العيد في موريتانيا.. بهجة وحبور وتكافل وتراحم "تقرير"

خميس, 2016/07/07 - 14:40

تصحو موريتانيا كغيرها من بلدان العالم الإسلامي صبيحة عيد الفطر المبارك على فرحة وسرور لا يكاد المراقب يميز أمستواهما أكبر لدى الصبية والشبان حيث يستبشرون بلبس الجديد وتلقي هداياهم ومنحهم التي تلتقي فيها العادة مع الشرع في ما تعارف المجتمع على تسميته ب"انجيونه"، أم لدى الكبار والشيب حين استطاعت سعادة العيد أن تطمس على حسرتهم لفراق شهر الصيام والقيام وقراءة القرآن ومضاعفة الأعمال: شهر رمضان المبارك.

تشرئب الأعناق مساء اليوم التاسع والعشرين من رمضان على سطوح الأبنية والروابي وما ارتفع من الأرض مراقبة للهلال علها تقول بسعادة رؤيته: "اللهم أهله علينا بالأمن واليمن والبركات.. "، لتتجهز بعد ذلك بما يلزم في يوم الزينة من البهجة والسرور والتظاهر بنعمة الله عبر إخراج فريضة زكوات "الفطر" والتوسيع على الأهل والبنين في الكسوة والرزق، حيث سيخرج الجميع نسوةً ورجالا وأطفالا إلى الساحات في المدن الكبرى ومشارف القرى والحواضر في ثيابهم الجديدة مشكلين لوحة تليق بالعيد المبارك، ومرددين التكبير والحمدَ لله رب العالمين، متبادلين فيما بينهم التهانئ والمباركات وعبارات التسامح والمودة والاستبشار.

بعد عودتهم من الصلاة، ينطلق الأبناء مع آبائهم لزيارة الأهلين والأقارب وكبار السن، لتسهر النسوة على تحضير موائد العيد الذي يمتاز في أغلب موريتانيا بذبح الكباش والأغنام بشكل عام، وتغطي وفرة اللحوم في أغلب بيوتات موريتانيا على خلو بيوت بعض المعسرين من فرث ودم ذبائح العيد لتجسد بذلك عادة الذبائح عند الموريتانيين مقصد الشرع في ترسيخ الوحدة والأخوة والتكافل وإدخال المودة والبهجة والسرور على كل البيوت المسلمة، ويعزز ذلك عدم رجوع الصبية والفتيان بخفي حنين في رحلات جمعهم لهداياهم "انچيونة" بل وإنها تصلهم عفوا من غير طلب ولا تسبب أحيانا كثيرة نتيجة لسجية الكرم المتجذرة في الشناقطة الموريتانيين والراسخة في عاداتهم وتقاليدهم التي استطاعوا أن يجعلوا من أغلبها شرعا انطلاقا من المقولة "العادة كالشرع ما لم تخالفه"، كما تواكب المحطات التلفزيونية والإذاعية العيد بفقرات ترفيهية متنوعة.

تُخلع الملابس جزئيا أو كليا في فترة المقيل يوم العيد لتفسح الكسوة المجال للبذخ في الموائد والمشروبات، ثم تعود في ساعات المساء حيث تعود مظاهر الفرح والملبس الحسن متصدرة المشهد وصانعة اللوحة المسائية الجميلة، حيث تخرج الجموع إلى مشارف المدن والقرى؛ مثنى وفرادى وجماعات وحشودا، لتستقبلهم الكثبان والروابي في ساعات المساء وكأنها قد تغيرت لتتكيف هي الأخرى مع المشهد، متجسدا، في العلاقة بين الزائر والمزور، القول السائر: "ما في نفسك ينبئك عن ما في نفس غيرك"، فيختار البعض جزاءً للإحسان بالإحسان قرع الطبول على طريقة الأسلاف في الاحتفاء بيوم "النهار الكبير" بينما تتعدد طرق الاحتفال في البقية بين تنظيم الزيارات داخل تجمعاتهم السكنية إلى الكبار ومتقدمي السن وعامة الضعاف، وبين السياحة في الفضاءات المفتوحة حتى تنقضي ساعات المساء كما هو الغالب اليوم في عصر يلبث فيه أغلب الناس بين أربعة جدران وبين الشوارع و الأزقة وفي الساحات للعب كرة القدم في أحسن الأحوال، هذا حسب متوسطي الأحوال والدخل من ساكنة المدن.

لا تنقضي أفراح العيد ولا بهجته ولا يستشعر تعب الخرجات والجولات غير المتعودة في بقية أيام السنة إلا لما يطبق الليل ويسدل الظلام أستاره ويلقي بقبضته على مظاهر الفرح والبهجة لتترجم مظاهر الفرح والتسامح والبذل والعطاء والأخوة: لبسا للجديد وتوسيعا على الأهل وهدايا وصلاة وقرعا للطبول وسياحة وتأملا في جميل صنع الله وتمتعا به، في نوم الجميع في هدأة الليل هادئين لا يحمل بعضهم على بعض غلا ولا يخافون في تكريسهم للسعة والأخوة المطلوبة عادةً المُقَرة شرعا لومة لائم.