وداعا للثلث الأخير من عمري/ الدكتور سالم الشيخي

جمعة, 2024/09/13 - 19:56
الدكتور سالم الشيخي - داعية إسلامي من ليبيا

عندما بلغت الأربعين من عمري اعتكفت أربعة أيام في عزلة كاملة؛ لوضع خطّتي الخاصّة العلميّة والعمليّة، فوضعت خطّة سميتها" خطّتي في الثلث الأخير من عمري" لأني كنت ومازلت على يقين من أن من دخل الأربعين من عمره فقد دخل سوق الآخرة كما كان يقول بعض السلف - رحمهم الله -، وقد جعل الله هذه الخطة عونًا لي في حياتي الخاصة والعامة، وحياتي العلميّة والعمليّة، وحياتي التعليميّة والدعويّة، وحياتي الأخلاقيّة والسلوكيّة، فقد حدّدت فيها المسارات الخمسة الكبرى في حياتي، وجعلت لكل مسار أهدافه الممكنة وضوابطه وسياسات الوصول إليه دون تعقيد ولا تقعير، وكان لكل ما خطت يميني فيها الأثر المبارك، والدافع العظيم والمرشد الصادق في حياتي خلال العشرين سنة الماضية، فلله الحمد والمنّة أولاً وآخراً.

ولا أدري كيف مضت الأيام والليالي حتى وجدت نفسي في نهاية هذه الخطة، وقد مضى عليها عقدان من الزمن - عشرون عاماً غير منقوصة- صدّقوني أيّها الأحبة رغم أنّني كنت دائم الاطلاع عليها، وكانت لا تفارقني في حضر ولا سفر - خاصة عند وضع خطتي السنويّة في العشر الأواخر من رمضان في كل عام- إلا أنّني شعرت بالصدمة عندما اكتشفت على وجه اليقين الذي لاريب فيه أنّي قد انتهيت من خطتي، وأنه قد انتهى معها الثلث الأخير من عمري، وعندما بدأت في وضع خطتي الجديدة منذ شهر -تقريباً- دمعت عيني وشعرت برعشة في قلبي وجسدي عن أيّ مدى زمني أتحدث للخطة الجديدة، كم سيكون عمر هذه الخطة، وأنا أسير على حافة قبري يقينًا لاشك فيه، وكان السؤال المركزي: ما المسارات التي ينبغي أن أركز عليها وأنا أستعد للرحيل وأسير على قبري عفوًا ليس على قبري بل على حافة القبر حقيقة لا مجازًا؟ عن أيّ مدّة أتحدّث وأنا أجد ريح الرحيل قريباً من نفسي وروحي وفكري وعقلي؟ وبعد تردّد جعلتها خطة لثلاث سنوات تيمّنًا بعمر النبي عليه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وهو الثلاثة والسّتون عامًا رغم أنّي أعلم أنّها كانت قمريّة ولم تكن شمسية ،وإلى أن يحين ذلك الوقت -إن كنت من أهل الدنيا- يمكن أن أضع الخطة بعد ذلك في الوقت الإضافي من حياتي.

صدّقوني أيّها الأحبة شعرت وأنا أدخل في الستين من عمري بشعور عجيب كان يلوح لي في الأفق فيما مضى من العمر وأصبح واقعًا ملموسًا أعيش فيه وقد دخلت الستين من عمري، إنه شعور الاقتراب من الرحيل والمغادرة لهذه الدنيا الفانية، ولذلك ينبغي أن تكون الأفكار المركزية لأيّ خطة أضعها- أو يضعها أحد في عمري نفسه - التركيز على معنى واحد وهو: كيف يكون الاستعداد للقاء الله تعالى؟ وما الأعمال والأخلاق والأحوال والأقوال المطلوبة لهذا الاستعداد حتى يكون واقعًا عمليًّا لا أماني ودعاوى لا تُسمن ولا تغني من جوع؟.

كتبت هذه الكلمات بعد تردّد طويل ويعلم الله أنّ المقصود من ورائها لا يخرج عن ثلاثة أمور أضعها بين يدي الأحبة من الإخوة والأخوات للانتفاع بها والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل:

الأمر الأول: لا تستهينوا بالتخطيط الشخصي، ولو في أقل صوره، وأنا لا أتكلم عن تخطيط وخطط معقدة بل أتحدث عن خطة سهلة ميسرة واضحة تحدد فيها مسارات عملك في الحياة وأهدافك مختصرة والضوابط والقواعد والقيم التي يجب أن تلتزم بها، ثم تسير متوكّلًا على الله في الإنجاز أسبوعًا بأسبوع وشهرًا بشهر وعامًا بعام.

الأمر الثاني: أنه لم يعد في النفس ولا في القلب ولا في الروح أيّ متسع للانشغال بأحد من الخلق إلاّ على سبيل الحرص على تقديم النفع والنصح لكل مسلم ومسلمة.

الأمر الثالث: أطلب من جميع الناس دون استثناء أن يسامحوني إن كنت أخطأت في أحدهم، وأن يغفروا لي أخطائي والله يغفر لنا ولهم أجمعين، كما أرجو من كل من اطلع على هذه الكلمات أن يدعو لي بحسن الختام، وأن يشغلني الله بكل ما يقربني إليه وأن يجعل قدومي عليه على خير ما يحب ربّنا ويرضى، وليوقن الداعي بذلك بظهر الغيب بقوله صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "ما دعا أَحَدٌ لأخيهِ بظهرِ الغَيْبِ ، إلا قال المَلَكُ : ولكَ مثلُ ذلكَ".

 محبكم سالم الشيخي