قال الشيخ أحمد مزيد بن عبد الحق إن غالبية التيار السلفي في موريتانيا عارضت تأسيس إطار سياسي للتيار نظرا لأن قدراته المالية والبشرية لا تمنحه القدرة على ولوج العمل السياسي الآن.
وقال الشيخ أحمد مزيد في مقابلة مع السراج إن الموقف من السياسة أصبح محسوما داخل السلفيين بأنها قد تكون ضرورة في بعض الأحيان،ـ لكن ظروف الواقع والقدرات والموازنة بين المصالح والمفاسد هي ما يحدد توقيت الدخول في المعترك السياسي.
نص المقابلة:
الشيخ أحمد مزيد بن عبد الحق في حوار مع السراج
السراج : حدثنا فضيلة الشيخ عن تجربتكم في الحوار مع السجناء السلفيين وعوامل نجاحها وكذا العوائق التي أثرت عليها سلبيا
أ.مزيد : الحمد لله رب العالمين ولكم الشكر على الاستضافة، لقد سبق أن حددت في ورقة قدمتها في إحدى الندوات البحثية أهم عوامل النجاح والإخفاق في تجربة الحوار مع السجناء السلفيين
ويمكن أن أوجز نقاط النجاح أو عوامله في النقاط الثلاث التالية:
- وجود رغبة قوية وصادقة لدى كثير من نشطاء السجناء السلفيين في ذالك الوقت جسدوها في بيان وقعوا عليه دعوا فيه للحوار واتصلوا بطرق مختلفة بالجهات الرسمية وبكبار المشايخ في البلد لإيصال تلك الرسالة.
- مساعدة المناخ العالمي في ذالك الوقت فقد جنت دول مجاورة مثل الجزائر وليبيا ثمار مبادرة الوئام والحوار الوطني فحققوا بالحوار ما لم يحققوه في سنوات العسكرة والحل الأمني فكان ذالك أسوة أقنعت الطرفين بجدوى الحوار وعظيم أثره في ترسيخ الأمن والسلام في البلد
- وجود إرادة قوية للحوار عند صناع القرار في البلاد ولعل أظهر تعبير يدل على ذالك مستوى التمثيل الحكومي في لجنة الحوار (ثلاثة وزراء سيادة..)
أما عوامل الإخفاق فكثيرة جدا ويمكن اختصارها أيضا في تسع نقاط:
- دخول لجنة الحوار إلى عملية الحوار دون استعداد مسبق من المشايخ المحاورين فدخلوا في حوارات علمية في مسائل معقدة كان ينبغي بحثها ودراستها في الرخاء، وبعضهم ما كان يعرف من سيحاور ولا تصنيفه هل هم خوارج أم بغاة، أم معتقلون بسبب سياسي أو أمني.
- وجود عدد غير قليل في أفراد لجنة الحوار ممن يصنفهم الطرف المحَاور خصوما بسبب علاقتهم بالأنظمة المتعاقبة، ومن بينهم وزراء سابقون وفقهاء كان دورهم مشهودا في الحملة على الإسلاميين بشكل عام.
ولقد كان تشكيل تلك اللجنة أصلا خاضعا للمعايير الموريتانية التقليدية، حيث إن ثمة أسماء لا ينبغي أن تغيب رغم أن دورها سيكون معيقا وسلبيا، ولاحقا تم تقليص اللجنة إلى ثلاثة أعضاء:
- الشيخ محمد الحسن ولد الددو
- الشيخ محمد المختار ولد امباله
- أحمد مزيد بن عبد الحق
وعمليا فإن اللجنة اقتصرت على شخصين بسبب أسفار الشيخ محمد الحسن ولد الددو الذي حضر جلستين على ما أظن.
- عدم وجود ضمانات محددة عند المحاوِرين من العلماء والمشايخ عند استجابة المحاوَرين يمكن مطالبة الجهات الراعية للحوار بها.
- عدم مناسبة مكان الحوار وهو: "السجن المركزي" بانواكشوط لأن الحوار ينبغي أن تغيب فيه كثير من مظاهر الفرق بين المحاوِر والمحاوَر.
*ضعف اللياقة عند بعض المحاورين مما سبب لبعضهم عدم الاعتراف ببعض الحق الذي يحمله الطرف المحاوَر وهذا فيه هدم لأساس من أسس الحوار وهو البناء والتأسيس على المشترك بين المتحاورين، فعلى سبيل المثال كان بعض السجناء يدفعون بأن الشريعة غير مطبقة في موريتانيا فيكابر بعض أعضاء اللجنة الموسعة ويزعم أن الشريعة كاملة التطبيق في هذا البلد، وهو أمر غريب.
* ضعف الاستجابة وتأخرها - رغم النتائج الإيجابية للحوار التي نوهت بها جميع الأطراف المحاورة والراعية- فلم يصدر أي انفراج في ملفات المحاوَرين بل إن بعض رموز الحوار بقي في السجن بضع سنين بعد الحوار حتى أنهى محكوميته.
*عدم تفعيل توصيات الحوار إلا بشكل محدود وانتقائي وفي وقت متأخر جعل ترتبها وترتيبها على الحوار موضع شك واختلاف.
* عدم استفادة أصحاب السوابق من نتائج الحوار التي جاءت متأخرة مع أن ذالك أدعى للتأثير على نظرائهم ممن لا يزالون يحملون الفكرة ويحتاجون إلى أدلة واقعية تقنعهم بأن الحوار خيار حقيقي وليس تكتيكا مرحليا.
تلك في تصوري أهم عوامل النجاح والإخفاق في الحوار وأعتقد أن من الضروري تلافي تلك الأخطاء وتذليل العقبات.
السراج : تحدث البعض عن حالة انتكاس بين المفرج عنهم، ما سبب ذلك برأيك؟
أ. مزيد : بالنسبة للشاب الذي صنف على أنه حالة انتكاس لم يكن من الذين قبلوا الحوار أصلا، ولعل بعض وساطاته ومقربيه هم من تدخل للإفراج عنه ثم أخذ مساره في الطريق التي اختار أما الذين قبلوا الحوار ووقعوا على وثيقته فلم تحصل منهم أي حالة انتكاس بل إن بعضهم لم يفرج عنه.
برأيك ماهي أبرز نتائج الحوار؟
- أ.مزيد : في تصوري أن الحوار كان ناجحا، وهذا تقييمي له، وقد ترتبت عليه مصالح من أبرزها
- توقف التجنيد في صفوف الشباب
- السراج : هذه معلومة تحتاج مستوى من التأكيد؟
- أ.مزيد : نحن نعرف الساحة والشباب ونعرف من يذهب، وعموما فقد توقف التجنيد لصالح جماعات الصحراء وفي هذا خير كثير، فإن انطلاق الشباب الموريتانيين إلى تلك الجماعات والعودة وهم يحملون قناعات التكفير والتفجير والاستعداد للقتل، ولو أنهم بقوا هنالك مع تلك الجماعات – رغم ما في ذلك من الخطر والخطأ – لكان أثرهم السلبي أقل.
وفي قضية التجنيد إنما أقصد التجنيد لصالح جماعات الصحراء، وربما حصل شيئ من التجنيد لصالح إطار وفكرة جديدة وهو تنظيم الدولة الإسلامية المعروف باسم داعش.
- توقفت أيضا العمليات العسكرية ضد موريتانيا وفي ذلك خير كثير للأمن ومسار التنمية واستقرار الأمن واستتبابه.
- كما توقفت أيضا المتابعات والمطاردات للأفراد والشباب المحسوبين على التيار السلفي، أو لنعبر بدقة ونقول إن المتابعات تراجعت إلى أقصى حد.
وبالعودة إلى قضية الحوار فإن أغلب السجناء أظهر استعدادا للحوار وبعضهم أصلا كان السلم من قناعاته الراسخة، ذلك أن بعضهم اعتقل بسبب الاشتباه فيه أو بسبب صداقة أو وشاية أو غير ذلك.
السراج : بقيت مجموعة لم تشارك ورفضت الحوار يطلق عليها مجموعة المجلسي..
أ.مزيد : الشيخ المجلسي لم يرفض مبدأ الحوار لكنه قال إنه ليس في حال ولا مكان يسمح له بالحوار، ذلك أن جو السجن يمنعه حسب رأيه من الحوار.
وكان هنالك آخرون طالبوا بضمانات، وآخرون قالوا إنهم سجناء ولا يمكن أن يتحدثوا بكل ما يريدون وآخرون يقولون إنهم يخشون من اقتطاع كلامهم وتوظيفه فيما لا يخدمهم ولا يريدونه.
السراج؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ :
وعموما فقد كان للحوار أثر كبير، وكان لبعض السجناء دور كبير في الدفع إلى الحوار وإقناع الشباب به قبل إطلاقه، رغم أن غالبية هؤلاء لم يستفيدوا من العفو.
السراج : ربما يكون للأمر علاقة بالملفات الجنائية خصوصا المتهمون في قتل الجنود الموريتانيين أو السياح الفرنسيين
أ.مزيد : ربما يكون الأمر كذلك، لكن صلاحيات العفو يمكن أن تخفف الحكم أو تلغيه، خصوصا إذا حصل حسن السيرة واتضح، وكانت التقارير التي ترفع عن السجناء تنصفه وتتحدث عن تحسن سيرته، فإن من الإنصاف التخفيف عنه.
السراج : هل تعتقدون بجواز أو إمكانية الحوار مع قتلة الجيش الموريتاني.؟
أ.مزيد : نعم أرى أنه إذا حصل من هؤلاء تحسن فإن مصلحة البلد تقتضي التخفيف عنهم، لأن مصلحة البلد تقتضي التخفيف حتى لا يقع شرخ جديد، وحتى يكون في الأمر موعظة وقدوة لمن يحملون السلاح.
السراج :بهذا المعنى أنتم تفرقون بين الجريمة باسم الدين والجريمة العادية؟
أ.مزيد : دون شك، وهذا تصنيف الشريعة، والجريمة العادية التي لا يؤطرها فكر ولا يعتقد صاحبها أنه متعبد لله بما يفعل، هي التي يتعلق بها حكم الحرابة
وقد ذكر هذا المعنى الشيخ محمد الحسن ولد الددو في بعض تصريحاته الإعلامية خلال الحوار وكذا الشيخ عثمان بن أبي المعالي.
وهذا التصنيف يقدم هؤلاء بأنهم بغاة ولهم أحكام معروفة في الفقه الإسلامي، وعند تحكيم الشرع ينبغي التفريق بين من يقتل بدافع الجريمة والقتل فقط وبين من يعتمد على شبهة ويرى أنه على حق ولو كان على باطل واضح.
ومن أحكام البغاة أن لا يجهز على جريحهم وأن جناياتهم هدر.
السراج : تحفظ الإسلاميون قديما على الحزبية والعمل السياسي ثم كان للأخوان في السياسة سبح طويل، وأخيرا بدأ التيار السلفي يخطو إلى السياسة، ما موقفكم من السياسة والأحزاب؟
أ.مزيد : كان للإسلاميين كما تفضلتم ذلك المسار، ثم مع الزمن وتعميق الدراسة ظهر لبعض السلفيين أن الضرورات قد تبيح أو تفرض في بعض الأحيان دخول المجال السياسي بعد تقرير الواقع وفهمه وسبل التعامل معه.
وعموما يمكن القول إن موقفنا من السياسة أصبح أكثر وضوحا وأقرب إلى الحسم على المستوى الشرعي، ويبقى تنزيله على الواقع والموازنة بين المصالح والمفاسد تبعا للظروف وموازين القوى
وهذا الذي أجمع عليه أغلب التيار السلفي في موريتانيا، وقد عملنا استفتاء داخل إطارنا الخاص، ونحن لسنا تنظيما لكننا ظاهرة لها رموزها وأعلامها وجيل من الشباب معروف.
وقد حصل استفتاء وجس لنبض الساحة وشيئ من المناقشات العلمية بين الشباب والشيوخ وآل فيها الأمر إلى أن الدخول في إطار سياسي في هذا الوقت قد يضر بدعوتنا التي هي رأس مالنا وأننا لا نملك له من الوسائل المادية والبشرية ما يمكننا من الإقدام على هذا المشروع.
السراج : وبقية قادتكم الذين واصلوا في حزب الأصالة لم يشاركوا في الاستفتاء
أ.مزيد : كان الإخوة الذين تقدموا بمشروع الحزب من الذين شملهم النقاش والاستفتاء وقد كان لهم رأيهم على كل حال.
السراج : لم يرخص للحزب حتى الآن هنالك من يقول إن السلطة رأت في إحجام السلفيين عن حزبهم قتلا لمشروع كانت تسعى من خلاله إلى استنبات السلفيين في الحياة السياسة العامة.
أ.مزيد : يمكن أن يكون هذا التحليل منطقيا إذا ثبت ترحيب السلطة بفكرة الحزب أصلا، وأنها كما سمحت لهم بجمعيات يمارسون فيها أنشطتهم ستسمح لهم بدخول السياسة.
السراج : من التجارب السياسية السلفية المشهورة الآن تجربة حزب النور ما موقفكم منها وما رأيكم فيها؟
أ. مزيد : والله هي تجربة غير مشرفة لحزب ينتمي إلى التيار السلفي، ولست مطلعا تماما على الواقع هنالك، لكن ما أسمع وأقرأ في الإعلام أرى أن تخندق حزب النور مع السيسي كان عملا سيئا، وكان الأولى به على الأقل أن ينحاز إلى شركائه الفكريين ولا أقصد الإخوان بل بعض التيارات الإسلامية الأخرى بدل أن يتخندق مع الظالمين.
السراج : مالذي يميز الحالة السلفية الموريتانية وضمن فضائها المغاربي عن مثيلاتها المشرقية؟
أ.مزيد : الشأن الفكري والعلمي والثقافي في الساحة المغربية لا يزال كما كان في الغالب رجع صدى لما يقع في المشرق، وربما ظهر بعض النوابغ المغاربة فأعادوا الصدى وأثروا في مسار المثاقفة، كما حصل مع مالك بن نبي وغيره، وربما يكون الآن الشيخ عصام المراكشي أحد النوابغ التي يمكن أن يكون لها شأن علمي مرموق.
أما الحالة السلفية في موريتانيا فلا تزال مشغولة بأشيائها الخاصة، ولا يزال أفرادها كبقية أفراد هذا البلد ينهمكون في الحياة العامة مما يشغل أكثرهم عن الشأن العام.
السراج: في التيار السلفي ثمة قادة قادمون من الظاهرة الإسلامية قبل تمايزها، أي من الجمعية الثقافية الإسلامية، هنالك من يرى أن هؤلاء أكثر مرونة في التعامل من الشأن العام من غيرهم
أ.مزيد : لم أتفطن سابقا إلى هذا المعطى، لكنه منطقي جدا وغير بعيد، وأغلب من عايش تلك الفترة، كان ضمن الجمعية الثقافية الإسلامية أو الخلايا التنظيمية للإخوان المسلمين، أنا شخصيا لم أنتم لتنظيم الإخوان حينها لكن كنت ناشطا في الجمعية الثقافية الإسلامية وفي نادي مصعب بن عمير الذي كان الإطار الأكبر لتربية الشباب
وكانت تلك التجربة مفيدة جدا ومميزة، ويمكن الحديث عن عوامل أخرى من بينها
- طول التجربة والمراس مع الشأن العام
- -----------
السراج : ماهي آفاق الحالة السلفية في موريتانيا؟
أ.مزيد : ليس لنا إلا التفاؤل، وكلما اشتدت المحن تعين التفاؤل،ومن المصائب تشرق بوارق الأمل والتيار السلفي ليس بمعزل عن هذا الوعي والمبشرات
وقد انتشر بحمد لله بين أفراده وعي التضامن والتقارب مع بقية أفراد الظاهرة الإسلامية، فإن لم يحصل التعاون يحصل التفاهم والإنصاف.
ورغم أنني لا أحمل التيار السلفي لوحدهم مسؤولية الشرخ الذي كان، فللآخرين أيضا دورهم وربما منع البعض قوة إطار وطول تجربته واقتناعه بكثرة كفاءاته وأنه ضارب في التاريخ من أن يتقارب مع السلفيين
السراج شكرا لكم.