قبل ميلاد الدولة الموريتانية بست سنوات، وفي وسط ولاية اترارزه وتحديدا في منطقة "لعكل"، وعند منهل العين القريب الآن من قرية معط مولان، رزق الشيخ الكبير محمد المشري ولد عبد الله (تياه) وزوجه السيدة الفاضلة مريم نفيسه بنت أحمد ولد محمذن فال ( لمرابط ) ولد أحمدو فال بطفل سمياه الحاج.
ولد الفتى في أسرة جمعت بين أفنان دوحة الطريقة التجانية؛ حيث الأب شيخ تربية في الطريقة التجانية، والأم سليلة أسرة عريقة في العلم والتصوف تنتمي لمنطقة علب آدرس إلى الشمال الشرقي من أبي تلميت.
تعهد الوالد ابنه بالرعاية مبكرا حيث كان يعده لأمر جلل، وهو القيام بأعباء الخلافة بعده، فعلمه ووجهه إلى ما أراد.
أخذ الطفل؛ الذي ولد في بيت علم، حظه من التعليم حيث كانت معلّمته الأولي زينب (انم) بنت جدو ثم أحمد محمود بن محم ثم أحمدو بن محمد أحمد الذي حفظ القرآن على يديه بعد أن كان للسيدة دور بارز في تعليم الطفل اليافع.
دخل الحاج المشري المدرسة الابتدائية في معط مولان في العام الدراسي 1960- 1961 وتقدم لمسابقة دخول السنة الأولي من التعليم الإعدادي وأجرى الامتحان آنذاك في بتلميت ونجح بامتياز حيث تابع دراسته الإعدادية والثانية "شعبة العلوم"، لكنه في السنة النهائية تحول إلي شعبة الآداب الفرنسية حيث نجح متفوقا في الباكلوريا 1973.
حصل الشاب الحاج على منحة إلي فرنسا التي أتقن لغتها لكنه فضل الدراسة في داكار بإيعاز من الشيخ ابراهيم انياس، فالتحق بشعبة الاقتصاد في جامعة داكار حيث تابع الدراسة هناك.
لم تجر الرياح بما تشتهيه سفن الشاب الطامح ولا أشرعة الوالد الذي رأى النبوغ في ابنه وأمارات الذكاء والتميز، فاختطف الموتُ الوالدَ الحاج المشري والشابُ الحاج آنذاك لم يتجاوز السنة الأولي في جامعة داكار، فعاد الابن من الحلم بالدراسة والتخصص إلي قرية معط مولان، ولكن هذه المرة ليمارس الخلافة في مكان والده.
لم يكن الشاب مغرورا ولا مزهوا بعلمه ودراسته ففكر وهو يخطو خطواته الأولي للرئاسة وسياسة شؤون القرية حيث اهتم بالازدياد من التعلم، ما جعله يستقدم العلامه اتاه ولد ألمّا والعلامة بدي ولد الدين وغيرهما حيث بدأ الدراسة الشرعية عليهما من جديد.
درس الحاج العلوم الشرعية ولكنه اهتم ببعض العلوم المهمة التي لم يكثر اهتمام الموريتانيين بها كالحديث الشريف، حيث أصبح يعد في طليعة علماء الحديث في البلد وله فيه بعض المؤلفات مثل: "أربعون حديثا عن أربعين صحابي".
كما اهتم الشيخ الحاج المشري بالتربية كعامل أساسي في بالمجتمع، وتلك خصلة ورثها عن أبيه، فطفق يرتب أمور القرية على أساس العلم بشتى صنوفه.
ارتبط الشيخ الحاج بعلاقات محترمة بجل علماء البلد وعلماء الدول الإسلامية؛ كما يقول تلميذه المقرب منه العارف به الشاعر لمرابط ولد دياه، فجنح إلي لمّ شتات الطوائف والفرق عندما يسمع بأي خلاف، وهي مهمة كان ناجحا فيها بامتياز مهما اختلفت الآراء وتباينت المواقف.
يعتبر الشيخ الحاج المشري عالما متبحرا في تراجم ووفيات الأعيان خاصة في حقلي التصوف والحديث الشريف، وهو ما بدأه بتخليد أهم شخصين في حياته أحدهما والده محمد المشري والثاني شيخ الطريقة التجانية في إفريقيا الشيخ ابراهيم انياص؛ حيث يقول:
مجدد القرن استراح مـــنه "" وعمره كنــز وفيه كنه
زاد علي الأب عظيم القدر "" بسنة فالشمس مثل البدر
يواصل اليوم الشيخ الحاج؛ وهو يكمل عقده السادس - أمد الله في عمره - في قرية معط مولان تعليمه ونشره للعلوم بين صفوف نساء الحي ورجاله، وهي المهمة التي يكابدها في كل وقت وحين باذلا جهده في ذلك ومكونا جيلا اقتنع بأن التعليم هو أساس النهوض وسبيل الرقي.
في مجلس الشيخ الحاج تسمع أغلب اللغات حيث يتقن ويتكلم اللغة الفرنسية بطلاقة؛ وهو الذي درس بها، وهناك أشخاص يترجمون بالإسبانية والإنجليزية.
تظهر لمسات المشيخة الصوفية والتربية الروحية في الشيخ الحاج حيث التواضع الجم والعمل المتواصل والتجرد من الألقاب التفخيمية، فلا تكاد تسمع من يناديه بغيرالحاج دون أي تفخيم، وتلك عادة لا توجد كثيرا في أمثاله اليوم، كما أنه يخرج وحده ويعود وحده ولا تكاد تميزه في طرقات قريته الكبيرة عنغيره من رجالها.
يظهر سكان معط مولان حبا مستحقا؛ كما يقولون، للشيخ الحاج حيث يقولون إنه ترك دراسته في الخارج من أجلهم وفضل العيش في البادية معهم وتربية أبنائهم وتدريسهم على التجول في الجامعات الكبيرة والعريقة في العالم، وصنع من القرية نموذجا في التعليم يسهر بنفسه علي تنميته وتثبيته.
كان الشيخ الحاج محط أنظار شعراء موريتانيا ومريديه وطلابه بشكل خاص، حيث مدحه أغلبهم بالشعر وبالنثر رغم عدم سعيه المدح، فنظموا فيه الشعر والنثر ليظل بعضه خالدا حتي اليوم، مثل ما قاله له أحد أخواله حين خاطبه ببلاغة منقطعة النظير قائلا:
الشيخ اصحاب فرْ أخـــيرْ "" ولْيَ ذ مسل ما تحتاج
وصباع اعسل كامل يغير "" الله إطول عمر الحاج ".