
شهدت الأزمة السياسية الموريتانية التي أعقبت انقلاب الجيش على أول رئيس مدني منتخب قبل سبع سنوات، سلسلة من الحوارات التي لم تحرز أي تقدم باتجاه حلحلة الوضع السياسي المتأزم، بل إن تلك الحوارات عمقت الشرخ وأنتجت جوا من عدم الثقة بين السلطة الحاكمة والطيف المعارض.
فالحكومة والأحزاب الدائرة في فلكها لا تفتأ تردد اتهام المعارضة بالسعي إلى تعقيد الأزمة، رغم إنكارها المبدئي لوجود أزمة سياسية في البلد، بينما تصر المعارضة على القول إن عدم التزام الحكومة بتنفيذ مخرجات الحوار الأول (اتفاق دكار)، واقتصارها في التنفيذ على البنود التي تخدم تمسكها بالسلطة، شكل عائقا أمام الثقة في جدية وجدوائية الدخول في حوار جديد.
بيد أن تلك الإخفاقات المتكررة، وذلك الجو المُحبط، لم يمنع من تكرار الدعوات للحوار كسبيل وحيد للخروج من الأزمة التي باتت متعددة الأبعاد.
وكانت آخر تلك الدعوات قد وردت على لسان الرئيس محمد ولد عبد العزيز في خطاب افتتاح النسخة الأخيرة من مهرجان المدن القديمة في مدينة شنقيط، حيث عبر عن استعداده للحوار مع المعارضة؛ ممثلة في المنتدى الوطني للديمقراطية والوحدة، دونما شرط مسبق.
لكن صدى تلك الدعوة أحدث تصدعات، تم ترميمها لاحقا، في جدار تماسك المنتدى الذي يمثل كشكولا من الأحزاب السياسية المركزيات النقابية والمجتمع المدني والمستقلين، بسبب تباين المواقف من الحوار المرتقب، فظهر الرفض المطلق للحوار والقبول الحذر له كموقفين رئيسيين داخل منتدى المعارضة.
غير أن جهود إنقاذ وحدة المنتدى أثمرت تراجعا للصقور بقيادة حزبي تكتل القوى الديمقراطية واللقاء من خلال وضعهما شروطا للجلوس على طاولة الحوار مع السلطة، تم اعتمادها لا حقا ك"ممهدات للحوار"، شهد تسليمها لممثلي الطرف الحكومي مدّا وجزرا بسبب ظروف زيارات الرئيس الداخلية تارة، وبفعل التحفظ على مستوى تمثيل وفد المنتدى طورا، وهو التمثيل الذي غابت عنه أحزاب المعارضة الوازنة (التكتل، تواصل، وتقدم).
وأخيرا؛ استلم رئيس وفد الحكومة للحوار مولاي ولد محمد الاغظف؛ الأمين العام لرئاسة الجمهورية، "ممهدات الحوار" من وفد المنتدى الذي يرأسه ذ/ محفوظ ولد بتاح؛ رئيس حزب اللقاء الديمقراطي.
المراقبون السياسيون وقفوا حائرين أمام سؤالين كبيرين بعد تسلم ممثل الحكومة تلك الممهدات، وهما:
- ما مغزى تراجع السلطة عن التحفظ على مستوى تمثيل وفد المنتدى، والمبادرة بطلب لقاء التسليم؟
- كيف رضي ممثل المنتدى بعدم تحديد الطرف الحكومي سقفا زمنيا للرد على الممهدات، والبلد يغرق في أزمة يبدو حلها غير قابل للتأجيل؟
البعض يرى أن السلطة تراهن على عامل الوقف لإتاحة الفرصة أمام تعميق الهوة بين أطراف المنتدى، وهو ما سيمكنها من إقصاء الأحزاب الوازنة من الحوار المرتقب والانفراد ببعض مكونات المنتدى، كما حصل مع منسقية أحزاب المعارضة في حوار 2011، الذي وضع حدا لتماسك المنسقية وأدى إلى انسحاب أربعة أحزاب منها (التحالف، الوئام، الصواب، وحمام)، والتي شكلت فيما بعد قطبا سياسيا عرف ب"المعاهدة من أجل التناوب السلمي).
هذا الرأي عبر عنه صراحة الرئيس الأسبق اعلي ولد محمد فال في بيان نشره بحر الأسبوع المنصرم، وورد فيه ما نصه: "يعتبر الحديث عن الحوار السياسي ومحاولة إطلاقه مع النظام الحاكم ضربا من الفضول وطلبا لما لا طمع فيه نظرا لما يتضح من عدم جدية لديه ورفضه لأي مسار من شأنه أن يقود لحلول توافقية. ورغم تظاهره الدائم بانتهاج سياسة الانفتاح والاستعداد للحوار، فإن ذلك يبقى في حدود المناورة السياسية ومحاولة شق الصف المعارض كما تشير إليه كل الدلائل".
وعلى ذكر المعاهدة؛ فإن رئيسها الدوري مسعود ولد بلخير؛ رئيس حزب التحالف الشعبي التقدمي، سعى إلى التذكير بأن أي حوار لا تشارك فيه كتلته السياسية "لن يكتب له النجاح"، ومع ذلك فلا أحد يرغب في تجاوز المعاهدة وعدم إشراكها، لكن الخلاف يبقى حول المرحلة التي يجب أن تلتحق فيها بالحوار، وهي جدلية لم تجد حلا طالما أن الحوار بين السلطة والمنتدى لما يحسم.
ومهما يكن فإن الأزمة السياسية التي تعيشها موريتانيا لم تعان يوما من أزمة مناد للحوار، ولكنها تتطلب الجدية اللازمة لتلبية تلك النداءات الصادرة عن الرئيس ومعارضيه، من خلال احترام نتائج الحوارات السابقة سبيلا إلى بناء ثقة تحطمت على صخرة تنفيذ اتفاقي دكار (2009) ونواكشوط (2011).
فإلى متى تبقى الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية معلقة بين الحوار واللا حوار؟