
سال حبر كثير وصاحبه لغط كبير في الأيام الماضية حول الهجرة والمهاجرين غير الشرعيين، وقد انقسم المدونون وأصحاب الرأي إلى فسطاطين ما بين مهوِّلٍ ومهوِّنٍ للظاهرة وما يترتب عليها؛ وأحببت أن أتناول الموضوع بقدر من التفصيل من خلال النقاط التالية، وأرجو أن أكون موضوعيا في تناولي هذا:
1- بداية ينبغي أن نستشعر أنّنا في شهر الرّحمات وشهر المغفرة والعفو والصفح، فلا ينبغي أن نشدّد على عباد الله ولا أن نضيّق عليهم في هذا الشّهر، كما لا ينبغي أن نكثر فيه من اللغط ولا أن نضيع فيه الوقت في القيل والقال، ممّا لا يعود بالفائدة على الفرد ولا على المجتمع.
2- واجب الفرد والدولة أن يرحبوا بكل مهاجر شرعيّ عابر كان أو قاطن، جاء يمشي في مناكب الأرض ويبتغي من رزق الله؛ فهذا حقه وعلى الدولة أن تسهل له الإجراءات وأن توفر له الأوراق اللازمة للإقامة والعمل، أو العبور والسفر، وحقه على الشعب الترحيب والمعاملة بالتي هي أحسن.
3- من التزم من الوافدين بشروط الإقامة وتقيد بالضوابط والقوانين المنظمة، ولم يخرج على أعراف المجتمع ولم يتسبب للدولة أو لأحد من رعاياها في ضرر، ينبغي أن تُحفظ له حقوقه وأن يُعامل بالتي هي أحسن، وفي المقابل يجب عليه أن يؤدي واجباته مثله مثل غيره (له حقوق وعليه واجبات) أيا كانت جنسيته، ويتأكد الأمر أكثر في حقّ القادمين من دول الجوار، فهم أولى بالمعروف وأجدر بالتسهيل.
4- حفظ الأمن واجب على الدولة وهو حقّ للشعب والمقيمين على هذه الأرض، تفرضه الدولة بقوتها وسطوتها دون مساومة، فتحفظ بذلك أمن البلاد وحقوق العباد.
5- في سبيل فرض الأمن وبسط السكينة يحق لأجهزة الأمن أن تتعامل بحزم وتتخذ من الوسائل ما من شأنه أن يردع المخالفين الخارجين على القانون حتى يكونوا عبرة لغيرهم، ومن ذلك السّجن والترحيل القسريّ إلى بلدانهم، وعلى كل مواطن صالح أن يكون عونا لها في تنفيذ هذه المهمة.
6- على الشرطة أن تتقي الله أولا، وأن تكون حذرة وحكيمة في تعاملها مع المخالفين من المهاجرين غير الشرعيين ثانيا؛ فلا ينبغي أن تتجاوز في تعاملها معهم الموجهات الشرعية والضوابط القانونية لا في السّر ولا في العلن؛ فهؤلاء بشر ويجب أن تراعي فيهم القيم الإنسانية والضوابط الشرعية مهما كانت أخطاؤهم؛ كما يجب الحذر من التصوير العشوائي لعمليات الترحيل، فقد يُساء استخدامها من قبل المغرضين.
فقد تعودنا من بعض عناصر الشرطة -للأسف- المعاملة الخشنة وغياب الحكمة في التعامل مع أصحاب الحقوق من الطلاب والمعلمين وغيرهم من أصحاب المطالب العادلة والمشروعة.
هذا بشكل عام، وهو بمثابة القواعد والمنطلقات الأساسية في التّعامل مع الظاهرة.
7- ما رأيناه من تعاطي المدونين وبعض السياسيين والحقوقيين مع هذا الموضوع كان في مجمله خال من الموضوعية وطغت عليه المزايدة -للأسف- فلاهم استحضروا روح الأخوة الإسلامية في التعامل آحاد الوافدين، ولا هم راعوا بعد المصلحة العليا للوطن في التّعامل مع الظاهرة ككل؛ بل صار كل يغني على ليلاه، وانتصر كل فريق لما تعود من هواه.
وقد استوى في ذلك اليمين المتطرف(العنصري) واليسار اللّونيّ(العنصري) على حد سوى.
8- لا أدري لماذا يغفل مدونوا اليمين المتطرف حقيقة أنّ الوافدين إليهم بشر وأنّ غالبيتهم من المسلمين ومن دول الجوار التي يقطن فيها الكثير من أبناء هذا الوطن، فلماذا كل هذا الجشع والجزع وقلة المروءة في التعامل معهم والتحريض عليهم، ألا يخشون أن يكونوا ممن قال الله فيهم (ويمنعون الماعون).
9- أستغرب من حرص أصحاب اليسار اللونيّ على ركوب الأمواج والسباحة دائما في المياه العكرة!
أفكلما كتب مغمور أو مجهول تدوينة عنصرية، اعتبرها قادة اليسار اللّونيّ ناقوس خطر داهم (يحسبون كل صيحة عليهم ) سَيفُتُّ في عضد اللحمة الوطنية، وجعلوا من الحبّة قبّة، وسعوا في تضخيمها ضاربين بمصالح الوطن وسكينة المواطنين عرض الحائط. ألا يخشون أن يكونوا ممن قال الله فيهم (إنّ الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين ءامنوا لهم عذاب أليم).
10- الحقيقة الماثلة أمام العيان أنّ تدوينات اليسار اللّوني (العنصري) إلّم تكن هي الخطر بعينه، فإنّها لا تَقِل بشاعة ولا تنقص تحريضا عن التفاهات التي يكتبها أصحاب اليمين المتطرف (العنصري).
الفرق فقط أنّ أغلب التدوينات العنصرية المحسوبة على اليمين المتطرف هي من أشخاص مجهولين ومن في حكمهم، أو على الأقل ليسوا قادة في أحزاب أو منظمات مجتمع مدني معروفة -وإن طبّع معهم البعض بعدم الإنكار جهرا عليهم- بينما التدوينات العنصرية المحسوبة على اليسار اللّونيّ هي في الغالب من شخصيات سياسية وحقوقية معروفة ولها تأثيرها، وغالبا ما تجد هي الأخرى حظها من التطبيع والمجاملة والمجاراة.
فتضيع الحقيقة ويغيب العدل في ضجيج صخب أنصار هذا الطرف أو ذاك من الغوغائيين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العليّ العظيم.
11- هناك ربط وخلط وتلبيس يقع فيه كثيرون -بقصد أو بغير قصد- ينبغي توضيحه ووضع النقاط فيه على الحروف ويتمثل في ثلاث نقاط :
- النقطة الأولى: كون بعض دول الجوار يقطن فيها الكثير من جالياتنا بطريقة نظامية ويستفيدون من خيراتها ويُفيدون تلك البلدان بنشاطهم الاقتصادي، لا يستلزم ذلك من الدولة الموريتانية أن تتغاضى عن جاليات تلك الدول المقيمة على الأراضي الموريتانية خارج الأطر القانونية، ويتأكد الأمر أكثر في حقّ من قام بعمل يهدد أمن البلاد واستقرارها عبر تكوين العصابات المارقة على القانون؛ فتلك البلدان لن تتساهل هي الأخرى مع أفراد جالياتنا إن خرجوا على القانون أو تسببوا في الفوضى هناك، وهذا حقهم الذي يفرضه العقل وتكفله كل القوانين.
فالمطلوب إذا هو التعامل مع الجاليات الأجنبية وفق القاعدة الديبلوماسية المعروفة (المعاملة بالمثل) فهذا هو الأصل، إلا إذا اقتضت الضرورة غيره في الحالات الطارئة.
- النقطة الثانية: الوافد الأجنبيّ الفاسد الخارج على القانون ضرره على الجميع، وينبغي للجميع أن يقف منه نفس الموقف بغض النّظر عن جنسيته ولونه؛ والوافد الأجنبيّ الصالح المقيم بطريقة قانونية ينبغي أن يكون محلّ ترحيب واحترام وتقدير من الجميع مهما كانت جنسيته أو لونه. ما عدى ذلك جرم وخطيئة.
- النقطة الثالثة: لا تجعل من معارضتك للنّظام سببا لمعارضة الوطن، فالنّظام يزول ويتغيّر، والوطن باق، وإذا زال -لا قدر الله- فضرر ذلك سيطال الجميع، وبناء على ذلك ينبغي الحذر كل الحذر من نشر الأخبار الكاذبه وترويج الشائعات المغرضة عن استهداف الأجانب وجاليات بعينها وتدعيم ذلك بنشر بعض الصور والفيديوهات التي لم نتحقق من مصداقيتها، لأن ذلك قد يتسبّب في أضرار مادية ومعنوية لمواطنينا في الخارج، كما أنه يساهم في توتير الأوضاع بين بلادنا ومحيطها الجغرافي، وهذا لا يضر النظام الحاكم فقط، بل يضر البلد برمّته، فالحذر الحذر والحصافة الحصافة.
12-ملف الهجرة غير الشرعية ملف شائك، وقد استعصى أمره على الدول الكبيرة ذات الإمكانيات الضخمة، فكيف لا يستعصي على بلد كموريتانيا بإمكانياتها المتواضعة وحدودها الشاسعة وموقعها الجغرافي الصعب ومحيطها الإقليمي المضطرب!.
لكنّ ذلك ليس مدعاة للإستسلام ولا يدفع للتّخلي عن القيام بالواجب، بل على العكس من ذلك، يفرض مزيدا من الحزم والعزم والتّعاون بين السلطات المعنية والشعب ممثلا في قواه الحية من سياسيين وحقوقيين وإعلاميين ومثقفين معارضة كانوا أو موالين، فالمصلحة للوطن، والوطن للجميع.
ختاما: أيّها الشعب المسلم والمسالم إلى متى سنبقى نسير أو نُسيّر بملْء إرادتنا إلى الهاوية؟ أليس فينا رجل رشيد!
إلى متى سنظل نساير ونداري العنصريين في اليمين المتطرف، ونجامل ونتغاضى عن المحرضين ومثيري الفتن في اليسار اللّونيّ.؟
إلّم ينته هؤلاء وأولئك عن ماهم سائرون إليه ويسوقوا الآخرين له، وإلم تتدخل الدولة وأصحاب الرأي والعقل والحكمة في المجتمع ويضعوا حدا لهذا الأمر، فإنّ الخراب والدّمار هو ما ينتظر الجميع، وحينها سيخسر الجميع ويندمون ولات حين مندم.
إنّ بلدا كبلدنا أنعم الله عليه بوحدة المعتقد بل واتّحاد المذهب -في الغالب- لا ينبغي أن يكون تنوعه العرقيّ والذي هو مصدر نماء وثراء سببا في تشتّته ووسيلة ينفذ منها الأعداء لتفرقته؛ بل ينبغي أن يكون سببا لنهضته وتطوره ثقافيا وعلميا واقتصاديا…
فعندما تختلف الثقافات وتتفق العقول وتتحد الجهود، يكون النّماء ويخرج الإبداع ويحصل الثّراء.
اللّهم هل بلّغت، اللّهم فاشهد.
أُشهد الله وأشهدكم جميعا أنّني براء من العنصريين ومثيري الفتن سواء كانوا في اليسار أو اليمين.
حفظ الله موريتانيا وأدام عليها نعمة الأمن والأمان والأخوة والإسلام.