معارضة بالعراء..! / باب ابراهيم سيدي عبد الله

سبت, 2022/06/04 - 20:19

بقدوم ولد الغزواني تداعت إليه المعارضة زعماء وكيانات، لتصبح على قلب رجل واحد في تصورها عنه، بلسان واحد فيما يصدر منها اتجاهه، لتلتحم لاحقا معه في أكثر من جسم مشوه، في لجان كورونا، وفي لجنة التحقيق فيما يعرف بملف العشرية، ثم في لجان التشاور "الحوار" المخذول من أول يوم..!
لقد أخذت المعارضة على عاتقها مسؤولية مهادنة النظام، وعدم تعكير صفوه بأي نوع من القول أو الفعل، لأنها في الحقيقة هي من انفتحت عليه، ربما يحسب له أنه قبل ذلك الإنفتاح، لكنه لم يقدم أي تنازل في سبيله، ومن أجل المحافظة على الهدنة المترتبة عليه..!
لقد تنازلت المعارضة عن كل شيء، عن جميع شعاراتها ومطالبها التي كانت تحمل اتجاه النظام، رغم أنه لم يتغير أي شيء سوى أن الرجل الثاني في النظام الذي ظلت تقارع لأزيد من عقد من الزمن أصبح هو الرجل الأول، وألقى بسلفه لا حقا كي لا تغرق سفينة نظامهم الذي يعيش في وحل ومستنقع الفساد والقمع والحرب المعلنة على الديموقراطية وعلى الحريات وعلى المال العام وعلى المؤسسات وعلى الوحدة الوطنية، وأصبحت طرفا في صراع أجنحة داخل النظام وهي ورقة مرجحة دون أي معلوم تود كسبه من ذلك..!
 لقد ذهبت المعارضة في تنازلها أبعد حين قبلت بهجوم النظام الكاسح على مكتسبات قدمت "بضم القاف" في سبيلها تضحيات جسام، فلم يعكر صفو علاقتها بالنظام إصداره للمرسوم رقم 058/2020 الذي بموجبه يتم تجاوز مدونة الصفقات، وأصبحت "شاهد ماشافش حاجة " حين قبلت أن تكون ممثلة في لجان كورونا والجميع يعرف ماذا حدث لصندوقه، وماذا حدث بعد ذلك مع تقارير لجان الصفقات، وتقارير محكمة الحسابات وتجاوزها كل ذلك له، ولم يكتف منها النظام بذلك بل زادها تورطا حين أخذته هستيريا إصدار القوانين التي تحد من النشر وتعاقب أصحاب الرأي وآخرها قانون الرموز، فضلا عن التسيير الكارثي وتعزيز النظام لجبهته الفاسدة بمفسدين أقدم بل وأكثر فسادا، كل ذلك لم يدفع المعارضة للجلوس وتقييم موقفها من النظام، وظلت الحجة هي انتظار أي تنازل من النظام سيقدمه لهم في إطار ما يسميه بالتشاور، وتصفه المعارضة بالحوار، رغم الأصوات المرتفعة داخل النظام بانعدام أسبابه، وعدم وجود أي مبرر له..!
لقد ارتمت المعارضة في أحضان النظام دون أن تأخذ العبرة من خذلانها من طرف عزيز ورفيقه وخلفه اليوم أيام المجلس العسكري للعدالة والديموقراطية، كما لم تأخذها حين خذلاها بعد ذلك قبل حوار دكار وبعده، ويبدو أنها لا تريد تصديق خذلانهم لها اليوم وهم خصوم بعد أن خذلاها بالأمس وقبل الأمس وهم أصدقاء..!
لقد ظل النظام منذ اليوم الأول غير آبه بأحزاب قدمت إليه من أقصى المعارضة، وتجاوز في حقها الاستفزاز والدوس على المكتسبات إلى عدم احترامه حتى للذوق العام، من خلال جمعه بين مفسدي الأمس وقبل الأمس ومفسديه اليوم، وتجاوزه ذلك إلى الهجوم الذي يشبه الإنتقام والاستماتة في سبيل انتزاع كل مكتسباتنا، والعودة بنا إلى حقب الجمر والنهب، من خلال إطلاقه العنان للقوى الأمنية في قمع الطلاب، ونساء تيفريت، ونشطاء البيئة بمدينة ازويرات، والصارخين من هول العطش بكبني، والغاضبين من انعدام الخدمات الأساسية ببلدية اركيز، والسجن والتنكيل كان حظ المذكورين وغيرهم وفي انتظار أي مخالف آخر..!
لقد ذهبت المعارضة إلى النظام أملا في تنظيم حوار تنتظر منه بعض التنازلات في اتجاه دولة المؤسسات والحكامة الرشيدة ودولة القانون وصون الحريات..، وفي سبيل ذلك تجاوزت للنظام كل شيء، لكنها بالمقابل فقدت كل شيء، ولم تحصل على أي شيء، حتى يافطة التشاور أو الحوار التي كانت تعتبرها عصا موسى سحبها النظام وتركها بالعراء، وكأنه يقول لها أن من يتنازل عن مكتسبات بتلك الأهمية فهو لا يستحقها أصلا حتى يستحق غيرها..!
لقد بدأ العد التنازلي لانتهاء مأمورية الغزواني، سمعنا فيها من رموز المعارضة عن خلق الرجل وحسن استماعه، وشاهدنا فيها وعشنا أياما أشد وقعا على المواطن من أي سواها، فبها ارتفعت الأسعار بشكل جنوني، وعاش المواطن أغلبها بدون ماء أو كهرباء، وبها سجلت أرقام قياسية في صفقات التراضي، وانتشر فيها الفساد كالنار في الهشيم في مختلف القطاعات، وقبضة أمنية أعادتنا إلى أيام الجمر، وأخيرا أزال النظام القناع فسحب يافطته التي كان يستظل بها من يمنون أنفسهم بحوار جدي، فهل ستنتظر المعارضة أيضا إعلانه عن زيف القول بحسن خلقه واستماعه أم أنها أخذت جرعتها المعهودة من طرف أي رئيس يأخذ الحكم، وعلينا انتظار عودتها لموقعها الطبيعي، والاضطلاع بدورها الذي تخلت عنه في الثلاث التي خلت من مأمورية الغزواني..؟