( شبكة السراج ) قال الدكتور يحيى ولد البراء إن الفرق بين اللغات يكمن فيما يعضدها من حضارة وإنتاج معرفي وعمق حضاري، مؤكدا أن اللغة عضو ذهني يأتي الإنسان وهو يحمله، ولذلك أكثر معرفة الإنسان قَبْلية.
وأضاف ولد البراء خلال مداخلة حول "اللغة والحضارة" ضمن ندوة نظمتها جمعية المستقبل يوم الجمعة 27 دجمبر الجاري، أن الإنسان يأتي إلى الوجود وهو يحمل أكثر معارفه، وفق الدراسات العلمية الحديثة، وهذا ما يشير إلى أن اللغة أكثرها إعداد بويولوجي مشترك بين بني البشر، وهذا الإعداد هو ما يعطي الإنسان أكثر مهاراته وقدراته الذهنية مثل الاستنتاج والتعقل والإدراك.
وأكد الدكتور ولد البراء وهو أستاذ جامعي ومؤلف عن خصائص اللغة العربية، مؤكدا أن من أهم هذه الخصائص كونها لغة القرآن، مضيفا أن كل لغة طبيعية لها عبقريتها الخاصة، لكن العربية تميزت لقدرة نادرة على الاختصار والدقة، ولها قدرة قوية على وصف المعطى الخارجي، والتدقيق فيه، واستقبال الكمي المعلوماتي الذي تعطيه لنا العلاقة بين الإنسان والواقع الخارجي، الذي يسمى بالتجربة.
وأشار إلى أن من خصائص اللغة العربية أيضا أنها هي اللغة الوحيدة التي ما زالت كما بمعجمها وأوصاتها وتراكيبها كما هي منذ 14 قرنا، فلا توجد لغة في الدنيا عاشت هذه المدة من الزمن، فما زلنا نفهم "سما لك شوق بعدما كان أقصرا" ما زلنا نفهم للشنفري وطرفة وكبار شعراء العهد الجاهلي.
مردفا أن من خصائص العربية أيضا أنها معجمها ألفظها توليدية أنه يمكن توليدها بشكل بنيوية ليست كما هو التوليد اللغات الهندو أوربية التي تولد عبر الجمع بين كلمتين، فالعربية تتولد من الداخل فالجذر يمكن أن نزيده من البداية او من الوسط لوصف ما تريد أن تصف عبر أنواع الاشتقاقات.
وقال الدكتور ولد البراء إن من خصائص العربية أيضا هيمنها عبر عدة قرون على البشرية كلها بمختلف شعوبها وحضاراتها وأعطتهم كل ما هو موجود من متاح معرفي في الرياضيات والفلسفة والمنطق وفي علوم الشريعة وفي علوم اللغة.
وأكد ولد البراء أنه لم يسبق النحو العربي من الأنحاء إلا النحو السيسكريتي أو النحو الهيليني، وهما لا يصفان أساسا اللغة ولا يركزان على التراكيب.
وأضاف أن النحو العربي مثل "طفرة في التفكير البشري وأعطى نموذجا جديرا في التفكير مغايرا لما كان موجودا في الحضارة اليونيانية والساسانية والهندية".
مشيرا أن النحو العربي سبق إلى نظرية "العامل" ونظرية الرتبة ونظرية الإحالة ونظرية الإضمار قبل أن تستلهمها بعض اللغات تأثرا بالنحو العربي.
وأكد ولد البراء أن اللغة العربية هي الوعاء الذي قامت على أساسه الحضارة العربية الإسلامية "التي دامت على الأقل 8 قرون وأعطت عطاء كبيرا للبشرية، ترجمه الأوروبيون والهنود والصينيون وكان عطاؤها ثرا وميزها بشكل كبير".
واكد ولد البراء أن العربية ما زالت لغة قوية ويتكلمها نحو 500 مليون شخص وكأنها لغة الأم، أما متكلموها الآخرين فنحو مليار ونصف، وما زلت آدابها وفنونها زاخرة حية".
#السراج