سياسيو العسكر وحركة الدين والمجتمع

ثلاثاء, 2016/05/24 - 13:31
 د / محمد المختار دية الشنقيطي .

 د / محمد المختار دية الشنقيطي .
كان إمام هذه البلدة وفقيه الدولة ومربي أفراد الحركة الإسلامية في موريتانيا الإمام بداه بن البصيري- رحمه الله- يقول من إنصاف وصدق القول وفقه الحكمة:( دين بلا سياسة لا يستقيم وسياسة بلا دين خزي الدنيا ونار الجحيم) .
 ومن آلاء الله على عباده أن يستخدمهم ويشغلهم بالمحاماة عن الإسلام وقيمه في قضية الوجود الإنساني الصحيح على ظهر هذه الأرض، وتحصيل أسباب ومقومات بقائه ووجوده، واستكشاف ما أودع الله لهم وسخره من رزق في هذا الكون، والإسلام العظيم هو لباب الحق الذي يتوجه به أهل السموات والأرض إلى خالق السموات والأرض، فضلاً من الله ونعمة توجب على أصحابها أن يقدروها قدرها، وأن يصرفوا مشاعرهم وأفكارهم وعواطفهم وجوارحهم لشكر مرسلها الذي له المنة ومنه العون والاعتراف بالآلاء كلها والتي  من أعظم أسسها وقوامها أنه لا يعبد جل في علاه إلا بما شرع ولا يقبل من العمل إلا ما ابتغي به وجهه، ولا يكون العمل كذلك إلا إذا كان مما أمر به رسوله –صلى الله عليه وسلم-.قال تعالى:{ قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم}، وقال:{ وإن تطيعوه تهتدوا}.
وعلى تلك الأصول والأسس وانطلاقا من ذات المعاني والمرتقي وتلك السلم تيسر للإنسان وأمكنه في عالم الكون الميسر المسخر له الانتفاع بما في سمائه وأرضه، ففي عالم النبات وبالعلم أمكن الإنسان وتمكن من إبداع سلالات ممتازة أرقي من القمح والقطن والأرز والفواكه أضافت إلى وفرة الحصاد جودة في الأصناف ووفرة في الإنتاج، وأمكنه في عالم الحيوان كذلك من تحسين الولائد الجديدة، والعناية بها من ساعة اللقاح إلى عهد النماء المبكر والحركة، فظفر الناس من هذه الجهود بمزيد من اللحم والشحم والألبان، وتحسين الذراري الإنسانية- كماً وكيفاً- في عالم البشر أمر مسخر وتحقيقه أولى وهو في عالم الإنسان ميسور ومقدور عليه لتكوين أجيال البشرية أسمى وأنضر في الفضيلة وأزكى في العمل وأهدى سبيلاً لنهضة الإنسان وتحقيق الحرية والعدالة وبسط التنمية لتحقيق ازدهاره ورقيه، والله يقول وقوله الحق:{فنفذوا لا تنفذون إلا بسلطان} وقال:} والذين اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم} وقال:{ إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم} وقال:{ والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا} ؟ ..
ومنذ أربعين سنة والعشرات من أبناء هذا الشعب النبيل الكريم الموريتاني يملئون الساحات والمدارس والمساجد والقرى والحواضر في هذا البلد المنكوب بأنكد وأتعس تحالف للفساد والشر(العسك دكتاتوقبلي) بالدعوة لنشر الخير والفضيلة وبسط قيم الإسلام في العلم والحرية والمساواة والعدالة والدفاع عن تحكيم شريعة الله في الأرض والوقوف في وجه الأمواج المتتابعة والمتلاحقة السابقة واللاحقة، مع حضور وهيمنة التقاليد البدائية القبلية الفاسدة والقادم من جيوش الغز الحضاري والعلمانية بقيمها ومناهجها، ومغرياتها المغوية، وربيبتها الشيوعية الملحدة وقبليها من قومية وعرقية وانحلال وتفسخ وثورة على دين الله وتراث وقيم البشرية والعادات والسنن وفي عملية توافق وقسمة للمنافع والأرزاق والتقاليد النمطية في الحياة، وهي جيوش جرارة مكراً وخبثاً توافقت قصداً وتقاسمت أدواراً وتنازعت كسباً، وتنوعت وسائلها واجتمعت على حرب الإسلام وقيمه ونهب خيرات وثروات بلاده .
وما أصاب قيم الإسلام والمسلمين في هذه الربوع من مصائب من سقطات ونكبات وخيبات وإخفاقات لا يسأل عنه أعداء الإسلام بقدر ما يسأل عنه أبناؤه وأتباعه، وذلك أن سوء الممارسة وخطل التطبيق، والكسل والجمود والخمول والإفراط والتفريط والقصد المد خول والفكر القاصر منفذ مقاتلنا ومصائبنا المشهودة، وثابت علماً والمقطوع به تجربة أن ذلك كله لا يحفظ دينا ولا يوقف زحف عدو ما كر دجال راغب غير راهب ومخطط عامل بالليل والنهار؟!
ومن دون أدنى شك أن الحركة الإسلامية الموريتانية قد نجحت نجاحاً محسودة عليه في وقف زحفه الفكري والأخلاقي وحاصرته وفضحت زيف وسراب قيمه، بل وفي أحيان كثيرة هزمته في أهم قلاعه وحصونه وفرقت بعض جموعه، وقامت بتعرية زيف وكذب سراب ما يدعيه ويدعوا إليه من تزيف وتشويه للقيم الإسلامية وفضح الافتراءات الممنهجة على أحكامه وطرق انتشاره وطبيعة بعض أحكامه وتعلق خصوصياتها في التطبيق على بعض أفراد مجتمعه والفئات التي توجد تحت سيادته من غير المؤمنين به !!
ولقد كانت نشأة الحركة الإسلامية الموريتانية محلية بامتياز ذاتية في الوجود والتكوين والممارسة ولا يد خارجية مطلقاً في نشأتها وتكوينها، وإن استفادت وعيا ومنهجاً فنياً وتهذيبا فكريا، من أساليب وطرق التفكير الإسلامي بل وبقدر من الأفكار الحية الواعية من فكر ثلة من كتابات كتاب جماعة الإخوان المسلمين والسلفيين والجماعة الإسلامية في شبه القارة الهندية وكتاب في شمالها الافريقي، وهي كتابات وكتب في مقابل التراث المحلي الفقهي والأدبي والفكري قليلة في عددها ومحصورة في مواضيعها وتأثيرها وقد وصلت طلائع تلك الكتب والمقالات مع أفراد معدودين جداً ومنهم من لم ينضم أصلاً أو ينخرط في تأسيس وتشكيل الحركة الإسلامية الموريتانية أصلاً وأغالب ألئك الأفراد ينحدرون من أسر وبيئات علمية موريتانية مرموقة مثل:
محمد الأمين ولد الشيخ ولد مزيد والمختار ولد محمد موسى ومحمد يحي ولد بباه ومحمد الأمين ولد لمام القادمين من بلاد الحرمين الحجاز السعودية والتقي ولد محمد عبد الله وسيدي محمد ولد أسيساح ومحمد المختار كاكيه وسيد محمد ولد حمله واسلم ولد سيد المصطف القادمين من مصر ومحمد دحيد ولد أوجه ومحمد فال البساتي القادمين من العراق ومحمد بوميه ولد أبياه ومحمد ولد سيدي (أطليل) والتجاني ولد أحمد المكي القادمين من الشمال الافريقي وبعض معارض الكتب الجزائرية والمصرية وما جاء به أفراد من الطلبة الذين يأتون في العطل يحملون بعض الأشرطة والكتب الصغيرة القليلة، وتكاد تكون  الكتب والكتابات حصرياً هي:
 كتب سلطان العلماء العز بن عبد السلام وشيخ الإسلام بن تيمية وتلاميذه النجوم الأربعة ابن القيم وابن كثير وابن عبد الهادي والذهبي، وكتب أبو الأعلى المودودي وأبو الحسن الندوي وكتابات مالك بن نبي وعلال الفاسي والطاهر بن عاشور وسيد قطب ومحمد قطب وسيد سابق والبيهي الخولي ومحمد الغزالي وتلميذه القرضاوي وفتحي يكن وسعيد حوى  والبوطي ومصطفى السباعي  وعبد الله دراز  وعبد الفتاح أبوغده ورسائل النور لسعيد النورسي.
 وهي كتب ورسائل ومقالات ميسورة ومتاحة للقراءة والفحص والتمحيص والحكم عليها خلافاً أو موافقة لفقهنا وأصوله وأدلته، وممن منطلق المناهج العلمية وخاصة ذلك المنهج البنيوي الذي تعتمدونه في أيديولوجيتكم  وفي تحليلكم للخطاب النثري و العلمي والفلسفي والتاريخي وحتى النص الشعري وأحيناً أخرى الوحي المقدس، وحتى المنهج التحليلي التاريخي المعتمد عند أندادكم، ولقد كانت الرؤى والأفكار والفقهيات المستخلصة من تلك الكتب وقراءتها هي التي ينحصر فيها مجمل التأثير الخارجي للحركة الإسلامية الموريتانية وفيه كذلك تنحصر كل العلاقات لها مع الخارج والجماعات التي ينتمي لها أغلب أولئك العلماء والكتاب والمفكرون في عهود الدعوة الأولى ومراحل التأسيس والوجود والتنظيم ؟.
وهو الوجود والحضور والفاعلية والتأسيس الذي شارك فيه صناعة ووجوداً العشرات من أبناء هذا البلد من العلماء والفقهاء ومشايخ الطرق الصوفية وشباب من كل مشارب ومدارس التصوف وأنواع السلفية المحلية وهم المتشبعون السادرون في نماذجهم عن فقه بابه ولد الشيخ سيدي ولمجيدري ولد حبلله ومحمد ولد أبومدين ومحمد ولد الطلبه واجدود ولد أكتوشنه ومحمد الشقروي وأحمد ولد أحمذيه والحاج عمر با والمختار ولد أبلول ومحمد عللى ولد عدود والإمام بداه ولد البصيري وحمود ولد متالي وأ حمد ولد عبد القادر الغلاوي والناجي ولد محمود.
 فتجد من بين أولئك السادرين المؤسسين مثلا: محمدي ولد خيري ومحمد الحبيب ولد أحمد وعبد الله ولد الركاد وسي عبد العزيز وبن عمر لي وسي بكار ومحمد على ولد زين والحسن ولد ملاي أعل والتقي ولد محمد عبد لله وعبد الله ولد أمين ومحمد الأمين ولد مزيد محمد يحي ولد بباه وأحمد ولد عبد الله من الذين اجتمعوا على غير أرحام بينهم ولا أموال يتعاطونها مع غيرهم من إخوانهم ونظرائهم من مشارب فقهية وتربوية متنوعة مؤسسين للحركة وباذلين مشاركين في دعوة مبذولة وصف مرصوص في نشاطات مشهودة في الجمعية الثقافية لنصرة الحق وإقامة أحكام الشريعة الإلهية.
 وفي مجامعهم السرية دعوة ربانية تواجه الأعداء والخصوم وتعلم الناس وتدعوا إلى الله على بصيرة وتعاون فريد حلو وجميل في تجسيد معاني الأخوة الإسلامية والتعاون على البر والتقوى والعمل الصالح للتمكين لدين الله في حياة المجتمع ومؤسساته كلها، وصبغها بقيم الدين، فكانت تلك الأوبة المباركة من كل فئات المجتمع إلى دين الله والإفاضة المشهودة في الاستمساك بقيمه وشعائره، إلى أن ران على النفوس حب الشهوات وطاف على القلوب طائف من وسواس الخلاف ودخل العمل والدعوة بعض من حب الجاه والمال والزعامة، وقدر الله فيهم نفوذ خطة المخابرات وتدبير وسعي الجماعات والحركات المخاصمة وتأثير وفاعلية بعض المنتسبين من ذوي الفناء في السلطان والخوف من ابتلاء مخاصمة الحكام وأعداء الإسلام، وهاجس الحرمان من وظائف الدولة ومكاسب المال والجاه وحب المنافع والمكاسب والظهور والحضور والله يقول وقوله الحق في الثلة الخيرة والصفوة المختارة من خرجي مدرسة النبوة من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم:{ منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة}وقال:{ ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض في الرزق} .
وتلكم هي السنة والجبلة التي فطر الله عليها الكثير من خلقه ولم ينكرها الإسلام، ولم يبخسها وإنما سعى لتهذيبها وتحديد السبل والطرق المحصلة لها، ولله يقول وقوله الحق:{قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة..}.
غير أن في ميزان الحق وقواعد الشرع وسنن الله الجارية أن الوصول لكل ذلك بغير السبل والطرق التي حددها الشرع الحكيم وأمر بها هي عين الانحراف عن قيم الدين وساحة العصيان الذي يترتب عليه ابتلاء الأخذ  ببلاء ومصائب الخلاف والخصام الجالب للاستضعاف والمعيق المؤخر للظهور والتمكين والمعرقل لحركة الدعوة والمبطئ لفيء عامة الناس وأعيانهم إلى الاستمساك بقيم الدين وتطبيق الكثير من أحكامه والمعيق كذلك والمؤخر الاجتماع الناس على العمل السوي والوحدة الوثيقة وتنسيق المتين المكين في العمل لدين الله في الحياة وعلى وجه هذه الأرض، قال الله جل في علاه ومن أصدق من الله قيلاً:{ تبارك الذي خلق الموت والحيات ليبلوكم أيكم أحسن عملاً} وقال:{ وبلوناهم بالحسنات والسيئات لعلهم يرجعون}وقال:{ ولو يؤاخذ الله الناس بظلمهم ما ترك على ظهرها من دابة} .
ولكم أن تقولوا أن تلك المصائب والابتلاءات والمعوقات هي  بالضبط عين ما حصل وأصاب العاملين منعطفا في مسار العمل الإسلامي فحصل ما حصل من ضياع وتضييع لفريضة الاجتماع والتعاون على البر والتقوى والأخوة في الله، وحل محل ذلك شؤم الكثير من معاصي التفرق وفجور الخصام والركون لداعي الهوى وعبادة الذات وطلب الشهوات وفي أحيان كثيرة السقوط في مهاوى رذائل التعاون مع خصوم الدعوة والممانعين في تحكيم قيم الدين وتطبيق أحكامه وفي أسوء وأنكد عملية فجور في الخصومة مع رفقائهم في الدعوة وشركائهم في العمل للإسلامي والتصدي لخصومه وأعدائه ؟
فنزل بساحة الجماعة عقوبة الفرقة والانقسام وانطلقت في فيافي مكر التخطيط نحو  السياسة المنكسرة في عناوين أو أطر أربعة بالإضافة إلى آخرين أفراد مبثوثين في دوائر المجتمع وتشكيلاته السياسية، والأطر التي تقاسمت الجماعة أو انقسمت إيها هي: الصوفيين والسلفيين والتبليغيين والاصلاحين أو ما يسميهم غيرهم الإخوان المسلمين ويسمون أهم نفسهم فيما بعد بالتواصليين ؟.
وبالمعايير العلمية العملية الفقهية والضوابط السياسية، وبالرغم مما مورس في حق الإسلاميين من الظلم والإقصاء والحرمان والتهميش وعدم الترخيص للكثير من المؤسسات العلمية والخيرية والفكرية والسياسية والمصادرة لأخرى وسحب التراخيص من أخرى، فلم تسجل على امتداد الوطن ومؤسساته وموارده على أي من هذه العناوين والتشكيلات مواقف أو ممارسات كائنة ما كانت يمكن تصنيفها ضمن المواقف أو الممارسات المعادية للبلد أو المتنكرة لقيمه وهويته، أو المهددة لوحدته الوطنية  أو المضيعة لموارده أو المبددة لخيراته أو المفرطة في بعض أصقاعه وترابه أو المفسدة لعلاقاته مع  جيرانه أو مجتمعه  الإقليمي أو الدولي، أو المشاركة في أي من انقلابات المؤسسات العسكرية الفاسدة، فأين هي يا أيتام الأيدلوجيات وأبناء تبني ثقافة العسكر و فجار الخصومة وأفاكي البحث العلمي المعتوهين فكرياً المخبولين سياسيا والمنهزمين حضاريا المفترين على الإسلاميين وعلى الحقيقة والشعب المغلوب المقهور  اين هي الوقائع والمواقف والممارسات التي تبرر وتسمح لكم بنعتهم ووصفهم بالخيانة أو العمالة أو العداوة للبلد !!
فبكم وبجماعاتكم الأيديولوجية نكب هذا البلد بمصائب وكوارث فكرية وأمنية وسياسية واقتصادية جدير وبحق بمن كان السبب فيها وشارك فيها أن تطلق عليه أوصاف العدو للبلد الخائن لقيمه ودينه والعدو لمكونات شعبه، بدءاً من أحداث 1966م والإيديولوجيات والحركات التي مزقت نسيج هذا المجتمع وخلقت الحدود والفواصل بين مكوناته وحرب الصحراء وأحداث 1989م والتفريط والتضيع العمق الوجودي البشري والثقافي والحضاري والتغاضي عن المقضوم من هنا وهناك من ترابه، وتبديد الثروات وإفساد المؤسسات ونهب الخيرات وسرقة الأرزاق والتسبب في نشر البطالة وترك المواطنين للجهل والمرض والجوع والتشتت في مناكب الأرض وفيافي طلب العمل والرزق في هذا العالم والمشاركة في أسوء نكبة لهذا الوطن، تلكم الانقلابات العسكرية القبلية الفاسدة المفسدة وحماية نظمها؟!
فهل كانت للإسلاميين في مختلف مدارسهم أي مساهمة أو مشاركة في كل هذه الخيانات والجرائم التي أفسدت كل شيء جميل في هذا البلد المنكوب، فالأشخاص الفاعلون المحركون والأيدلوجيات الدافعة المحركة معروفة بقدها وقديدها، وأشخاصها وشخوصها وليست من بينها فكرة إسلامية أو شخص أو أشخاص من الحركة الإسلامية والواقع شاهد والتاريخ شاهد يخبر ولا يرحم ؟!
والفساد الإداري مشهود شاهد على من سرق الأقوات والأرزاق، وامتلك كل صنوف الأرزاق الجامعة بين غنى البداوة وبطر وغنى المدنية، الحيوانات السادرة والرائحة،  وتشييد العمارات والمحميات في البلد وحتى في  البلدان والدول التي تمثل الكمين الساتر والحامي للمفسدين الفاسدين السارقين لخيرات وأرزاق بلادهم ومواطنيهم، وكلهم كانوا موظفين يتقاضون مرتبات لا تغطي نفقاتهم، فهل تجدون من بينهم قادة أو أفرادا من الإسلاميين{ فمالكم كيف تحكمون}{ ولا تكتموا الشهادة ومن يكتمها فإنه آثم قلبه}.
لقد كان الإسلاميون هم الحاضر الفاعل في إطفاء حرائق الفتن العنصرية والقبلية التي حدثت بعد 1970م، ومعلني الحرب على الجهل والجاهلية والأمية، فعلموا الأمي وفقهوا الجاهل واستعادوا للناس الكثير من كرامتهم المهدورة وأطعموا الكثير من الجياع وداووا مثل ذلك من المرضى وواسوا المصابين، في القرى والأرياف والحواضر، ولم يبددوا موارد البلاد ولم يسرقوا خيرات العباد وأموال الشعب، ومن كان منكم عنده عكس هذه الدعوى المتحدية فليعلمنا به ويحرجنا بإظهاره ؟!
من المعروف والمسلم به علميا والمؤكد تجربة وطنية أنه لا خير ينتظر ولا وطنية ترجى ممن انتفخ بطنه وامتلأ جيبه وشيد منزله من سحت المال العام، واتخذ من فكره وعلمه إن كان له أصلا مكنسة لتنظيف أحذية العسكر الخشنة الجاهل أهلها الظالمون السارقون، وهم بذلك يدافعون عن الظلم والظالمين يتوسلون ويتبتلون ويعتاشون على  قيء التزلف تقربا لكل حاكم ظالم فاسد بالحرب على كل من أعلن جنديته للإسلام وصابر على الدعوة  له في السراء شاكرا لأنعمه بالعمل لدينه في السراء ساعيا في الإنفاق على الناس في الغدو والزوال والرواح بتعليمهم الفقه في دين الله مقدما في تنظيمه ومنهجه على حماية قيم وأحكام الدين والناس، مبغضا في كل سعيه وسلوكه للظلم والظالمين وأعوانهم، المحاربين في تعاهدهم وعملهم وكل أشكال تنظيمهم لكل الفاسدين المستبدين الجائرين في بسط الحرية والعدالة وقسمة المنافع والأرزاق، والمانعين المشاغبين في سعيهم لمنظري الغواية والضلال،وتجار الوظائف والمبادئ والله يقول وقوله الحق:{ إنما الحياة الدنيا لعب ولهو وإن تؤمنوا وتتقوا يؤتكم أجوركم ولايسألكم أموالكم إن يسألكمها فيحفكم تبخلوا ويخرج أضغانكم} وكل منكم ومنهم ميسر لما خلق له، والله جل في علاه يقول وقوله الحق{ ولن يتركم أعمالكم }.
لقد كان من ما تغبط عليه الحركة الإسلامية الموريتانية من نعم توفق الله لها والذي مكنها من كسب قلوب الناس ونيل ثقتهم وولائهم، والاستجابة لدعوتهم، الأمر الذي يغيظكم ويغضبكم، إلى حد فقدكم لصوابكم، أنها انطلقت وفي أول بدايات وجودها ودعوتها من فهم رباني للإسلام  ينظر في الأحكام والمآلات والمقاصد الأمر الذي دفعها ومكنها علميا وعمليا من السعي لتخليص الفقه والتدين من ما ألْحِقَ بهما من تحريف الغاليين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين، كما انطلقت في منهج رؤيتها للإنسان من الرفض والتبرؤ من كل الانحرافات التي كانت السبب في فشل الكثير من المذاهب والأيديولوجيات حينما بنت رؤيتها على تصور للإنسان مغاير لخليقته حين حسبته بعدا روحيا ليست المادة فيه إلا عرضا منقوصا عالقا به، أو تلك التي حسبته بعدا ماديا صرفاً ليس وراءه من أشواق روحية متجاوزة للمادة، وهذا الفهم والوعي هو من أظهر ما استفادته من مجمل تلك الكتابات السابقة الذكر .
ولقد كان مآل الرؤية والفلسفة الأولى قعودا بالإنسان عن عمارة الكون واستثماره بسبب الاشتغال بتخليص الروح من عالم المادة، وهو ما سقطت فيه بعض المذاهب الإشرافية اللابسة لبوس التصوف المد خول ؟.
وكان مآل الثانية العودة على الإنسان نفسه بالظلم والقهر والسحق كما تجسد في حركة الاستعمار قديما ويتجسد اليوم في نذر حروب الدمار الشامل الذي تقوده قوى الشر بقيادة أنظمة الظلم والفساد والاستبداد وعملائهم من الزائغين من بقايا مرتزقة وضحايا أيتام الأيديولوجيات،، الذين يحسبون أنفسهم منظرين لتلك الأنظمة التي تنفق موارد التعليم والصحة والخدمات الضرورية في تكديس وتجميع للأسلحة واستعمالها في إشعال الحروب وقتل للإنسان وإتلاف للبيئة الكونية، وذلك بكم يا مثقفي العسكر للحفاظ على أنظمة الفساد والقهر والاستبداد التي تتكالب على بقاء احتكارها للسلطة ونهبها للموارد و احتكار الرفاه لغوائلها وشللها...