موريتانيا في عصر الانقلابات.. ذكريات وملاحظات

اثنين, 2017/07/10 - 21:30

 يمثل العاشر من يوليو بالنسبة لموريتانيا _عسكرا ومدنيين ومثقفين _ منعرجا كبيرا وانتقالا جذريا من مرحلة إلى مرحلة، ومن حقائق إلى أخرى، كما يذكر من عايشوا ذلك المنعطف المفصلي في تاريخ موريتانيا طرائف عاشوها على ذكر عهد طوبل من المرارة يمتد من 10 يوليو 1978 إلى 10 يوليو 2017.. أربعة عقود إلا عاما.

ففي ظرف لا يكاد يمر دون مقارنة صعبة بين عهد اعتزال البزة العسكرية للسياسة وعهد لهوثها تحتها وتحت الحكم، لدرجة أنها لا تكاد تمنح المدني فرصة صغيرة لتسيير شأنه إلا وعادت لتنقض على ذلك البصيص قبل أن يستعيد الوطن المنهك شيئا من عافيته ويتنفس الصعداء قليلا بعودة أقدام العسكر الثقيلة إلى ثكناتها، في هذا الظرف يخرج إلينا المدون والأديب لمرابط ولد دياه ناقلا عن محمد الحافظ ولد أحمدو موقفا يلطف الأجواء ويخفف وطأة الحزن الذي يصاحب العاشر من يوليو.

العدد الذي لم يقرأ من جريدة الشعب

يقول ولد دياه ناقلا عن شريكه في صفة الأديب بمناسبة ذكرى العاشر من يوليو: "يروي الشاعر والصحفي محمد الحافظ ولد أحمدو حكاية طريفة وهي أنه في ليلة 10يوليو استنابه الشيخ الخليل النحوي على الإشراف على الجريدة فكان بمثابة المدير غير أن خطأ فادحا في الإخراج ظهر بعد توزيع الجريدة وبطبيعة موقعه تلك الليلة فهو المسؤول الأول وشق عليه ذلك.

والخطأ عبارة  عن تبادل صورتي الرئيس المرحوم المختار ولد داده والسيدة الاولى مريم داداه حيث كانت صورتها على نشاط للرئيس وتحتها اسمه وصورته على مقال لها هي مع تباين الاسمين والصورتين فبات بقية الليلة يفكر فيما سيؤول إليه الأمر وكيف ينجو من تبعاته فلما أصبح ذهب إلى حيث يسكن مع أهل الرباني فلما كان غربي الإذاعة إذا بالدبابات فسأل عن الأمر فقيل له إنه انقلاب. يقول عندما ينتهي من رواية القصة(ذاك العدد ما فات اكراه حد إل ظرك).

نسب النجاح ما قبل أقدام العسكري

يقارن المدون الشيخ إبراهيم ابوه في ذكرى العاشر من يوليو بين نسب النجاح في العام الدراسي قبل الأخير في جمهورية موريتانيا الجديدة ما بعد العاشر من يوليو والتي لم تتجاوز 8% وبين نسب النجاح في دول الجوار كالسنغال التي بلغت نسبة النجاح فيها في ذات العام (2016) 36% والمغرب التي وصلت 49% والجزائر التي حافظت على ذات النسبة 49% وتونس التي نزلت فيها قليلا إلى 45%.

ويتابع ولد ابوه بنبرة الحزين لما وصلت إليه نسبة النجاح في اختبارات نجاح التعليم الحقيقية (الامتحانات الوطنية) غير واجد بدا من أن يعلق هذا الفشل على قدم العسكري، وذلك بقوله: "عهدنا بهذه النسب كان قبل انقلاب الجيش على السلطة في مثل هذا اليوم من سنة 1978 ثم توالت سنوات من الغدر مشؤومة أوصلتنا لهذا الواقع الأليم".

الذكرى من زاويتين مختلفتين

يرى الصحفي الموريتاني أبي زيدان في العاشر من يوليو أنه "ذكري جميلة سرق البدو رونقها وأضاعوا رمزيتها،فتحولت مع كل تمفصل لهم في مفاصل الدولة ومنابر الشأن العام الي ذكري للتيه والضياع تماما كما حصل معهم في الصحراء منذ قرون".

ويأتي المدون الموريتاني المعروف محمد الأمين ولد سيد مولود ليعلق بكل اختصار على الذكرى بكل أبعادها وأسبابها ونتائجها بقوله في تدوينة مقتضبة: "العاشر_يوليو ذكرى بداية التيه!".

يلتقي الاثنان مهما كانت وجهات نظرهما مختلفة أو متفقة في أن النتيجة النهائية لفاتحة الانقلابات في تاريخ موريتانيا هي "التيه"، مما يعني أن كل الطرق تؤدي إلى سلبية الأحكام العسكرية مهما اكتست من جلابيب المدنية والعملية الديموقراطية، ودبج لها من المديح أو كيل لها من الشتائم، فالعسكري فيما بعد 1978 موضوع في المكان غير المناسب وعائق ينفي التنمية والاستقرار كما يتنافيان والتيه.

القضاء على مشروع الوطن الموريتاني

يرى المدون والإعلامي أحمدو الوديعة في مثل هذ اليوم قبل تسع وثلاثين سنة أنه كان يوم وضع "اللبنات الأولى لحكم العسكر في موريتانيا"، مضيفا أنه "تم القضاء عمليا على مشروع الوطن الموريتاتي لتحل محله مشاريع متنافرة تسير على نهج أهل النار كلما امتطى عسكري دبابة لعن سابقيه وشرع يجرب بنات أفكاره في شعبنا المقهور".

ويخلص الوديعة من استنتاجه بشأن الذكرى إلى أن "العاشر من يوليو يوم حزين في موريتاتيا التي تعاني اﻵن من حكم جيل من أجيال العاشر من يوليو ليس الأكثر نجابة لكنه الأكثر تعبيرا عن عدم صلاحية العسكر للحكم".

ويأتي على رأي الإعلامي الوديعة كما يقع الحافر على الحافر، رأي المدون أحمد عبداوه في تدوينة له قال فيها إنه "في مثل هذا اليوم من سنة 1978 اختار قادة جيشنا الجلوس تحت المكيفات ونهب المال العام".

زاوية مكملة للمشهد

وفي ظرف هكذا يحتاج فيه القارئ إلى ما يذر في عينه بعض الأمل رغم البؤس الملاحظ بكثرة، يكون لتدوينة المدون المصطفى اباه محمد المختار ‏وظيفة مهمة في عكس الصورة الكاملة لذكرى العاشر من يوليو، حيث تدور التدوينة حول نكتة جادت بها باكولوريا_2017.

يقول المدون: "على ذكر اعلان نتائج الباكولوريا حدث استاذ أنه كان ضمن الأساتذه الذين يعلنون عن النتائج في مكبرات الصوت بثانوية البنين قديما، وفي خضم الاعلان نادى برقم كان صاحبه يقف على حائط الثانوية وما ان سمع رقمه حتى قفز من الحائط وصرخ ملأ فاه " عٙلْه يحْرٙگ بيْ بيكْ " تفاجئ الاستاذ من ردة الفعل واعاد الرقم مرة أخرى وأعاد الطالب المصدوم من الفرحة نفس القضية مرة أخرى "عٙله يٙحرگْ بيْ بيّكْ " فأعاد الأستاذ النداء بالرقم للمرة الثالثه فصرخ الفتى ملأ فاه أن " ظهر الحق ... ظهر الحق " وانطلق يسابق الريح !".

ففي وضع ﺗﺘﺠﻪ ﺃﺳﺎﻟﻴﺐ ﺍﻟﺘﻌﻠﻴﻢ إﻟﻰ أﻥ ﺗﻜﻮﻥ ﺍﻷﺳﺌﻠﺔ ﻭﺍﺿﺤﺔ _وفق عبد الرحمن ودادي_  ﺗﺘﻴﺢ ﻟﻜﻞ ﻣﻦ ﺑﺬﻝ ﺟﻬﺪﺍ ﻭ ﻭﻗﺘﺎ ﻛﺎﻓﻴﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﺘﻤﻜﻦ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﺠﺎﺡ ﺑﻴﺴﺮ ﻭ ﺳﻬﻮﻟﺔ.. "ﺍﻟﻐﺮﻳﺐ ﺍﻥ ﺍﻣﺘﺤﺎﻧﺎﺕ ﺟﺎﻣﻌﺎﺕ ﻫﺎﺭﻓﺮﺩ ﻭﻛﺎﻣﺒﺮﺩﺝ ﻟﻠﻤﺘﺨﺼﺼﻴﻦ ﻓﻲ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﺃﻛﺜﺮ ﻭﺿﻮﺣﺎ ﻭ ﻣﺒﺎﺷﺮﺓ ﻣﻦ ﺍﺳﺌﻠﺔ ﻃﻼﺏ ﻓﻲ ﻣﺮﺣﻠﺔ ﺍﻟﺒﺎﻛﺎﻟﻮﺭﻳﺎ ﺑﻤﺪﺍﺭﺳﻨﺎ. ﺃﺳﺌﻠﺔ ﺍﻟﺒﻜﺎﻟﻮﺭﻳﺎ ﺍﻟﻤﻮﺭﻳﺘﺎﻧﻴﺔ ﻓﻲ ﻋﻤﻮﻣﻬﺎ ﺗﻌﺘﻤﺪ ﻋﻠﻰ ﺃﺳﺎﻟﻴﺐ ﺍﻷﻟﻐﺎﺯ ﻭﺍﻟﺘﻌﺠﻴﺰ، ﻭﺍﻟﻬﺪﻑ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﻲ ﻣﻨﻬﺎ ﺇﻗﺼﺎﺀ ﺍﻟﻌﺪﺩ ﺍﻷﻛﺒﺮ ﻣﻦ ﺍﻟﻄﻠﺒﺔ، ﻟﺴﺒﺐ ﺑﺴﻴﻂ ﻭﻭﺍﺿﺢ ﻭﻫﻮ ﻋﺠﺰ ﺣﻜﺎﻡ ﺍﻟﺒﻼﺩ ﻋﻦ ﺗﻮﻓﻴﺮ ﺍﻟﻌﺪﺩ ﺍﻟﻜﺎﻓﻲ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻘﺎﻋﺪ ﻓﻲ ﺍﻟﺠﺎﻣﻌﺎﺕ ﻭ ﻣﺆﺳﺴﺎﺕ ﺍﻟﺘﻌﻠﻴﻢ ﺍﻟﻌﺎﻟﻲ ﻓﻲ ﺣﺎﻝ ﺑﻠﻐﺖ ﻧﺴﺒﺔ ﺍﻟﻨﺎﺟﺤﻴﻦ ﺍﻟﻤﻌﺪﻝ ﺍﻟﻄﺒﻴﻌﻲ ﺍﻟﻌﺎﻟﻤﻲ، ﻟﺘﻘﻮﻡ ﺍﻟﻤﻨﻈﻮﻣﺔ ﺍﻟﺘﻌﻠﻴﻤﺔ ﺑﻄﺮﻳﻘﺔ ﺧﺒﻴﺜﺔ ﺑﺘﺤﻮﻳﻞ ﺍﻟﻤﺴﺆﻭﻟﻴﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﺤﺎﻛﻢ ﺍﻟﻔﺎﺳﺪ ﺍﻟﻰ ﺍﻟﻄﺎﻟﺐ ﻭﺇﻗﻨﺎﻋﻪ ﺑﻔﺸﻠﻪ ﻭﻏﺒﺎﺋﻪ".

وهكذا تكتمل صورة المشهد، بلد تائه في ظل حكم وصفه مثقفوه بأن كل ما فيه هو أن عسكريا تغلب _ كما في تدوينة محمد الأغظف الساخرة: "في مثل هذا اليوم عام 1978 أزاحتْ المقاومة الوطنية الرئيس المختار ولد داداه عن كرسي الحكم، واستعادت السيطرة على موريتانيا بعد أن خاظت عام 1934 ابغايتها اشوي ء راجعه"_ فاختار أن ينهب المال العام تحت المكيفات، وتعليم فاشل بنسبة تفوق 90% انطلاقا من نتائج باكلوريا 2016، ناجح بنسبة 0% مقارنة بنتائج العلوم في عشرات الثانويات بالعاصمة وفي الداخل، يخطئ فيه الناجح من شدة الفرح.