كيف ننتفع بالقرآن (3)/ الشيخ محفوظ إبراهيم فال

جمعة, 2024/03/01 - 22:37
الشيخ محفوظ إبراهيم فال - نائب رئيس مركز تكوين العلماء في موريتانيا

{ ورتل القرآن ترتيلا }

سبق معنا أن الانتفاع بالقرآن يبدأ بالعلم والشعور بعظمة المنة في إنزاله وتعليمه وأنه بقدر الشعور بتلك النعمة ومدى الحاجة إليها وما تضيفه للإنسان من خيري الدنيا والآخرة يكون حب القرآن والتعلق به والإقبال عليه بصدق والحرص على الحظ الموفور من بركاته غير المحدودة ولا المتناهية الانتفاع بالقرآن يكون بإحكام أربعة أمور تتكامل فيما بينها وتتعاضد وتتداعى وتتوارد وحظ الإنسان منها حظه من القرآن فليستقل أو ليستكثر وليستغن أويفتقر وليبتغ المؤمن في ذلك كله الأجر عند من لا مانع لما أعطى ولا معطي لما منع من نزل القرآن وعلم القرآن وحفظ القرآن جل وعلا

 

وهذه الأمور الأربعة هي ؛

_ تلاوة القرآن حق التلاوة { الذين آتيناهم الكتاب يتلونه حق تلاوته أولئك يؤمنون به }

_ تدبره حق التدبر { كتاب أنزلته مبارك ليدبروا آياته }

_ التذكر به حق التذكر { وليتذكر أولوا الألباب }

_ اتباعه حق الاتباع { وهذا كتاب أنزلناه مبارك فاتبعوه واتقوا لعلكم ترحمون }

 

وهذه الأمور الأربعة مرتبطة كما هو واضح فمن أحسن التلاوة أعانته على التدبر ومن أحسن التدبر أثمر له التذكر والاتعاظ والاعتبار ومن تذكر واتعظ سارع إلى الاتباع والعمل وبذلك يكون من أهل القرآن في الدنيا والآخرة القابلين لنعمته الشاكرين لها المنتفعين بها المصطفين به المحفوظين به قيل الحسن البصري رحمه الله ؛ ( فلان يحفظ القرآن فقال بل القرآن يحفظه )

 

وأستعين الله تعالى على تناول هذه الأمور الأربعة بالترتيب بقدر من الإجمال ثم العودة إلى التدبر خصوصا بشيء من البسط والتفصيل مع الاهتمام بالأمثلة العملية من حياة السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان وذكر بعض المقترحات العملية بإذن الله تعالى

 

                    " تلاوة القرآن الكريم "

 

إن تلاوة القرآن الكريم والإكثار منها آناء الليل و آناء النهار نعمة من الله تعالى تستحق أن يشكرها من رزقها ويسألها ويسعى إليها من حرمها وقد أمر الله تعالى محمدا صلى الله عليه وسلم بتلاوة القرآن كثيرا قال الله ؛

{ واتل ما أوحي إليك من كتاب ربك لا مبدل لكلماته ولن تجد من دونه ملتحدا } { اتل ما أوحي من الكتاب وأقم الصلاة إن الصلوة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون } { قل إنما أمرت أن أعبد رب هذه البلدة الذي حرمها وله كل شيء وأمرت أن أكون من المسلمين وأن أتلوا القرآن }

وكذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وكذلك ربى صحبه الكرام فكانت تلاوة القرآن ديدنهم وكان القرآن كتابهم الأول والثالث والرابع ،،،،

 

 ليس لهم كتاب سواه ولا ينافسه مصدر عداه يقرأونه بألسنتهم ويسمعونه بآذانهم ويرونه بأعينهم في أخلاق محمد صلى الله عليه وسلم وقيامه الدؤوب به وتمثله الكامل لهداه وسناه ويعيشون وقائعه ابتلاء واجتباء ونصرا وهزيمة كما يأتي في فصل العمل بالقرآن

 

وقد أعظم الله أجر تلاوة القرآن والأحاديث في ذلك معلومة مشهورة ومنها قول رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛

" من قرأ حرفا من القرآن فله حسنة والحسنة بعشر أمثالها لا أقول ألم حرف ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف " " يقال لقارئ القرآن اقرأ وارق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها "

 

وما أجمل وأكمل أن يجد الإنسان صحيفته يوم القيامة مليئة بكتاب الله وأن يكون أكثر ما يقرأ على رؤوس الأشهاد يوم القيامة كلام الله تعالى حين ينادى عليه { اقرا كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا }

وما أثقل ميزانا عظم حظه من القول الثقيل نسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يوسع من ذالك عطاءنا

تلك المكارم لا قعبان من لبن ،،،،

 

                      أدب التلاوة ؛

وبقدر الإحسان في التلاوة تكون الثمرة والبركة ويكون الإحسان في التلاوة بأمور من أهمها ؛

أ_ المكث في القراءة والمهل في التلاوة وعدم العجلة والهذرمة حتى يأخذ اللسان والسمع والفؤاد حظه من كل كلمة ومن كل حرف وقد قال الله تعالى؛

{ ورتل القرآن ترتيل } والترتيل مشتق من الرتل وهو تباعد الأسنان والمراد به تباعد الحروف والكلمات في النطق وعدم إدخال بعضها في بعض وقال تعالى ؛

{ وقرآنا فرقته لتقرأه على الناس على مكث } وليس على عجل وكذلك كانت قراءة النبي صلى الله عليه وسلم مدا لو شاء العاد أن يعد أحرفه لعدها ووصف حذيفة قيامه فقال ؛ " يقرأ مترسلا إذا مر بآية تسبيح سبح وإذا مر بآية سؤال سأل ،،، "

وذلك من أعظم ما يعين على التدبر والتدبر كذلك يعين عليه فإن ورود المعاني العظيمة على القلب وأثرها فيه يفرض التؤدة في القراءة والتباطؤ في التلاوة ويكون صاحبها كحامل الثقيل لا طاقة له على الإسراع وهل هنالك معان أعظم وأجل من واردات القرآن لا سيما إذا تعلقت بأسماء الحسنى وصفاته العلا أو بعهوده ومواثيقه ووصاياه وأمانته فللمؤمن المتدبر هنا إحساس ووجدان تنوء بحمله الجبال الراسيات

 

ب_ اختيار الوقت المناسب وطلب فرصة الراحة البدنية والذهنية وأفضل الأوقات ساعات اليل حيث الراحة والهدوء والتعرض لما يعرضه الجواد الكريم البر الرحيم جل وعلا من فيوضات وعطاء

 

ج _ أن لا يكون الهم الانتهاء والإكمال للقراءة بل يأتي وهو يريد أن يعيش مع القرآن يستفتح خزائنه ويسترزق علمه وحكمته ويستطعم أنواره وما يسيل به واد القلب من غيث القرآن { فسالت أدوية بقدرها }

وقد كان السلف ينبهون على هذا المعنى قال ابن مسعود رضي الله عنه :

" لا تهذوه هذ الشعر ولا تنثروه نثر الدقل وقفوا عند عحائبه وحركوا به القلوب ولا يكن هم أحدكم آخر السورة " البيهقي في الشعب والطبراني

وهذا أمر جلي فإن المستعجل على الانتهاء والانصراف همه وفكره متعلق بالمنصرف إليه مشغول به غير فارغ لما بين يديه

 

ج _ القراءة في الصلاة أو المصحف فهي أدعى للحضور

 

د _ التفاعل مع المتلو فيدعوا حين يعرض الله أفضاله ويسأل الهداية حين تعرض صفات المهتدين ويستعيذ ويشفق حين يخوف بالوعيد وينذر بالتهديد كما مضى في حديث حذيفة رضي الله عنه

 

ه _ تكرار الآيات خصوصا عند التأثر بآية وكشف الحجاب عن بعض معانيها أو عند الاستغلاق والاستعجام لمعانيها وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يقوم اليلة كلها يكرر الآية الواحدة مثل قول الله تعالى؛

{ إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم }

وقام تميم الداري رضي الله عنه ليلة يكرر قول الله تعالى ؛

{ أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون }

 

جعلنا الله وإياكم من الذين يتلونه حق تلاوته