الدولة وضغط الشعب / باب أربيه

أحد, 2025/02/09 - 13:31
باب يعقوب أربيه - مهندس

ربما أخطأ الرئيس الأسبق المختار ولد داداه حين جمع كل الفرقاء السياسيين تحت عباءة الحزب الواحد فكُشف الحاجز مباشرة بين الحكومة وبين الشعب وفقد الرئيس وحزبه ذلك التعاطف الشعبي الذي طالما يبلغ ذروته حين تتطرف المعارضة أو تفقد بعض مصداقيتها .
غاب عن فطنة الرئيس المختار ولد داداه، رغم براعته السياسية، حقيقةٌ مفادها أن المعارضةَ تمثل صمامَ أمانٍ قوامهُ التجربةُ والحنكةُ والنضال. هذا الحاجزُ ضروري للفصل بين اندفاع الجماهير العاطفي وسياساتِ الدولة الرزينة. وبغيابِهِ، تتولى الجماهيرُ غيرُ الواعية زمامَ التقييم، وقد تنقادُ في ذلك لأهوائها ونزعاتِها، بل وأطماعِها الشخصية."
لا أهدف من خلال حديثي عن حقبة ما قبل عام 1978 إلى استحضار الماضي أو التوق إليه، بل أريد استخلاص العبر من التاريخ.  فالتاريخ، كما أراه، يسير وفق حركة لولبية تجمع بين مسارين: مسار خطي مستقيم يتجه نحو المستقبل، وآخر دائري يعيدنا إلى نقطة البداية، ولكن بنصف قطر يختلف تبعًا لخصوصية كل مجتمع. 
يبدو أن حركة التاريخ عندنا بشقها الدائري ذات نصف قطر قصير مقارنة بالأمم الأخرى ، فحين استطاع نظام الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني احتواء أركان المعارضة التقليدية " العريقة " وحين أجمع الساسة الموريتانيون المشهود لهم بمقارعة الأنظمة السابقة على دعمه ، هنالك وصلت الدائرة نفس النقطة التاريخية التي دخل عندها الكادحون في حزب الشعب ! ولأن حركة التارخ ذات شقين فقد بلغ المسار الخطي المستقيم عصر السوشيال ميديا ، وكما هي عادتنا في استيعاب كل جديد وتطويعه لخصوصيتنا، فقد استخدمنا وسائل التواصل الاجتماعي على طريقتنا. ففي غياب معارضةٍ فاعلة في المشهد السياسي الراهن، وجدَ الشعبُ متنفسًا جديدًا للتعبير عن آرائه وتطلعاته.  فمنصات التواصل المختلفة، كفيسبوك وتويتر وتيك توك، أصبحتْ فضاءً رحبًا للمواطنين للتفاعل والنقاش، وإن كان هذا الفضاء يعجُّ في بعض الأحيان بـِ "وافدين جدد" يفتقرون إلى الخبرة السياسية والتجربة النضالية اللازمة لتقييم أداء الدولة.
صراحة لا أنوي أن أخصص بقية المقال لوسائل التواصل الاجتماعي وإنما لأتحدث عن بعض نتائجها خصوصا تلك المتعلقة بضغوط المدونين على الدولة وتراجع الدولة عن بعض قراراتها نتيجة لتلك الضغوط .
من البديهي أن تسعى الدولة جاهدة لاتخاذ قرارات رشيدة ومدروسة، تصب في خدمة الصالح العام. بيد أن الخطأ يبقى واردًا، وحتى في هذه الحالة ، تتجلى أهمية المؤسسات الرقابية، وعلى رأسها البرلمان، والمعارضة الوطنية، والصحافة الحقيقية، والمجتمع المدني، وهيئات حقوق الإنسان، في تسليط الضوء على أوجه القصور وتقديم سبل التصحيح.  لكنْ الخلل يظهر بشكل جلي حين يتحول تضررُ فردٍ أو جماعةٍ من قرارٍ حكومي إلى ذريعةٍ لتجييشِ المدونين، الذين لا يملكون من المصداقية إلا عدد متابعيهم، بهدف إلغاء القرار، بدلًا من تقويمه أو تعديله.
كثرة الرجوع عن القرارات تشي بالإرتباك والرضوخ لأسراب " اللايكات " والتعاليق غير الجادة أمر لا يستناسب مع القرارات الاستراتيجية ، كما أن الانسياق وراء "التريندات" العابرة يتنافى مع جدول أعمال الحكومة المزدحم بالتحديات والمسؤوليات.
إذا ماهو الحل ؟ 
أرى أن الحل الأمثل يكمن في اتباع نهج متكامل، قوامهُ أربعةُ عناصرَ أساسية: 
أولًا، التأني والتروي في دراسة القرارات قبل اتخاذها، سواء على مستوى الدولة أو المؤسسات التابعة لها. 
ثانيًا، تفعيل دور الإعلام الحكومي وتعزيزه بناطقين رسميين يتمتعون بفصاحة اللسان والقدرة على شرح القرارات والدفاع عنها بحجج مقنعة.
ثالثًا، إفساح المجال لمعارضة حقيقية وبناءة، مع الحرص على انتخاب نواب برلمانيين يتمتعون بالكفاءة والتنوع،  بالاضافة إلى دعم صحافة حرة مهنية، ومجتمع مدني فاعل لا يضم "جمعيات حقائب" وهمية.
رابعًا، إصلاح منظومة التعليم، وتشجيع القراءة والتثقيف الذاتي، بما يكفل تكوين مجتمعٍ مُحصَّن بإذن الله ضدّ الغوغائية و"البث المباشر" المدفوع."
حفظ الله موريتانيا .
بقلم بابه ولد يعقوب ولد أربيه 
مهندس في مجال مياه الصرف الصحي