لمحات عن الشيخ محمد عبد الله بن الإمام وفوائده العلمية

أربعاء, 2015/07/15 - 14:09

بقلم محمد يحيى بن احريمو

تحل اليوم ذكرى وفاة العلامة الجليل الشيخ محمد عبد الله بن الإمام  طيب الله ثراه حيث توفي   يوم الجمعة 27 رمضان من سنة 1413هـ الموافق 26-9-1993م، ومنذ فترة وأنا أفكر في الكتابة عن  حياته و عن بعض مواقفه الفكرية وفوائده العلمية، فلما مرت بنا هذه الذكرى اتخذتها مناسبة لما قصدت إليه، مع أن الحديث عن مثله يضيق عن المقام لما له من علم وفضل وشمائل وشيم فاضلة .

هو محمد عبد الله  بن سيدي محمد بن محمد الأمين بن الإمام بن عبد الجليل بن المعزوز الجكني ولد رحمه الله تعلى سنة 1347هـ قرب "واحة الدندان" في منطقة  " الوادي الأبيض "  من  أعمال مقاطعة " تججگة" ، وكانت علامة النبوغ بادية عليه منذ نعومة أظافره، وقد نشأ يتيما في بيت جده لأمه العلامة سيدي ولد حين ذلك الداعية المجاهد والفقيه الزاهد، وقد أخذ القرآن على يد أمه مريم بنت حين وأخيها الأكبر محمد سالم ولد حين، ولما ناهز البلوغ تاقت نفسه إلى طلب العلم  ففارق أهله وذهب إلى محضرة أهل محمود ولد احبيب في " تگانت "  ومنها إلى محضرة أهل الطالب ولد اعل في منطقة " أفلة "، وهما محضرتان مشهورتان بالتخصص في القرآن الكريم والمقرأ وهناك حصل على الإجازة في قراءة نافع .

  ثم رحل  بعد ذلك إلى الشيخ احمُد ولد مودْ فدرس عليه مختصر خليل ولما توفي سنة 1372هـ واصل دراسته على تلميذه العلامة الجليل الشيخ محمد يحيى بن الشيخ الحسين، ثم انتقل إلى مدرسة العلامة الأجل  أبّاه بن محمد الأمين اللمتوني في منطقة " باركيول" وقد ألفى الشيخ ضالته في شيخه هذا فهو من أعلم أهل عصره وأكثرهم موسوعية وإتقانا للعلوم، وسرعان ما لاحظ الشيخ أباه ذكاء تلميذه الجديد الشيخ محمد عبد الله لما درس عليه دروسا في الفقه فنصحه بقراءة العلوم العقلية والاهتمام بها لما رأى فيه من أهلية لذلك - كما يقول الشيخ رحمه الله مكتوب له- فدرس عليه الأصول والمنطق والبلاغة والنحو والصرف ومصطلح الحديث وغيرها، ثم درس علم الكلام والعقائد  على العلامة المعقولي البارع الشيخ سيدي محمد بن أجْمَيْلِّي الجكني وانتفع به  فقرأ عليه  "وسيلة السعادة "  للإمام المختار بن بونا ونظم " منهج الهداة" للعمة محمذن بن الأمين بن اخيار الحيبلاوي الذي استدرك فيه على صاحب الوسيلة ما فاته من مباحث الكلام، وقد كان الشيخ رحمه الله معجبا بهذا النظم المفيد وبتبحر مؤلفه في الفن، وسبب دراسته على الشيخ ابن جميلي أنه جاء على حيه في العطلة الأسبوعية (الخميسة) فحضر بعض دروسه ولاحظ براعته في التوحيد والعقليات فقرر الانتقال الدراسة عليه وكان يعد ذلك توفيقا.

كما لقي عدة علماء واستفاد منهم من غير تتلمذ مباشر منهم: العلامة المفسر المتبحر محمد الحسن بن الإمام " بيدر" وأحمد بن سيدي أحمد باب بن أبَّ والعلامة الصالح الحاج بن فحف أطال الله بقاءه .

هذا باختصار عن طلبه للعلم ورحلته، وقد تصدر للتدريس والفتوى وهو ابن خمس وعشرين سنة  حسبما قرأت بخطه ، فعاد إلى مسقط رأسه في شمال تگانت وأنشأ محضرته التي ظلت محل إشعاع علمي، اشتغل فيها بالتدريس والفتوى  والقضاء، .

 كان الشيخ محمد عبد الله رحمه الله  على جانب كبير من  الورع والاستقامة ومن ورعه انه لم يقبل قط أن يعمل في الدولة رغم حاجت الماسة إلى ذلك، فهو من البكائين من خشية الله، وممن  لا يخاف في الله لومة لائم،  فرغم ما كان عليه من حسن الخلق وطيب الشمائل  إلا أنه له سطوة وصولة يعرفها منه جلساؤه إذا انتهكت محارم الله فسرعان ما يغضب لله وتتغير ملامح وجهه فلا يتمالك حتى يغيّر المنكر وله في هذا المجال حكايات عجيبة .

             و عرف الشيخ محمد عبد الله كذلك بالذكاء وجودة الفهم فكان مقصودا لتخريج النوازل وحل المعضلات وزاده في ذلك براعته في علم الأصول والعقليات, و"قوة شخصيته العلمية" فكان يناقش أكابر العلماء المتقدمين ويستنبط من نصوص الكتاب والسنة ما لم يسبق إليه، فهو ممن صدق عليهم قوله صلى الله عليه وسلم : " أتدري من أعلم الناس؟ أبصرهم بالحق إذا اختلفوا " . وقد وصفه بعض شيوخه بأنه مجتهد ترجيح ، وقال   العلامة محمد الحسن بن أحمد الخَديم   في التنويه بموقفه من مسألة زكاه التجارة والعملات:

بذاك قد صرح مفتي الزمن *** عبد الإله بن الإمام الجكني

وهو فقيه فاق في الإحكام*** وناظر في علل الأحكام

طب إذا يسبر منها النبضا*** وليس جامدا جمودا محضا.

 و يقول فيه الشاعر محمد الأمين بن ختار في أرجوزة يمدحه فيها هو وصنوه العلامة محمد يحيى بن الشيخ الحسين:

إن تگانت بها الحبر العلم *** محمد يحيى هو البحر الخضم

فكل فن إن أردتَ عَبْره *** له دراية به وعِبره

وابن الأمام في العلوم النازلة*** من مثله؟ فأمَّه بالنازلة

يكفيكها بنظر سديد *** مؤيد بفهمه الحديد

يخرجها من غامض المعاني *** إذا أبت عن قرنها المُعاني

يحزها في المفصٍل الأصيل *** من اصلها والفرع والدليل

فتنثني خافضة الجَناح *** لمن يرومها بلا جُناح.

ويقول فيه  القاضي مَحمد بن ودادي الكنتي من مقطوعة له :

فهو إمام العارفين بعصره *** وسيدهم في النائبات بلا ند

وأوسعهم باعا وأذكاهم حجا *** إذا عنَّ بحثٌ عن عويصٍ معقد .

وقد ألف الشيخ محمد عبد الله رحمه الله مؤلفات تناهز 30 كتابا مع كثير من التقاييد والأنظام والفتاوي منها:

نظم في غريب لغة القرآن

شرح على منظومة الدرر اللوامع لابن بري

نظم في القرآت السبع جعله توشيحا على منظومة  ابن بري

طرد الدخيل عن حروف التنزيل في الكلام على الهمزة المسهلة

رسالة في الكلام على أحاديث لا عدوى ولا طيرة

شرح على وسيلة السعادة في الكلام لابن بونا

تدريب العقول على موافقة المنقول للمعقول في علم الكلام

رسالة في موضوع الأسماء والصفات

الأجوبة المدنية في بعض المسائل والنوازل المستجدة

رسالة في موضوع " صلاة أهل الأحوال"

أجوبة على أسئلة للشيخ محمد الأمين بن الطالب

نظم مفتاح الوصول في بناء الفروع على الأصول للشريف التلمساني

رفع الخلاف بين الخصمين موقف المقلد من المجتهد وموقف المجتهد من الأدلة الشرعية

إيضاح الامتياز بين الحقيقة والمجاز .

شرح على السلم في المنطق                                                                                        إلى غير ذلك من مؤلفاته في مختلف الفنون .

وقد تميزت مواقفه من الإشكالات العلمية التي شغلت الساحة في عصره بالاعتدال والقصد فرغم أنه من أهل الترجيح والتبصر إلا انه كان لم يكن يخرج عن المذهب إلا في مسائل معدودة ،ويرى أن التبصر والاجتهاد مرتبة يجب ألا يسعى إليها إلا من فيه الأهلية كما قال:

من لم يكن مجتهدا فليستند *** في قفوه النص لقول مجتهد

ليقفوَ النص عل ىبصيرة *** وحجة ظاهرة منيرة .

وذلك تصويب لقول سيدي عبدُ الله في المراقي:

من لم يكن مجتهدا فالعمل *** منه بالنص مما يحظل

ويقول في أبيات أخرى ملخصا موقفه من مسألة " الأسماء والصفات" التي أولع بعض أهل عصره بالخوض فيها حتى جرهم ذلك إلى ما حذّر منه السلف من فتة التشبيه واتباع المتشابه :

الخوض في مشتبهات ***  الذكر مما يجر لفساد الفكر
آمن به على مراد الحق *** من غير تشبيه له بالخلق 
وأنه على معان دلاّ *** لاقت بمولانا علا وجلا 
وإن تؤوله بمعنى تقبله ***  ألفاظه والعقل ليس يحظله 
فلك أسوة من الاخيار ***  التابعين سنة المختار
فالطعن كل الطعن في من اتبع ***  مشتبه الذكر وبئس ما ابتدع
مشتبه الكتاب إن تقف السلف *** فاتله كما عنهم سلف 
وفي الحديث أرو ولا بنت شفة ***  تَنْطقْ بها عنهم تلك الصفة
فارح اللسان والدفاترا  *** من الجدال فيه والمزابرا .
 

ومثل هذا ينطبق على موقفه من التصوف فقد كان يرى أنه جزء أساسي من تراث الإسلام وأن أئمة التصوف الصادقين  على هدى من ربهم، وأن ما عندهم من علوم وأذواق مقبول ومرضي،  ولكنه كان يشدد النكير على أدعياء التصوف الذين غيروا مساره وحولوه إلى مخرقة وجهل وخرافة، وقد كتب رسائل في بعض المواضيع المتعلقة بالتصوف وتميزت سجالاته في الموضوع بكمال الأدب والموعظة الحسنة إلى درجة نادرة في أهل عصره، كما أنه مع ذلك يرى أن كثيرا من أتباعهم وعامتهم ليسوا بمبتدعة حقيقة وإن كانت لهم انحرافات و  . 

وله رحمه الله تعلى فوائد وتحقيقات نفسية وقد قال عنه بعضُ من ترجمه: " إنه قلما يخلو شيء من تآليفه النثرية من فائدة زائدة واستنباط أو توجيه لم يسبق إليه " نظير ما قيل عن الإمام تقي الدين السبكي !

فمن ذلك أنه سئل عن حكم الشريط والوسائط التي يسجل فيه القرآن هل له حكم المصحف من حيث الحرمة ومنع مسه لغير المتطهر على مذهب الجمهور فأجاب بان له حرمة وتعظيما لكنه لا يحرم مسه ولا تجري عليه أحكام المصحف لأنه في حكم القارئ  الذي يقرأ القرآن ونظم في ذلك أبياتا:

هذا وليس ذا الشريط مصحفا = إذ ليس يحوي أحْرُفا وصُحفا

وإنما له لدى الآلاتِ = صوت يحاكي ماضي الأصوات

فصوته مرتبط بالآلة = كسائر الأعراض ذي السيالة

فهو كالقاري فطورا يقرأ = وتارة له السكوت يطرأ

وليس من يقرأ للقرآن  = بمصحف يا طالب البيان .

وهذا الجواب في غاية التحقيق وهو الذي استقر عليه رأي  المحققين من علماء العصر كالشيخ محمد صالح العثيمين والشيخ القرضاوي وغيرهم.  وقد ذكرت هذا الجواب ذات مرة لصديق لي مهندس في مجال الاتصالات فقال لي " هذا جواب علميٌّ قبل أن  يكون فقهيا " !.

ومن بين المسائل الفقهية التي عالجها وكان موقفه منها موفقا موضوع " زكاة العروض والعملات العصرية "، وهي مسألة أشكلت على كثير من أهل بلده في عصره حيث اغتروا برواية ابن القاسم عن مالك التي تشترط في زكاة العروض أن ينض للتاجر شيء من الذهب أو الفضة خلال الحول فإن لم ينض له شيء فلا زكاة  عليه، وعليها مشى خليل في مختصره فجعلوا ذلك الحكم عاما حتى في عصرنا هذا الذي فقدت فيه العين قيمتها النقدية وحلت محلها العملات العصرية فقالوا بإسقاط زكاة التجارة ، وقد كتب الشيخ رسالة في هذه المسألة وبين أن الصواب زكاة العروض وأموال التجارة مطلقا عملا برواية مطرف وابن الماجشون عن مالك فهي  أولى وأرجح من حيث الدليل ومن حيث إنها آخر مذهبي الإمام مالك لأن مطرفا لم يأت إلى مالك إلا بعد خروج ابن القاسم من المدينة إلى مصر فكان قول مالك الأخير ناسخا لقوله الأول، وأما من من حيث الدليل فإن عموم الأدلة الواردة في الزكاة وفي زكاة العروض يقتضي ذلك، ووبين الشيخ رحمه الله أن علة زكاة العين والعروض  عند مالك النماء وليست النقدية كما توهمه بعضهم ولذلك أسقط مالك زكاة الحلي، ولو كانت العلة النقدية لزم أن يقدح في ذلك بقادح النقض وهو تخلف الحكم عن الوصف في هذه الصورة وهو قادح اتفاقا، فالصواب أن علة الزكاة النماء فهي علة ظاهرة يقتضها مسلك الاطراد والانعكاس، وقد نظم حاصل كلامه العلامة الشيخ محمد الحسن بن أحمد الخديم :

 :

والنجم لا زكاة في الحلي المباح ***  لديه إذ وصف النما عنه مزاح

فلو تكون العلة النقدية***  عنه الزكاة لم تكن منفية

إذ انتفاء الحكم مع وجود   *** الوصف للقدح من المعهود

بذاك قد صرح مفتي الزمن ***   عبد الإله بن الإمام الجكني

وهو فقيه فاق في الإحكام  ***  وناظر في علل الأحكام .... 

وقد وقفنا بعد وفاة الشيخ على كلام ابن عبد البر في الاستذكار وكلام ابن العربي وغيرهم من محققي المالكية في تضعيف رواية ابن القاسم باشتراط النضوض، حتى أن ابن حبيب جزم بشذوذها، فكان ذلك موافقا لما توصل غليه الشيخ بمحض نظره وتحقيقه !!!

ومن ذلك كلامه رحمه الله تعلى في موضوع " هل الصيغة ركن الماهية أم دليلها  ؟ فقد مشى الشيخ خليل وغيره على اعتبار الصيغة ركنا من أركان الماهية مثل صيغة النكاح والبيع وغيرها، وهو الجاري على ألسنة أهل المذاهب الأخرى وقد اعترض على ذلك بعضهم كما في قول الناظم:

والركن جزء الذات والشرط خرج = وصيغة دليلها في المنهج.

وقول الآخر:

وصيغة دليلها فالعد = لها من الأركان فيه بعد  .

وقد بين الشيخ محمد عبد الله هذه المسألة بيانا شافيا فكان يقول في دروسه: إن الصيغة المتكلم عليها في الفقه والأصول هي الصيغة الإنشائية، وهذه لا شك فيه أنها ركن من أركان الماهية لأنها التي تقتضي وجود البيع مثلا وتنشؤه فهي من هنا ركن وجزء لا يتجزأ من الماهية، ومن زعم خلاف ذلك فقد سرى وهمه إلى الصيغة الخبرية، فهي التي يمكن اعتبارها دليلا للماهية خارجا عن حقيقتها .

وهذا التقرير في غاية الوضوح والتحقيق عند  من له ممارسة في الفن.

ومن ذلك مسألة أصولية معقدة أشكلت على كثير من العلماء منهم ابن دقيق العيد والقرافي وهي: " هل العام في الأفراد مطلق في الأحول والأزمنة  " وقد طرح القرافي سؤالا معروفا في المسألة وهو انه يلزم من القول بها إبطال العموم وترك العمل ببعض العمومات لأنه عمل بها في الماضي على قاعدة الاكتفاء بصورة واحدة في المطلق، وأجاب عنه ابن دقيق العيد جوابا معروفا، لكن لم يلامس الإشكال، وقد تكلم الشيخ المترجم  في دروسه على هذه المسألة كلاما بديعا فقال: إن هناك وهم سببه الخلط بين الأفراد والأحوال فالتبس محل العموم الاستغراقي بالإطلاق البدلي وذلك أن قوله تعلى : " والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما" هذه الآية مثلا فيها عموم وإطلاق فالعموم من حث استغراقها لكل سارق وسارقة فهي شاملة لكل فرد من الأفراد المذكورين فهذا محل العموم، وأما الإطلاق فهو أزمنة وأمكنة السارق وأحواله فحيثما كان ومتى سرق وعلي أي وصف وجد فهو مشمول للآية، وهذا من قبيل المطلق لأن هذه الأوصاف والأمكنة والأزمنة لا يوجد الفرد في الخارج متلبسا إلا بواحدة منها فقط، فكانت من قبيل المطلق. فبان بذلك أن سؤال القرافي غير وارد لأنه خلط بين محل العموم ومحل الإطلاق وكذلك جواب ابن دقيق العيد لأنه مبني على تسلميه، وهذا أيضا في غاية التحقيق والتحرير كما لا يخفى على المتخصصين.

ومن هذا القبيل أنه سأله الشيخ الطالب اخيار بن مامين وهو من خلص تلامذته عن كلام للشيخ محمد سعيد رمضان البوطي رحمه الله - وكان الشيخ معجبا به – في كتابه " السلفية مرحلة زمنية مباركة لا مذهب إسلامي" استشكل فيه قول من قال في الآية الكريمة ( هو الأول والآخر والظاهر والباطن ) إنها من قبيل ما يسميه المناطقة " القضايا المهملة" التي هي في قوة الشخصية ولا عموم لها لأنها ليست بكلية، فأجابه الشيخ على البديهة: " قضية هذه الآية كلية وليست مهملة، لأن تعريف الجزأين يفيد الحصر فقوله " هو الأول يقتضي بدلالة الحصر أنه لا أول غيره  سبحانه ، فهي قضية كلية عامة." هذا جواب الشيخ وقد كتبه على هامش نسخة من الكتاب المذكور .

وفي الثمانيات وخلال الحرب الأزمة بين السينغال وموريتانيا سئل الشيخ عن موقفه منها ومن مضايقة بعض أبرياء السينغاليين الأبرياء الذين كانوا في موريتانيا، فأجاب رحمه الله بأنهم مسلمون معصومو الدماء والأموال، وأن من اعتدى عليهم بحجة ما جرى في السينغال من الاعتداء على الموريتانيين فهو ظالم، إذ لا تزر وازرة وزر أخرى قال الشيخ رحمه الله في جوابه في المسألة: " وقد زعم بعض من ضحكت عليه نفسه فأوهمته أنه أهل للفتوى والتصدر أن هؤلاء السينغاليون محاريون وأن أموالهم مباحة وهذا جهل فظيع فإن عقوبة الحرابة قد قررتها الآية الكريمة: (إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله) فاقتضى مفهوم الحصر أنه لا عقوبة لهم غير ذلك." فكان هذا جوابا مسكتا ! .

إلى غير هذا من تحريرات الشيخ وفوائده التي يضيق المقام عن تتبعها .

والشيخ محمد عبد الله رحمه الله شاعر بالطبع وإن لم يستكثر من الشعر وله مقطوعات جيدة منها قوله في الاستسقاء:

سقى الإله بجـودٍ مــــــــــــــنه مدار   ***    مـن الخلـيج إلى آكـــــــــــــام أدرار  

غـيثًا مـريئًا يُريـنـا القحط مـنهـزمــــا  *** لا يلـتـوي عـنقًا مـن بعـد إدبــــــــار

فتصـبح الأرض بعـد الجـدب رابـــــــــيةً  ***** تهتزفـي حـللٍ مـن نـبت الازهــــار  

 وللضّفـادع فـي أرجـائهـــــــــــــا نغم   *** تسبح الله في أوقات الأسحار

وللخمائل رنات مرجعة *** للطير تحسبها رنات أوتار.

ومنها في تقريظ كتابه " طرد الدخيل عن علوم التنزيل" :

قصْدُ النصـيحةِ للقـرآن أدّانـــــــــــــي *** لجـمعه مـن قَصِيِّ الـدار والـدّانـــــــــي  

  مـا فـيـه إلا أقـاويلٌ مهــــــــــــذبةٌ *** صحـيحة النّقـل عـن فرسـان ذا الشــــــان

نزَّهْتُه عـن أقــــــــــــــــاويلٍ مزخرفةٍ  *** وعـن أقـاويلِ هـيَّانِ بنِ بـــــــــــــيَّان

لـم يـخشَ مـن غارة شَعْوا تُشَنُّ عـــــــــلى ***  أيـدي السُّمَيـدع مـن فرسـان مـيـــــــدان

حـرز الأمـانـي له حـرزٌ يصـون كـمــــــا *** يأوي إلى «النّشْرِ» و«التيسير» لـ «لـدانـي» _

توفي الشيخ محمد عبد الله رحمه الله كما اسلفنا يوم 27 رمضان 1413هـ الموافق 26- 9-1993م.