطاع غير المصنف فيها تناهز  98%) مهمش و ضعيف،و يعني هذا فيما يعنيه أن القطاع غير المصنف هو الأكثر،مما يعني خللا بنيويا و ضعفا جوهريا ينضاف لما سبق،و تؤدي هذه العوامل مجتمعة إلى فقدان الوظائف الهشة أصلا،بشكل سريع وعدم إمكانية إعادة التأهيل لانعدام الموارد والحلول الإدارية الخلاقة لدى الدولة"

في طرف آخر من نواكشوط توجد فاطمة بلال"بائعة نعناع" وهي تعرض بضاعتها من النعناع أمام المجمعات التجارية،وتقول عن تلك الفترة من مراحل انتشار فيروس كورونا في موريتانيا:
"أمام المجمعات التجارية أرضية خصبة للبيع،فمن النادر أن يشتري أحدهم أغراضا دون أن يأخذ معه حزمة من النعناع،نظرا للمكانة الخاصة التي يحتلها الشاي عند الإنسان الموريتاني،وهو الذي يشربه في اليوم ثلاث مرات،لذلك منحني هذا العمل دخلا لا بأس به يقي السؤال والاعتماد على الغير،لكن ذلك كله أصبح كأن لم يكن بين عشية وضحاها،حيث كنت في بعض المرات أعود للمنزل بالبضاعة دون بيع حزمة واحدة"

الأستاذ والباحث الاجتماعي الشيخ الحسن البمباري متحدثا عن الوضعية التي وجد فيها أصحاب الدخل المحدود وبالتحديد باعة النعناع أنفسهم وسط المخاوف من الإصابة بفيروس كورونا:
"نظرا للمخاوف من الإصابة بكوفيد عن طريق الأشياء المتبادلة باليد،فإن حركة باعة النعناع أصبحت مقيدة جدا،ما جعلهم في وضع صعب،فهم لا يملكون خيار التعقيم والتعليب الأمور التي قد تضمن السلامة،وبذلك انتقلوا من وضع سيء إلى أسوأ بوصفهم ينتمون لقطاع غير مصنف،وفاقم من هذا الوضع غياب الدعم الموجه لهذه الفئة المكونة من معيلي و معيلات الأسر"

لا يتذكر سيدي اميجن"بائع نعناع" أن النعناع عاش فترة كتلك الفترة،التي صادفت لحد ما موسم الخريف الذي يشهد فيه النعناع في الحالة الطبيعية غلاء وندرة تجعل المشتري يدفع دون تردد للحصول عليه،وهو يستحضرها قائلا:
"لم نأخذ كورونا في البداية على محمل الجد،غير أن الأرقام التي كانت تعلنها الجهات الصحية كحصيلة يومية جعلتنا كغيرنا نفكر حقا في الاحتراس وأخذ الحيطة والحذر،ولم يكن ذلك الاحتراس ليصل باب رزقنا الذي نعتمد عليه في سد لقمة ذوينا الذين ينتظرون في المنزل،وصحيح أن الدخل لم يكن كما كان،بيد أنه ظل هناك دخل ولله الحمد،فكورونا لم يستطع أن يقطع الأواصر بشكل نهائي بين الموريتاني والنعناع،ولعل من الأشياء التي شجعت على مواصلة شرائه أنه يوضع في الشاي الساخن،وكما تعلمون فإن الناس في تلك الفترة تداولت كثيرا أن الأشياء الساخنة طاردة لكورونا".

شكل كورونا كابوسا حقيقيا أصاب جلّ أصحاب الدخل المحدود في مقتل،ومثل فراقا بين بعض العاملين وأعمالهم لأسابيع أحيانا،وأحيانا بشكل نهائي،ومع أثره الظاهر يُعول على أن تصلح الخطط والاستراتيجيات ما أفسده كوفيد.

تم نشر هذا التقرير بدعم من JHR/JDH – صحفيون من أجل حقوق الإنسان والشؤون العالمية في كندا.