مساجد نواكشوط برمضان: ميدان للعبادة والتعلم وأشياء أخرى

جمعة, 2015/06/26 - 16:52

تعرف مساجد العاصمة  في رمضان إقبالا منقطع النظير سواء في الجمع والصلوات الخمس أم لحضور دروس العلم وحلق التعليم التي لا يكاد يخلو منها أي جامع خلال الشهر الفضيل، لكن وقوع بعض المساجد على مقربة من الأسواق والمكاتب الحكومية جعلها قبلة الراغبين في نوم هادئ أو اختلاس غفوة استرخاء من عناء الهاجرة ووعثاء هموم العمل وصخب الأسواق.

وهكذا مع اقتراب الزوال وموعد فتح بوابات الجامع الكبير بنواكشوط يكون العشرات قد أخذوا مواقعهم استعدادا لموعد يومي مع النوم نادرا ما يخلفوه.

إن اتساع باحة المسجد ورحابة بواباته والهدوء والسكينة اللين تملآن جنباته وموقعه المتميز في وسط المدينة كلها عوامل أهلته ليكون المسجد الأكثر روادا سواء على مستوى إقامة الصلاة أو حضور دروس العلم وحتى المشاركة في غرف النوم الجماعي.

ورغم انتقاد الظاهرة باعتبارها أمرا لايليق بحرمة المسجد ولا يتماشى مع ما ينبغي من تعظيم حرمات الله  إلا أن الظاهرة فرضت نفسها كواقع لا مناص من التصالح معه حيث لم ينص عليها إمام الجامع في أول يوم من رمضان في تقديمه للدروس الرمضانية مكتفيا بالتنبيه على ضرورة الحفاظ على نظافة المسجد وتفادي استخدام البعض أوعية للبصاق أو رزم الرمل والتي ظلت حتى وقت قريب من الظواهر المنفرة التي يتعاطها بعض مرتادي المساجد في نواكشوط.

واليوم فإن الوافد إلى الجامع المذكور يكاد يجزم باستشراء الظاهرة خاصة بعد صلاة الظهيرة وبالتزامن مع الدروس الرمضانية وفي هذا السياق يقول سيد محمد، وهو أحد رواد الجامع الكبير إن النوم بالمساجد ظاهرة سلبية ولا تليق بحرمة المكان وتعظيم حرمات الله، مضيفا أن المسجد مكان للعبادة وهو ما ينبغي استحضاره حتى لا يكون الدافع لحضور المسجد هو النوم وإنما الأعمال بالنيات ولكل امرئ ما نوى.

في المقابل يكتفي البعض بالتأكيد على أن تكون الظاهرة في إطار الحاجة والضرورة القصوى لا دعوة مفتوحة للنوم والكسل تغري الكثيرين بإضاعة الوقت وتفويت أجر الطاعات المضاعف في أيام رمضان.

 

سلوك منفر 

يحذر بعض الأئمة من حين لآخر من اتساع نطاق ظاهرة النوم في المساجد في رمضان والمخاوف من خروجها عن السيطرة لكنها تحذيرات تبدو ضعيفة الأثر مثلها مثل إجراءات عملية كإغلاق المساجد خارج أوقات الصلاة.

ويستغل النائمون فرصة افتتاح بعض المساجد وبخاصة المسجد الجامع لأداء صلاة الظهر للتجمع فيه ومنع القائمين عليه من إغلاقه فيما يشبه احتلالا بالعنوة والإكراه، بالرغم من حملات التوعية والزجر التي ما فتئ إمام هذا المسجد يقوم بها من حين لآخر.

وفي السنوات الأخيرة كثيرا ما حذر إمام الجامع أحمدو ولد لمرابط من استمرار ظاهرة النوم بالمساجد وغيرها من الظواهر السلبية المنافية لواجب الاحترام والتوقير لبيوت الله.

ويقول ولد لمرابط إن رمضان ليس شهر نوم، بقدر ما هو شهر عبادة ونشاط وجدية وعمل، يجب على الجميع فيه التحلى بالأخلاق الحميدة والسلوك السوي والابتعاد عن الخمول والكسل وغيرها من السلوكيات غير المحمودة.

يُذكر أن ظاهرة النوم بالمساجد تثير جدلا قديما متجددا في الأوساط الفقهية من العهد التابعي وحتى العصر الراهن بين محرم لها وقائل بجوازها مطلقا ومفت بإباحتها بشروط، مما يعني أن الاختلاف في الظاهرة يبقى غير قابل للحسم لتبقى هي الأخرى قابلة للتجدد مع إطلالة كل رمضان.

نوم في وقت الدروس:

لا يمنع النائمين في المسجد جو رمضان الإيماني من نومهم، ولا ينتبه أغلبهم لما يعلمون من كثرة الأجر في رمضان وتضاعف الأعمال فيه، بل ولا يردهم عن نومهم ما يبذله أهل الخير من دعاة وعلماء وموجهين من محاضرات ودروس وكلمات وفتاوى يهدفون بها إلى توعية وتثقيف، وتزكية زوار المسجد.

ومن اللافت في هذه الظاهرة أحيانا أن بعض الأطفال الذين يزورون المسجد يكونون أكثر  انتباها من وكلائهم الذين جاءوا بهم إلى المسجد، وكأن ولي أمر الطفل جاء به نائبا عنه، لكي يحضر الدرس،ويستفيد العبر في حين ينام هو ويجد الراحة البدنية...

ومع ذلك فمن النائمين – بعد استيقاظه - من يبرر نومه بكثرة عمله في النهار وصعوبة هذا العمل.. ومنهم من يؤكد أن الأصل في النوم في المسجد الجواز، ولا مانع من النوم فيه إذن، ما دام الإنسان محتاجا إليه، ومنهم من لا يجد لذلك مسوغا، ويرى النائمين في المسجد مخطئين مطلقا.

 خالد ولد أسلمو : رمضان فرصة للمسارعة لا النوم..

يرى الإمام الداعية خالد ولد إسلم الأمر يحتاج إلى تفصيل، فهو يؤكد على خطورة النوم المطلق في رمضان لما يسبب من ضياع فرصة كبيرة في العبادة لا ينبغي للإنسان المسلم أن يضيعها، ويرى التفريق بين النوم الضروري وغير الضروري، فما كان الإنسان محتاجا إليه يقول الإمام خالد ولد إسلم جاز له بقدر الحاجة، أما أن يجعل المسجد مكانا معهودا للنوم، فهذا مخالف لما بني له المسجد أصلا، وهو خطأ وغبن بين، خاصة أن السلف كانوا يستيقظون في رمضان ويقلون فيه النوم...

ويرى خالد ولد إسلم أن النوم في المساجد لا ينبغي أن يكون كيفما اتفق، بل لا بد للنائم –إن كان لابد له من النوم- أن يحافظ على آداب المسجد، وأن لا يستغرق في نومه، لأن الإنسان ضعيف، والاستغراق في النوم قد يعرض فرش المسجد لما لا يناسبها...