أودع حزب الجمهوريين في فرنسا، الذي يرأسه الرئيس السابق نيكولا ساركوزي، مقترح قانون بالجمعية الوطنية الفرنسية (البرلمان) يقضي بحظر أي تمويل للمساجد من خارج فرنسا، كما يمنع استقدام أئمة من خارج البلاد، المعمول به حاليا بالمساجد المنتشرة بالتراب الفرنسي.
مقترح القانون أودع باسم النائب عن حزب الجمهوريين، غيوم لاريفي، وكشفت عنه نشرية للجمعية الوطنية الفرنسية، الثلاثاء، ويعني مقترح القانون بصفة مباشرة الجزائر والمغرب وتركيا، باعتبار أن حكومات هذه الدول ترسل تمويلات كبيرة للمساجد بفرنسا.
ومن شأن مقترح القانون المذكور أن يثير جدلا واسعا بفرنسا كما الجزائر والمغرب وتركيا. وتأتي هذه الخطوة الجديدة من اليمين الفرنسي لتشديد الخناق على المسلمين بمسمى محاربة التطرف، كما يضع هذا المقترح الجمعية الوطنية الفرنسية في حرج شديد بين أن تؤيده فتثير غضب الجالية المسلمة أو ترفضه فتواجه حملة انتقادات واسعة من طرف تيار اليمين المتجذر بالمجتمع الفرنسي.
وسيكون مقترح قانون حظر التمويل الخارجي للمساجد بفرنسا ومنع استقدام أئمة (أجانب) ثاني ملف سيثير الجدل بعد ملف "البوركيني" الذي أثار بدوره موجة صراع لافتة بين الجالية المسلمة والحكومة الفرنسية قبل أن تتخذ سلطات البلد قرارا بالسماح به.
وتعتمد المساجد بفرنسا بنسبة كبيرة على التمويل الخارجي الآتي من الجزائر والمغرب وتركيا، وتطرح تساؤلات حول ما ستكون عليه المساجد في حال منع هذا التمويل، وهل ستعوض الحكومة الفرنسية غياب التمويل الخارجي بمخصصات سنوية في موازناتها المالية.
وأورد مقترح القانون الذي تم تسجيله بالجمعية الفرنسية بتاريخ 31 آب/ أغسطس الماضي، "ضرورة التطبيق الصارم لقيم العلمانية الفرنسية واحترام سيادة الدولة على أراضيها، بمنع أي ترتيبات مع القوى الأجنبية لتنشيط الديانة الإسلامية داخل التراب الفرنسي".
ويرى النائب صاحب المقترح، غيوم لاريفي، أن كلا من الجزائر وتركيا والمغرب تمارس نشاطا دينيا يهدد فرنسا، وأفاد مبررا مقترح هذا القانون: "لقد سلمنا لبعض الدول مهمة تنشيط وتطوير وتمويل الديانة الإسلامية في فرنسا، وهذه الدول هي في عمومها الجزائر والمغرب وتركيا". وأضاف أن دولا أخرى لها تأثير غير مباشر على المسلمين في فرنسا، مثل السعودية التي لديها برنامج استثمارات لبناء المساجد.
وتمول الجزائر مساجد فرنسا بما قيمته 4 ملايين أورو سنويا، وتمنح سنويا لمسجد باريس مليوني أورو. أما بخصوص الأئمة، فتأتي الجزائر في المرتبة الثانية من حيث عدد المرسلين إلى فرنسا بـ120 إماما، بعد تركيا التي تعد 151 إماما ينشطون في المساجد الفرنسية، وأخيرا المغرب بـ30 إماما. وبالتالي فإن مجموع الأئمة يصل إلى 301 موزعين على 2500 مكان للعبادة للمسلمين في فرنسا.
وضاعفت السلطات الفرنسية تحقيقاتها بشأن سير المساجد في فرنسا، وقال تقرير أعدته لجنة تابعة لمجلس الشيوخ الفرنسي، مؤخرا، حول تنظيم ومكانة وتمويل الإسلام في فرنسا وأماكن العبادة الخاصة به، إن الجزائر والمغرب يتنافسان على التمويل وبالتالي تكوين الأئمة في الداخل أيضا.
وتطغى الهواجس الأمنية، على عدة تدابير "أمنية وقائية" أقرتها الحكومة الفرنسية إثر توالي الهجمات الإرهابية. وانتشرت ظاهرة الإسلاموفوبيا بشكل خطير بهذا البلد بسبب التطرف، لكن هناك من يرى أن الحكومة الفرنسية تغذي الإسلاموفوبيا بمثل هذه القرارات التي تثير ردات فعل عنيفة أحيانا.
لكن اللافت أن أغلب الاعتداءات الإرهابية المرتكبة بفرنسا قام بها أشخاص نشؤوا في أحضان المجتمع الفرنسي. وتلاحق الأجهزة الأمنية الفرنسية من تسميهم أصحاب "الأفكار المتطرفة"، علما أنه يوجد ما بين 550 إلى 600 مقاتل فرنسي في صفوف تنظيم الدولة بسوريا والعراق وليبيا، باعتراف الحكومة الفرنسية، وهو رقم أكبر بكثير من عدد الجزائريين مثلا، والذي لا يتجاوز 65 مقاتلا.