ولد حدمين :ميكانيكي المأمورية الثانية (بورتريه)

ثلاثاء, 2016/03/15 - 00:37
الوزير الأول يحيى ولد حد أمين

في الذاكرة الشعبية الموريتانية أغنية من الأشوار الخفيفة المعروفة ب " اشويرات الظل "  والتي تتميز بها إحدى مناطق الوطن بشكل كبير وتعرف هذه الأغنية ب " مولَ كرتَه" وفي بعض " كيفان الشور "  " كالُ عنو شيباني ,, واتوتي ومعاها سكتة"

وبين الأغنية المذكورة رابط قوي - يقول بعض المدونين - والوزير الأول السيد يحيى ولد حدمين الذي يواصل قيادة الحكومة الموريتانية في مأمورية "الشباب والنساء" .

  لم يكن اسم ولد حدمين ضمن الأسماء التي تداولتها المواقع الالكترونية خلال البحث عن وزير أول لقيادة قاطرات الأغلبية المنتظمة في خيط الدفاع عن رأس السلطة والمبعثرة فيما دون ذلك خصوصا أن أغلب المصادر كانت تشير إلى أن مولاي ولد محمد الأغظف سيواصل البقاء في مبنى الحكومة لفترة أخرى نظرا للثقة الكبيرة التي يتمتع بها والصداقة القديمة مع الرئيس  وحتى ولد حدمين نفسه لم يكن يصدق خبر تعيينه وزيرا أول حيث قيل إنه ردد للمهنئين " هذا الا الحَ ،الحَ ،الحظْ".

رحلة على طريق غير معبد

في تمبدغة أقصى الشرق الموريتاني وفي 1953 ولد يحيى ولد حدمين لأب ينتمي إلى مقاطعة جكني، وفي جكني أيضا درس الابتدائية سنة 1960، قبل أن ينتقل إلى ثانوية لعيون، ومنها إلى الثانوية الوطنية سنة 1971.

خلال دراسته الثانوية كان يحيى ولد حدمين شابا نبها جدا، مما مكنه من الحصول على منحة إلى كندا ليبدأ تعليمه الجامعي حيث حصل على شهادة مهندس في ميكانيكا التعدين سنة 1979 ومنها إلى شركة اسنيم.

 

بكفاءته العالية في مجال الهندسة وميكانيكا التعدين التحق ولد حدمين بشركة اسنيم وترقى في وظائفها قبل أن يربط صداقة قوية بمديرها السابق محمد السالك ولد هيين، وبفعل هذه الصداقة ترقى ولد حدمين من جديد إلى مناصب أرقى، قبل أن ينتقل في 2003 إلى منصب مدير عام شركة النظافة والاشغال والنقل والصيانة)ATT M  وقد ظل محتفظا بمنصبه إلى حين 2010 حيث عين وزيرا للنقل ومن النقل انتقل إلى الوزارة الأولى.

 

يساري من الزمن الأحمر

في فترته الثانوية ارتبط ولد حدمين بالتيار الناصري قبل أن يرفع مساره الإيديولوجي لاحقا إلى اليسار، يقول مقربون من ولد حدمين إنه يساري متصوف في ذات اليسار، اصطحب معه من رحلاته إلى كندا وروسيا كثيرا من الأفكار الضاربة في عمق اليسار، كما اصطحب معه أيضا سيدة ذات أصول سلافية أصيلة والتي ظل وفيا لها وإن عرّج أخيرا إلي  تغيير يفيد في القرب من السلطة ويظل  " تغييرا في ظل الاستقرار " حتى الاستقرار المكاني الذي يجمع بين طريق روصو وتفرغ زينه. 

وإلى جانب تلك القيم اليسارية العتيقة، يجمع العارفون بولد حدمين بأنه رجل قبيلة بامتياز، يتسع العالم عنده كثيرا ثم يعود ليضيق مكانا وينتهي عند حدود جكني، قبل أن يضيق أيضا في عالم الأشخاص والعلاقات ليتوقف أيضا عند العشيرة القريبة من الوزير الأول.

ويقول العارفون بالرجل إنه كان زعيم الأزمات الجهوية في اسنيم بين عمال الولايات الشرقية والجنوبية والشمالية، إضافة إلى أزمات أخرى ذات بعد  قبلي.

عين ولد حدمين وزيرا للنقل وكان حينها في زيارة لمالي عاد نفس الليلة إلى نواكشوط واستدعى مدير المصادر البشرية في شركته، وسلمه لائحة من المقربين وطلب منه أن يدمج أسماءهم ضمن المتعاونين مع الشركة، قبل أن يوقع محضر الاستلام.

وفي وزارة التجهيز والنقل لم ينس ولد حدمين أيضا الحديث الشريف " خيركم خيركم لأهله، حيث وظف العشرات من أقاربه وخصوصا أولئك المحسوبين عليه سياسيا في مواجهة مجموعة قبلية أخرى منافسة له".

وإلى جانب تلك العالمية والجهوية يتميز ولد حدمين بأنه شخص بسيط جدا ، مرح للغاية لاعب ماهر للورق" مرياص" متواضع للغاية مالم يغضب وهو سريع الغضب، يصطحب مسدسه معه بشكل دائم، وربما شهره في وجوه المحتجين كما وقع في كيفة خلال النيابيات المنصرمة حسب بعض المعارضين له .

صديق صديق الرئيس

توثقت علاقات الوزير الأول يحيى ولد حدمين منذ وصوله إلى إدارة شركة ATTMحيث تقول المصادر إن ولد حدمين وفر تسهيلات قوية للرجل القوي حينها في المؤسسة العسكرية محمد ولد عبد العزيز وذلك عبر تأجير عدد كبير من الشاحنات المملوكة لرئيس الجمهورية أو مقربين منه مقابل مبالغ يومية معتبرة، رغم أن الرئيس ولد عبد العزيز ينفي بشكل دائم ويصر على أنه لا يملك شيئا باستثناء حفارة.

وكما يرتبط ولد حدمين بصداقة مع ولد عبد العزيز فإنه يرتبط أيضا بعلاقات أوطد مع رجل الأعمال الصاعد افيل ولد اللهاه ابن خالة الرئيس، وبعلاقات أوطد أيضا مع شركة النجاح المشرفة على المطار الجديد حيث قال مرة وهو وزير للنقل في إجابة على سؤال حول إعطاء المطار لشركة لا تملك خبرة " هذو إيل ما استوثقُ امعان لاهِ نجبروهم هون في إينشيري ".

وعلى الصعيد السياسي يحمل ولد حدمين عداوات كثيرة تجاه القوى السياسية المعارضة للنظام، وبشكل خاص النواب البرلمانيين الذين طالما تحدثوا عن صفقات فساد في قطاع النقل، ويحمل عداوة خاصة للإسلاميين الذين يعتبرهم خصومه المحليين في مقاطعة جكني إضافة إلى الخصومة الفكرية العميقة.

 إغلاق المحاظر القرآنية

دخل الوزير الأول يحي ولد حد أمين في صراع قوي مع الشارع الموريتاني بشكل عام إثر إغلاقه أربعة معاهد وعشرات المحاظر في ولايات الحوضين ولعصابة دون مسوغ واضح وفي غفلة من الجميع مستغلا وجود الرئيس في تيرس بعد فاجعة رحيل ابنه إثر حادث سير مؤلم. 

لم يكن إغلاق المحاظر سوى واجهة لصراع خفي بين الوزير ومنافسيه في مقاطعته "جكني " بعد أن انتزعوا منه بلديتها المركزية رغم أخذه عطلة معوضة طيلة الحملة الانتخابية الماضية وبذله المال وإعطاء السيارات ذات الدفع الرباعي لبعض مناصريه حسب مصادر في المدينة. 

أصدر الوزير أوامره بترحيل أبرز معارضيه في المدينة وهو أستاذ شاب من المدينة دون أن يمر القرار بأي جهة إدارية وهو ما ظل مرفوضا حتى اليوم من لدن الأستاذ. 

حاول الوزير الأول تسويغ إغلاق المحاظر بحجة عدم الترخيص واستنهض همم كثيرين كانت رابطة العلماء سباقة إلى البيانات المساندة لتوجه الوزير ومؤيدة لأقواله التي لم تصمد أمام حقائق قدمها المسؤولون عن المحاظر والمعاهد. 

بعد شهر من الأخذ والرد تم فتح كافة المحاظر وبعض المعاهد وبقي معهد " جيكني " مغلقا حتى اليوم رغم اكتمال شروط ترخيصه وعدم وجود فرق بينه ومعهد لعيون في التبعية والترخيص لكن الوزير الأول لم يرق له ذلك بعد محاولا صرف الأنظار عن الصراع الداخلي بمنع معهد " كوبني " حتى لا تظهر حقيقة الأمر حسب مناوئي الرجل في المدينة. 

لم تنته تلك المحنة حتى الآن ولا تزال تفاعلاتها متواصلة في المدينتين المذكورتين حيث يقول الوزير الأول وأخوه النافذ في المدينة إن المعهد يخرج ناخبين لحزب معارض رغم أن أغلبهم لم يبلغ سن التصويت بعد. 

رسائل في العمق

يبعث الرئيس محمد ولد عبد العزيز من خلال تعيين الوزير يحي ولد حدمين رسائل بالغة الأهمية:

أولا إلى الشباب الذين استبشروا خيرا بشعارات " مأمورية الشباب" وتمكين الشباب" أن الشباب حالة  ذهنية تكفر بسنين العمر وبياض الرأس  لا مرحلة عمرية يتجاوزها البعض ليصلها آخرون. 

ثانيا  إلى القوى السياسية المعارضة : بأن الكلمة الفصل في الفترة القادمة ستكون "لجرف المسار السياسي " وإعادة تعبيده وفق رؤية النظام بعد أن جرب طريقا غير معبد كاد أن يوصل رأسه إلى ما لا تحمد عقباه. 

ثالثا   إلى المسار الاقتصادي : أن الأولوية القادمة للمشاريع المدرة لدخل النخبة الاقتصادية الحاكمة.