كثيرا ما سمعت عبر وسائل الإعلام و من خلال تصريحات المسؤولين الحكوميين في أعقاب الملتقيات و المؤتمرات الرسمية حديثا مستفيضا عن مفاهيم و مصطلحات فضفاضة من قبيل : تعزيز الأمن القومي و مكافحة التلوث البيئي... حيث يدخل المصطلح الأول –حسب الرسميين- في إطار ما يسمى بمحاربة الإرهاب و الدفاع عن الحوزة الترابية و حماية الوحدة الوطنية، و يندرج المصطلح الثاني –حسب الرسميين دائما- في سياق التنمية المستدامة و الحفاظ على صحة الإنسان و الحيوان و النبات ... إلى غير ذلك من الاسطوانات الرسمية المعهودة.
بقلم: عالي مختار اكريكد
و في رأيي أن وضعنا الراهن و ما تعج به الساحة الوطنية من مشاكل و انحرافات خطيرة و ما يتشكل منه وعي القارئ (الباث) و الكاتب (المتلقي) بشكل عام من هموم و أفكار و مشاريع تسمو و تنحدر طبقا لتقلبات أمواج و عواصف التغيير الشامل و الانقلاب الجذري الذي ضرب منظومة القيم و الأخلاق عندنا في الصميم ..في رأيي أن هذا الوضع يستلزم منا وقفة خاصة لمراجعة المصطلحات و المفاهيم الآنفة ..وقفة نستبدل فيها مصطلح الأمن القومي بمصطلح (الأمن الأخلاقي) ، و مكافحة التلوث البيئي بــ (مكافحة تلوث القيم)!!.
و لنقترب أكثر من تشخيص و توصيف الواقع الرديئ الذي آلت إليه حالنا اليوم دعونا نتحدث بصراحة و براءة الأطفال، و موضوعية علماء الذرة ،و حيادية (المخلوقات الفضائية) في الأفلام الكرتونية الخيالية ،لنقف على قائمة المفردات المبعثرة التالية:(إلحاد_تطرف_غلو_اغتصاب_جريمة_فساد_انحلال_سرقة_قتل_انتحار_شذوذ_تعصب_تدنيس_اعتداء_ظلم_تهميش_تفقير_تجهيل،..و القائمة تطول و التغطية مستمرة)!!
فما من شك في أن هذه القائمة تنتمي انتماء أصيلا إلى حقل دلالي موبوء و مزكوم بفيروس يمكن أن نسميه –تجوزا- بفيروس :(انفلوانزا الانحدار) !!..
و من المفارقات العجيبة أن تصدر إفرازات هذا الواقع السيئ عن مجتمع محافظ و مسالم و متدين ـ إلى وقت قريب - كمجتمعنا الموريتاني!! و أن تكون كل ثورات التطور و التغيير في العالم قد قامت على أكتاف المصلحين و الدعاة والأدباء و الفلاسفة و المثقفين باستثناء ثورتنا التي يراد لها أن تقوم على أكتاف الفوضويين و الملحدين المتطرفين و المشاغبين و أشباه المثقفين و دعاة التحرر و الانفتاح المزعوم..
صحيح أن ولاءنا للقيم و المثل و العادات التي ورثناها عن آبائنا و أجدادنا لا يمكن أن يكون ولاء مطلقا أعمى ، فنحن نعرف المقدس منها كما نعرف المدنس، و نعرف الثابت منها و المتحول، و نميز بين مواطن جمالها و مواطن قبحها،بين نقاط ضعفها و نقاط قوتها، و ندرك تمام الادراك ما يصلح منها لمسايرة العصر الجديد و ما لا يتماشى مع سنة التطور الطبيعي للكون و الأشياء..لكننا لن نسمح لأنفسنا و لا للآخرين بهدم و تدمير منظومة القيم و الأخلاق الرفيعة الناصعة التي نشأنا عليها بحجة التقدمية والعالمية و الانفتاح على العصر أو بحجة الدفاع عن حقوق الانسان و حرية التعبير و التفكير و الاعتقاد أو بحجة تحقيق العدالة و توزيع الثروة و غيرها من شعارات المرحلة..
كما لا نسمح بالانقضاض على ثوابتنا الدينية و العقدية و إلغائها بحجة أنها صارت قديمة و أن بعضها أو كلها وضع لتسيير أحوال الناس و شؤونهم في الأزمنة الغابرة و قد آن الأوان لاستبدالها و النكوص عنها باتجاه القيم الجديدة الوافدة التي تحطم الإنسان بحجة الدفاع عنه و تذل المرأة سعيا إلى رفعتها و تقزم دور الشرائح و الفئات الناظمة لحبل وحدة الأمة و انسجامها و تجانس و تآلف أفرادها بحجة السعي إلي نيل الحقوق المسلوبة .
إن أول شرط من شروط الثورة والتحول والتغيير هو أن تكون وراءها قضية عادلة تحمل في طياتها تصورا واضحا للمستقبل الآمن و في غياب مثل هذا التصور تصبح عملية الانقضاض على الموروث و التاريخ بصورة غوغائية مجانبة للصواب عملا من أعمال الهدم و التخريب...
لقد آن الأوان أن نضع حدا لهذا الانحدار الخطير..آن الأوان للوقوف بحزم و عزم و تصميم في وجه دعاة التفرقة و العنصرية البغيضة من كل الفئات و الشرائح..آن الأوان لمجابهة الملحدين المارقين و العصاة التائهين الفاسقين و الغلاة المتشددين المتزمتين و مقارعتهم بالحجة و الدليل الدامغ في الندوات و المحاضرات و اللقاءات على أثير الفضائيات و المحطات الإذاعية .. آن الأوان لاجتثاث جذور الجريمة و الشذوذ و التطرف و الغلو بالبحث عن الدوافع و الأسباب و السعي إلى تصور و وضع الحلول الناجعة النافعة..فلماذا لا نغتنم فرصة تواجد الشباب على شبكات التواصل الاجتماعي بشكل دائم يلامس حد الإدمان لتشكيل مجموعات لنقاش هذه القضايا و الدفاع عن الثوابت و القيم و محاربة التطرف و الإلحاد ؟؟ لماذا لا ينشئ السياسيون و رجال الأعمال قنوات فضائية ثقافية متخصصة في التربية و الإرشاد و التوعية ؟؟ و في المقابل لماذا لا توقف (الهابا) تلك المواقع و الصحف الالكترونية الهابطة التي تعمل على نشر الرذيلة و تروج للفتنة؟؟ أين أحزاب المعارضة و أحزاب الموالاة؟!! أين نواب البرلمان و أعضاء مجلس الشيوخ ؟ أين الشعراء و الأدباء و رجال الحقوق؟!! أما من مجيب نداء الاستغاثة الذي تطلقه قيم منهارة و أخلاق مداسة و كرامة مسلوبة؟!
أسفي عليك يا شعبا تكالبت عليه المصائب و النكبات و تناهبته سموم الحاقدين ، و حزني عليك يا أمة كنت خير أمة أخرجت للناس تأمرين بالمعروف و تنهين عن المنكر!! و تحولت بقدرة قادر ما بين عشية و ضحاها إلى أمة مريضة مسلولة مصابة بفيروس (انفلوانزا الانحدار) ترقد في غرفة العناية المركزة في مستشفى الأمراض الاجتماعية.