ملف الهجرة العشوائية إلى موريتانيا من أين؟ وإلى أين؟ (2)/ محمدو احظان

سبت, 2025/03/15 - 19:03

ملف الهجرة العشوائية إلى موريتانيا 

(الحلقة الثانية):

الدكتور محمدو ولد احظان

 

-كيف نقف في وجه التيار الجارف؟

 

عندما يجد المجتمع نفسه في ضائقة كبرى فإن عليه أن يراجع نفسه ويتحلى بأربع خصال إجرائية لاستيعابها وتجاوزها:

 

 ١-التماسك النفسي: شجاعة، وردة فعل أولية؛

٢- تشخيص الحالة العامة للتحدي، وانعكاسها على الذات، والواقع؛ من أهلية، وقدرات، ووعي بالمصالح العليا؛

٣- تقدير الضرر والأثر الفوري، والمتوسط، والاستراتيجي.. على المجتمع أو الأمة المستهدفة أو الأطراف؛

٤- طرح السؤال المنهجي المناسب لمتحديد الخطوات العملية الملائمة. ويكون بصيغ مختلفة ومتدرجة. منها:

-كيف نخفف الآثار الفورية للضرر؟

-كيف نزيل آثار الضرر اللاحق كلية؟

-وكيف نتفادى تكرار الحدث الضار مستقبلا؟

 

السؤال الأول حول امتصاص الصدمة؛ والثاني لعلاج آثارها وتجاوزها؛ والثالث للحماية من تكرارها مستقبلا.

 

ويمكن -تطبيقيا في موضوعنا- أن نجمع الأسئلة الثلاثة في سؤال واحد، وهو:

 

-كيف نقف في وجه تيار الهجرة العشوائية الجارف؟

 

أولا: امتصاص صدمة الهجرة العشوائية

 

عندما تكون لدينا أزمة فعلينا أن نفككها إلى مجموعة المشاكل التي تتألف منها، تمهيدا لحلها..

والهجرة العشوائية أزمة مركبة: عالمية، وإقليمية، ووطنية.

 

-عالمية: لأن كل بلدان العالم تعاني من أزمة الهجرة، باعتبارها عبءً على البنيات التحتية والتوازنات السكانية، والألفة الحضارية، في بلاد الوجهة.

 

-وإقليمية: باعتبارها عبءً ماديا اقتصاديا، وأمنيا، واجتماعيا وسياسيا.. على بلاد العبور، والانكسار.

 

-ووطنية: باعتبارها نزيفا قاتلا لبلدان المصدر بسبب هجرة الفئات العمرية النشطة، وكذلك إخلالا بالتوازن الاجتماعي، وتفكيكا للارتباط الوطني ببلاد المصدر، والتمرد على الانتماء الإيجابي إليها.

 

كل مشكلة من هذه المشاكل كافية لاعتبار ظاهرة الهجرة أزمة، أحرى إذا كانت معا.

ولأنها كذلك فحلها ليس ممكنا إلا بتعاون دولي مخلص، سنمر عليه خلال هذه المعالجة، في كل من آثاره الفورية والمتوسطة والاستراتيجية.

 

ثانيا: التسوية

-الطرف الأول في العلاج:

دول الوجهة؛ تشخيص وحل

 

يقول العالم الفيزيائي انيوتن: "لكل فعل ردة فعل مكافئة له في القوة ومعاكسة له في الاتجاه."

عجيب أن هذا القانون الفيزيائي يصدق على موضوع الهجرة مع تباعد الحقول.

كيف ذلك؟

الفعل: صدمة الغرب للجنوب بالاستعمار ومضاعفاته المتولدة.

وجهة الفعل: من الشمال والغرب إلى الجنوب.

النتيجة: انهيار بلدان الجنوب وتفقيرها وتكريس تخلفها، وإشباعها بالنماذج والخطط التنموية الزائفة الكيدية..

 

ردة الفعل: الهجرة العشوائية.

وجهة ردة الفعل: الشمال والغرب.

 

النتائج: الإزعاج، والإحراج، والتنقيص، ومؤشرات الإغراق البشري.

 

مقترحات على طريق الحل

 

لكي يتم امتصاص صدمة الهجرة من لدن دول الوجهة، أولا؛ ومعالجة آثارها، ثانيا؛ والوقاية من تكرارها، ثالثا؛

 

أرى في هذا المجال: أن على دول الوجهة (أوروبا والغرب):

أن تفهم -من باب التشخيص- أنها هدمت وأحرقت البيوت على ساكنيها في الجنوب بشكل متكرر، مع سبق الإصرار والترصد، وعليها أن تتحمل المسؤولية بشجاعة أدبية، وتجبر الضرر، وتدفع ثمنا لذلك في خمسة إجراءات: فورية؛ ومتوسطة؛ واستراتيجية.

 

-الإجراء الأول:

إجراء فوري استعجالي. وهو بضخ أموال في بلدان المصدر والعبور بسخاء، تمول بها مشاريع فورية مدرة للدخل. توحي بالتخلي عن سياسة الشح الشديد ومراباة الديون. وتقدير الأوروبيين لحقيقة، أن الاستثمار في رخائهم يستدعي تثبيت سكان الجنوب في بلدانهم.

 

الإجراء الثاني:

وهو إجراء استعجالي فوري كذلك، إعفاء كل ديون الشمال على دول الجنوب، والكف عن استنزاف خدمة تلك الديون لميزانيات دول الجنوب بشكل قاتل.

 

الإجراء الثالث:

وهو على المستوى المتوسط:

التوقف عن استنزاف خيرات بلدان الجنوب عبر شركات متغولة، تجعل استغلال المواد الأولية في بلدان الجنوب بلا جدوى على شعوبها، لأنها تتم عبر عقود غبن مجحفة تتراوح ما بين 3% و 20%،

لتستأثر شركات الاستغلال بما بين 97% و 80% من كتلة الاستغلال.

فكيف يتصور أحد أو يرضى بما لايتجاوز في الأكثر 20% من ثروته الوطنية في أحسن الأحوال؟!

 

الإجراء الرابع:

وهو إجراء تتقاطع فيه الفورية والمتوسطية والاستراتيجية؛ وهو:

الكف عن التدخل العسكري المباشر في بلدان الجنوب، وتخريب لحمتها الاجتماغية بتأجيج النزاعات العرقية، والسياسية العنيفة، والتجارة والغمر بالسلاح، وتنظيم الجريمة العابرة وتأطيرها، من إرهاب، ومخدرات، وتربية عنادية.. لتحقيق إذعان من النخب السياسية، وتبعية مبتذلة.

 

الإجراء الخامس

وهو إجراء استراتيجي:

التخلي عن معاملة الجنوب باعتباره عالما غير رشيد، وتكريس تخلفه أبديا، ودونيته قدريا... ولا شيء من هذا صحيح. 

والحقيقة أن استغلال الغزب لذكائه وتقنيته من أجل قهر شعوب الجنوب ماديا ومعنويا، وتنضيب ثقتهم في أنفسهم، والتنقيص من أهليتهم.. هي التي أدت إلى تخلف مجتمعات الجنوب. 

 

عند التخلي عن هذه المسلمات، ومعاملة الجنوب على نحو محترم، تعاونا، وتبادلا، عالميا، وأرضية مناسبة، وبئة صالحة للتعايش، وإشاعة الرفاه البشري.

ولعل مراجعة نظريتي مالتوس في الندرة، ونظرية داروين في الانتقاء الطبيعي، خلفية للنظير السياسي؛ باعتبارهما أيديولوجيا تنافسية إقصائية عنيفة؛ وتبديلها بأيديولوجية تشاركية.. ستقود إلى حالة من قبول الآخر وفهمه، والاطمئنان إليه؛ ومن ثم تحقيق الرخاء والاستقرار والتعايش السلمي الكوني.

إن ثمة حقيقة مريعة وراء كل بؤس وشقاء عالمي، بما في ذلك كارثة الهجرة؛ وهي أن ثروات العالم تفيض على حاجات البشر، ولكن سوء توزيعها هو السبب في الاختلال.

مثلا، حسب آخر إحصائيات توزع الثروات على الكرة الأرضية:

أن الكتلة المالية والاقتصادية العالمية موزعة على النحو التالي:

85% من ثروات العالم بحوزة 13% من سكان العالم.

و 80% من ال 85% من ثروات الكون بأيدي 3% من أصل 13% المذكورة.

إن على العالم الغني وعلى مترفيه أن يفهموا بشكل واضح أن الشعوب ستتقفى أثار ثرواتها اليوم أوغدا أو بعد غد. 

لذلك عليها أن تغير عقيدة تفقير عالم الجنوب، وإغناء نفسها؛ وإلا فسيتم غزو الغرب بشريا، و تمتلئ شواطئه بالجثث، أو تتم مشاركته في أوطانه قسرا، من شعوب الجنوب الطريدة من أوطانها، بفعل مباشر أو متولد من أفعالهم.

كما أن على الغرب أن يقتنع بأن بواعث الهجرة منه لا من شعوب الجنوب أصلا، نتيجة السياسات المالية والاقتصادية الجشعة، المؤطرة تقنيا. وعليه فعلاجها من منشئها، وبالتالي عليه أن يتدارك الخطأ الاستراتيجي الشنيع.

 

لقد قال العالم إينشتاين في سياق آخر حول السببية، ما معناه: أن "من الغباء إعادة نفس الفعل، بأسبابه للحصول نتائج مختلفة".

إن السياسة الأوروبية الغربية الحالية بجميع تجلياتها لن تقود إلا إلى نفس النتائج التي قادت إليها سابقا.. لا ينفع في ذلك تنفيس باتفاقية هشة إكراهية هنا أو هناك. أو إجراءات تسكينية تكتيكية، أو برامج انتخابية متطرفة.

إن الأمر أجل من كل ذلك.. 

وإلا فلن يرى الغرب السكينة "إلا من حفر أقفيته"؛ كما يقال.

والأيام بيننا.

 

(معالجة متواصلة.)