الدكتور إبراهيم مهنا: فاجأني الحضور القوي لفلسطين في موريتانيا (مقابلة)

ثلاثاء, 2015/07/28 - 18:38
الدكتور إبراهيم مهنا : فوجئت من الحضور القوي لفلسطين في موريتانيا

الدكتور إبراهيم مهنا عضو هيئة علماء فلسطين في الخارج، قامة علمية ودعوية سامقة يأخذك بتواضعه الجم قبل أن يأسرك بغزارة علمه، وبإيمانه القوي بقضيته يمتلك موسوعية العالم ورحابة صدر الداعية المربي. التقته السراج على هامش مشاركته في ملتقى القدس الأول بموريتانيا فكان الحديث عن واقع القضية الفلسطينية اليوم وآفاق المصالحة وعن انطباعاته عن موريتانيا ورؤيته لطريق الخلاص والنجاة من أدواء الغلاة والغزاة والطغاة ..إلى غير ذلك من موضوعات في المقابلة التالية: 
السراج : بداية كيف ترون واقع القدس الآن في ظل الحديث عن الانتهاكات المتكررة لباحة الأقصى وعمليات الحفر تحت المسجد الأقصى وطمس المعالم الإسلامية بالمدينة المقدسة؟
الدكتور إبراهيم مهنا : فلسطين قلب الأمة النابض وهي قضيتها المركزية وهي جوهر القضية الفلسطينية ، وبالأمس القريب يتحدث الإعلام عن اقتحام الصهاينة للأقصى في ذكرى ما يسمى بخراب الهيكل ، وللأسف لم يكن موجودا للدفاع عن المسجد الأقصى غير الشيوخ والنساء والمصلين العزل ، وفي فيديو رأيت مسنا يصرخ ويقول : أين أنتم يا عرب أين أنتم يا مسلمون ، وأجاب على سؤاله : أعرف أنكم مشغولون عنا بالحروب بينكم".
وعندما تفقد الأمة بوصلتها فإن أعمالها تكون على غير الأولويات وتنشغل بالتوافه عن الواجب الأكيد.
ومن أروع ما سمعت كلمة الشيخ الددو في افتتاح ملتقى القدس عندما قال : "إن جعل قضية فلسطين بمثابة الخلافة الجامعة للأمة فلم يعد يجمع المسلمين سوى فلسطين.." ،وهي قضية رافعة لكل من يعمل من أجلها ومن يتحمل مسؤولية تحريرها وهي بالمقابل خافضة إلى أسفل سافلين لكل من يتنكر لها ولا يتألم لمصابها.
السراج : غير بعيد عن الجرح النازف في الأقصى هناك جرح آخر قد لا يقل ألما وهو ما يتعرض له سكان غزة من حصار ظالم ومعاناة متجددة ماذا عن الوضع في غزة ؟
الدكتور إبراهيم مهنا: من عمق المأساة يتفجر الأمل ومن الظلم تولد الحريات وبالتالي فالمعاناة في غزة هي عنوان الصمود والتحدي وإرادة التحرير، وأهل غزة ظلوا يرفعون أصواتهم هدفنا بيت المقدس ، ولم يثنهم الحصار والقتال والدمار عن قضيتهم الحقيقية وهي تحرير فلسطين ، فقلب العالم الإسلامي بيت المقدس، ومطالب غزة هي دوما العيش بكرامة وهو مطلب يزعج الأعداء والمحتلين فالكريم لا يبيع ولا يضيع ولا يتخاذل ولا يخون قضيته، في المقابل نجد بني إسرائيل كما وصفهم القرآن الكريم :"ولتجدنهم أحرص الناس على حياة .." والتنكير له دلالته أي: أي حياة مهما كان ما فيها من بؤس ومذلة وخنوع.
السراج : واقع مأساوي آخر من فصول معاناة الفلسطينيين وهو واقع اللاجئين وفلسطيني الشتات؟
الدكتور إبراهيم مهنا: الفلسطينيون في الشتات يشكلون جغرافية متنوعة ما بين معسكرات اللجوء في الأردن وسوريا ولبنان وبين العيش في دول كموظفين وعاملين أو مهاجرين في أوربا وأمريكا ويقدر عدد اللاجئين الفلسطينيين بأزيد من 7مليون نسمة بينما في داخل فلسطين أكثر من 6مليون.
وهذا التشتت لم ينس الفلسطينيين قضيتهم وواجباتهم ، ففي أوربا هناك منتدى سنوي باسم : منتدى فلسطيني أوربا" وينظم فيشهر مايو من كل عام وهو بالمناسبة شهر إعلان قيام دولة الكيان –تظاهرة ثقافية وعلمية ضخمة يوجه من خلالها رسالة إلى العالم بأن الجيل الذي يعيش في أوربا لم ينس حق العودة وسيظل متمسكا بها، وكان آخر نسخة للمنتدى بألمانيا ولديه موقع الكتروني على الانترنت.
في المقابل نجد فلسطينيي العالم العربي يعيشون الألم والمعاناة ويدفعون فاتورة الربيع العربي، ومن المؤسف أن يمنع هؤلاء في لبنان مثلا من العمل في وظائف معينة كالطب مثلا، وكأن بعض الدول لا تريد لهم سوى الانشغال بهمومهم اليومية كتوفير المأكل والمشرب والبحث عن الحصص التموينية لدى الأورنوا والمنظمات الإنسانية، ومع ذلك لم يستسلموا ونظموا الفعاليات المختلفة حول القضية الفلسطينية دعما ومساندة ولم يتخلوا عنها كما كان يخطط الصهاينة عندما قالوا الجيل الأول يموت والجيل الثاني ينسى، فهم ورثوا حب فلسطين والنضال من أجلها لأبنائهم وورثوها لهم لأن المعركة مستمرة والصراع على فلسطين صراع وجود لا صراع حدود، وهو ما يتأكد يوما بعد آخر عندما يحرص العدو الصهيوني على طمس الهوية الفلسطينية في القدس بتغيير الشوارع وتبديل الشكل العمراني وبإنشاء المعابد اليهودية وبالعبث بالتراث والتاريخ الفلسطيني.
السراج : لا يمكن الحديث عن فلسطين دون التطرق إلى جهود المصالحة وترتيب البيت الفلسطيني الداخلي فأين وصلت هذه الجهود وما ذا يعيقها ؟
الدكتور إبراهيم مهنا: المشكل في وجود طرف لا يملك قراره ولا يبدو أن لديه الإرادة الجادة للمصالحة وهو السلطة الفلسطينية وهم صرحوا بأن ضغوطا تمارس عليهم بوقف الدعم، بينما لدى حماس رغبة جادة في تحقيق المصالحة برهن عليها موقفها من حكومة الوحدة الوطنية، ومنذ تسليم الحكومة لم يطبق أي من بنود الاتفاق، فالكيان يتبجح بان العلاقة مع السلطة على أعلى مستوى وهي دائمة وفاعلة لكن السؤال يبقى لم لا نجعل الاحتلال يدفع جريرة أعماله ونحاول إعفاءه كمحتل من التزاماته في توفير خدمات التعليم والصحة والعمل والتي هي حق مشروع تكفله القوانين والأعراف الدولية ،وفي هذا الصدد هناك مفارقة لم تحدث المواجهات في القدس ولا تقع في الضفة الغربية لأن القدس لا حق للسلطة الفلسطينية بالوجود فيها. 
فالتوافق يحدث في حال استقلالية كل طرف وتوفر الإرادة الجادة ومن كان أجندته نبذ الكفاح المسلح والاكتفاء بالمفاوضات كسبيل وحيد للتحرير لا يصلح لتحقيق طموح الشعب الفلسطيني ولا يعبر عن تطلعاته في الانعتاق والتحرر.
السراج : أنتم في موريتانيا بدعوة من الرباط الوطني للدفاع عن القدس ولحضور ملتقى القدس الأول بموريتانيا ما انطباعاتكم عن الزيارة، وكيف ترون دور مثل هذه الملتقيات في دعم القضية الفلسطينية؟
الدكتور إبراهيم مهنا : تفاجأت من الحضور القوي والفعال للقضية الفلسطينية وبحضور البعد الإسلامي للقضية في موريتانيا وفي كلمتي في ختام الملتقي قلت إذا كان تعداد الشعب الفلسطيني 12.5 مليون فإن عليهم أن يضيفوا 3مليون موريتاني يشاطرونهم أللآلام والآمال ولا يختلفون عنهم في شيئ .
وفي رأيي أن الرباط الوطني للدفاع عن القدس يمثل عملا مؤسسيا وليس جهدا عاطفيا يكتفي بالحديث عن ما يحدث في فلسطين من مآسي ومذابح ثم تلهج الألسنة بالدعاء ، بل هو تجسيد لتحويل العاطفة الجياشة إلى مشاريع حقيقية من قبيل سوق غزة ، وحملات التبرع وقوافل الدعم ..الخ وأهل موريتانيا بذلك يقولون إن لنا حقا في فلسطين كما ذهب إليها أجدادنا مجاهدين مع صلاح الدين من قبل، ولن نفرط في باب المغاربة الذي أقام الصهاينة على أنقاضه حائط المبكى.
ثم هناك المبادرة الطلابية للدفاع عن القدس وشبابها المتحمس والمرأة الموريتانية بعطائها وأثرها الفعال ، وجميع شرائح الشعب والطيف السياسي والتي يلتقي همها جميعا في نصرة فلسطين.
وعن الانطباع فقد تأكدت لدي الصورة الذهنية التي كنت أحملها من أن موريتانيا أرض العلماء والشعراء وأزيد على ذلك أنها أرض النصرة الدائمة لفلسطين ، بلد 4مليون مناصر لفلسطين وذلك رغم تواضع الإمكانات المادية.
ومن أجمل ما رأيت تواضع علماء موريتانيا وهو سر يضعه الله في من أراد أن يرفعه.
وكان من المواقف التي شدتني تلك البرلمانية التي تجلس على الأرض وتبيع معروضات معرض غزة في تواضع جم عزنظيره، وأذكر في زيارة مركز تكوين العلماء إحدى المتبرعات كانت مهتمة بمتابعة ومواكبة أداء المركز.
السراج : يطرح البعض ثلاثة أدواء تواجهها الأمة اليوم وهي الغلاة والطغاة والغزاة فما طريق النجاة من هذه الأدواء وسبل مواجهتها من وجهة نظركم؟
الدكتور إبراهيم مهنا: كل من هذه الأدواء يحتاج إلى علاج وترياق فعلاج الغلو يكون بتعلم الدين الوسطي كما نزل على محمد صلى الله عليه وسلم ، وفي حوار بين عالم وأحد الغلاة سأله العالم ما مصير القتلى الذين يسقطون على يدك قال : النار، قال العالم وهو نفس ما يقوم به الشيطان عندما يغوي المرء ليدخله النار فهل ترضى أن تكون مثل الشيطان!.
فالإسلام دين الاعتدال ورسالته كما وضحها القائد المسلم ربعي بن عامررضي الله عنه :"نريد أن نخرج البعاد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد ومن جور الإسلام إلى عدل الاسلام ومن ضيق الدنيا إلى سعة الآخرة".
وبعض الطوائف الإسلامية يتمالأ مع الطغاة ويلوذ بالصمت بحجة طاعة ولي الأمور وهو بذلك يكون شريكا في الجرم الحاكم وكأنه لم يسمع بالحديث "سيد الشهداء حمزة ومن قال كلمة حق عند سلطان جائر " وبالتالي لابد من نصح الحاكم ورده إلى الحق فهو لن يكون أفضل بحال من الخليفة أبي بكر الصديق عندما قال :أطيعوني ما أطعت الله فإن عصيته فلا طاعة لي عليكم.."
أما الغزاة فليس لهم سوى السنان وأهل الكتاب المؤتمنون المؤمنون ليسوا من الغزاة " لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم ...الآية " فالمشكل ليس مع أهل الأديان الأخرى بل مع من اغتصب الأرض وسرق الحقوق واستباح الحرمات والمقدسات، والاحتلال الصهيوني ليس سوى امتداد للحروب الصليبية وبدعم من الغرب وأمريكا.
السراج : هل من كلمة أخيرة ؟
الدكتور إبراهيم مهنا: أتوجه بالشكر لكل موريتاني وأخص بالذكر المؤسسات العاملة لفلسطين وعلى رأسها الرباط الوطني للدفاع عن القدس وأقول زرت موريتانيا وبعد ما رأيت ما فيها ومن هم أهلها عقدت العزم على أن لا تكون الزيارة الأخيرة ، وأملي أن ألتقي بمن قابلت في المسجد الأقصى محررا إن شاء الله في أقرب الآجال وما ذلك على الله بعزيز.
السراج : شكرا جزيلا.