قطاع المعادن أحد أهم مرتكزات الإقتصاد الوطني وعموده الفقري حيث تشكل صادرات البلاد من الحديد 46% من الدخل القومي وصادرات الذهب والنحاس 11% (تقرير البنك الدولي + منظمة الشفافية الدولية).
يعاني هذا القطاع الذي يشكل شريان الحياة بالنسبة للدولة من فوضية وفساد كبيرين إنعكسا سلبا على أداء الإقتصاد الوطني سواء من حيث تقليص نسبة البطالة أو من حيث تقوية وتحسين البنية التحية الضرورية لجلب الإستثمارات أو تأمين مستوي معيشي لائق للسكان.
يتسائل الكثير من المهتمين عن مدى مساهمة هذا القطاع وإنعكاس مدخلاته على الإقتصاد الوطني وحياة الناس وهل يسهم هذا الجهد الإقتصادي الكبير في دعم عجلة التنمية فى البلاد، وبشكل أدق وأكثر وضوحا أين تذهب مليارات الدولارات التى يجنيها هذا القطاع؟
فى هذا التحقيق الذي يستند إلى وثائق ومعلومات معتمدة من مؤسسات مالية دولية ومنظمات مهتمة بهذا المجال، نسلط الضوء على أحد أكثر الملفات خطورة على مستقبل البلاد إنه الفساد داخل أهم قطاعات الدولة وأكثرها نفعا للإقتصاد الوطني (قطاع المعادن).
تقرير منظمة الشفافية الدولية EITI هو تقرير عالمي يهتم بالشفافية فيما يتعلق بمدخلات الأنشطة الإستغلالية للثروات الطبيعية للدولة مثل : النفط ، الغاز ، الحديد ، الذهب...
في الدول الموقعة على هذا الميثاق تكون الشركات مطالبة بالكشف عن المبالغ التى تقدمها إلى الحكومة ومن جهتها الحكومة ملزمة بالكشف عن المبالغ التى أستلمتها من هذه الشركات وتخضع هذه الكشوف للتحقق من قبل إداريين متخصصين ومستقلين (وهو الأمر الغائب في وضعيتنا).
تقوم المنظمة بإعداد تقاريرها بحضور ما يعرف ب: A Multi_Stakeholder_Group (MSG) وتشمل ممثلين عن الحكومة، وممثلين عن المجتمع المدني.
تفرض المنظمة تمثيل كافة الأطراف سالفة الذكر ووضعها في ظروف عمل خالية من أي ضغوطات، وقعت موريتانيا على هذه الإتفاقية فى سنة 2005 وحصلت على عضوية المنظمة في سنة 2007 .
من شروط الحصول على العضوية تقديم تقرير من هئيات مستقلة عن الشركات العاملة في قطاع الإستخراج، قدمت موريتانيا هذا التقرير من خلال مكتب يعرف ب CAC75 ومقره في باريس.
كشف تقرير المكتب المذكور أن تسع شركات رئيسية تعمل في مجال الإستخراج، أربعة منها في مجال المعادن و خمسة فى مجال النفط. (وأورد المعلومات التالية عن الشركات العاملة في قطاع المعادن):
الشركة الوطنية للصناعة والمناجم SNIM : تعود ملكيتها للدولة الموريتانية ، تقع مناجمها في الشمال الموريتاني ويتم شحن الحديد إلى موانئ أنواذيبو ومنها إلى الأسواق الدولية.
تصنف الشركة الثانية على المسنوى الإفريقي والخامسة عشر عالميا من حيث كمية الإنتاج (13 مليون طن سنويا) متفوقة على تركيا والنرويج وأستراليا وألمانيا.
تصل قيمة إنتاج الشركة 800 مليون دولار،و توظف 4500 موظف بشكل دائم و 2800 موظف بشكل مؤقت (إكتتاب جزئي).
الشركة الموريتانية للنحاس MCM: وهي شركة خصوصية تعمل في منطقة أكجوجت، توظف 1000 عامل وتنتج 32000 طن من النحاس، و 100,000 أوقية من الذهب _ (2.8 طن ذهب). ويبلغ دخلها السنوي 191 مليون دولار.
شركة تازيازت TASIAST MAURITANIA : تدير ثاني أكبر منجم للذهب 250 كلم شمال العاصمة انواكشوط تعمل من سنة 2007 ضمن أسوء إتفاقيات الإستغلال التى شهدها التاريخ حيث تصل نسبة الدول من هذه الاتفاقية 4% مع وجود الكثير من إشارات الاستفهام والغموض الذي يلف هذه الاتفاقية.
تنتج الشركة 140000 أوقية ذهب (4 طن سنويا) وتوظف 480 عاملا.
SPHER INVESTEMENT COMPANY : شركة خصوصية تعمل في مجال استغلال الحديد، وقد صلت مراحل متقدمة في البحث و شمل التنقيب منطقة: آسكاف ، كان من الموقع أن تنتج الشركة ما قيمته 8 مليون طن وتوظف 138 عاملا.
رغم النتائج الجيدة التى يحققها هذا القطاع ورغم المبالغ المالية الضخمة التى يجني، إلا أن مؤشرات التنمية الإقتصادية في الحضيض سواء تعلق الأمر بالتعليم، الصحة، البنية التحتية، معيشة السكان أو من حيث تخفيض معدلات البطالة .
مثلا: يقول 2014 BTI_ Mauritania وهو تقرير ألماني يشمل مؤشرات التنمية في أكثر من 172 دولة حول العالم ، أوضح التقرير أن موريتاينا تحتل المرتبة 161 من أصل 187 دولة في مؤشر التنمية البشرية ،ويعتبر التقرير أن 40.7% من السكان يعيشون في فقر مدقع، و47.7% يعيشون بأقل من دولارين يوميا.
مؤشر التصنيف الدولي في العدالة الاجتماعية Gini Index الذي يقيس مستوى توزيع الثروة يضع موريتانيا في أواخر الترتيب .
تخفي هذه الإحصائيات وراءها حقيقة مرة أن هذا البلد يعتبر الأقل كثافة سكانية والأضخم موارد طبيعة ويعتبر الأسوأ في حالته الاقتصادية والأفقر حتى مقارنة مع الدول التى لا تمتلك ربع ما يملك من الموارد الطبيعية (السنغال). البترول، المعادن، الصيد، تشكل هذه القطاعات الثلاثة 75% من مدخلات الدولة وتوفر 3% فقط من العمالة.
السؤال الذي يتبادر إلى الذهن هو أين تذهب هذه الثروة الضخمة لو أفترضنا جدلا غياب مدخلات الصيد البحري و االقروض والهبات الدولية، قروض البنك الدولي ، البنك الإسلامي للتنمية ، الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي، التعاون الألماني، التعاون الإسباني ، التعاون الياباني ...... أين تذهب هذه الأموال ؟
الفساد العميق:
تقرير (Investment Climate Statement 2014 ) سلط الضوء على بعض أوجه الفساد العميق المتجذر في قطاع المعادن الموريتاني، حيث اعتبر التقرير أن أهم معوقات تواجه موريتانيا في جلب الإستثمارات الخارجية هو الفساد الذي يعشعش في إداراتها، ضعف البنية التحتية ، قوانين الاستثمار وضعف المؤسسة القضائية، ضعف مهارات الكادر البشري، انتشار الرشوة.
وقدم التقرير قطاع المعادن كأحد القطاعات الأكثر فسادا في الدولة، حيث يشمل هذا الفساد الرشاوى للشركات مقابل رخص التنقيب، والتهرب الضريبي، حيث تدفع الشركات العاملة في مجال التنقيب رشاوىي كبيرة من أجل الحصول على امتيازات كبيرة كالإعفاء الضريبي والملاحقة القانونية حالة عدم الإلتزام بقوانين الدولة.
رغم أن تقديم أو استلام رشوة يعتبر جريمة يعاقب عليها القانون الموريتاني بالسجن من سنتين إلى عشر سنوات وغرامة قدرها 700 دولار إلا أن تطبيقات هذا القانون محدودة وتتم بشكل انتقائي حيث أن رؤوسا كبيرة في النظام متهمة بتسلم رشاوى وهو ما كشفت عنه وثائق أمريكية حديثة وصحف فرنسية.
كشوفات منظمة الشفافية 2010 – 2013 :
نشرت منظمة الشفافية الدولية كشوفات متعلقة بقطاع الإستخراج الموريتاني في الفترة ما بين 2010 حتى 2013 وتظهر الكشوفات المبالغ المالية الضخمة التى استلمت الحكومة الموريتانية:
سنة 2010 :
شملت عمليات الكشف شركات (نفط ، غاز، معادن) خضت 70 شركة للكشف، استلمت الحكومة الموريتانية 211 مليون دولار، بينما دفعت الشركات التى شملها الكشف 2015 مليون دولار.
سنة 2011 :
شملت عمليات الكشف شركات (نفط ، غاز ، معادن) خضعت 70 شركة للكشف، استلمت الحكومة الموريتانية 373 مليون دولار، بينما قدمت الشركات التى شملها الكشف 397 مليون دولار .
سنة 2012 :
شملت عمليات الكشف شركات (نفط ، غاز ، معادن ) ، خضعت 21 شركة للكشف، استلمت الحكومة الموريتانية 541 مليون دولار، بينما قدمت الشركات التى شملها الكشف 537 مليون دولار.
سنة 2013 :
شمل الكشف شركات (نفط ، غاز ، معادن)، خضعت 15 شركة للكشف، استلمت الحكومة الموريتانية 363 مليون دولار، بينما قدمت الشركات التى شمل الكشف 368 مليون دولار .
تلكم قصة من أفظع قصص النهب والتبديد والفساد تعرضت لها ثروات شعبنا، وانظروا حولكم لتعرفوا أنها لم تذهب في مصلحتكم بل ذهبت في الحسابات الخاصة للمفسدين المسيطرين على البلد، انظروا إلى التعليم، كم عندكم من جامعة وكيف يصنف تعليمكم، أنظروا المستشفيات المهترئة ذات الخدمات السيئة والتى يعزف غالبيتكم عن العلاج فيها، انظروا إلى العاصمة العائمة في الأوساخ ومياه المجاري، انظروا إلى ارتفاع أسعار المعيشة وانتشار البطالة و غياب السياسات التنموية في أريافكم ومدنكم .
تلكم حقيقة مرة يجب أن تواجهوها ويجب أن ترووها لأبنائكم، أنكم رغم فقركم وعوزكم ورغم حياتكم البائسة تعيشون على بحور من الثروة لكنكم بدلا من الدفاع عن حقكم و الإصرار عليه ..... آثرتم السكوت والخنوع ....
المصادر:
(EITI,)/ Mauritania Extractive Industries Transparency Initiative
2014 Investment Climate Statement, BUREAU OF ECONOMIC AND BUSINESS AFFAIRS June 2014
The Bertelsmann Stiftung's Transformation Index (BTI). Mauritania 2014
World Bank