
قال رئيس حزب التجمع الوطني للاصلاح والتنمية تواصل الدكتور محمد محمود ولد سيدى إن الانتخابات التي شهدتها موريتانيا 2019 كانت الأسوأ في تاريخها السياسي.
وأضاف ولد سيدى خلال خطاب له في افتتاح دورة عادية لمجلس الشوري إن اللجنة المستقلة للانتخابات اصبحت لحزب واحد وأن البطاقة الانتخلبية اصبحت صناعة عسكرية .
وقال ولد سيدى إن الحزب يمر بلحظة بالغة الأهمية في تاريخ البلد، والمنطقة والأمة من اجل تدارس واقع مشروعنا وبلدنا وأمتنا والعالم من حولنا.
وقال ولد سيدى إن رهان القيادة التنفيذية للحزب خلال المرحلة الماضية كان وفق توصيات وتوجيهات مجلس الشوري والذي حض على تعزيز وحدة المعارضة والدفع باتجاه التغيير الديمقراطي، وهو ما بذل فيه المكتب التنفيذي وكل الهيئات الحزبية المركزية والقاعدية جهودا استثنائية، نعتقد بكل تواضع أنه كان لها دور رائد في السعي أولا لإيجاد مرشح موحد للمعارضة وتقديم التنازلات الضرورية من أجل ذلك.
نص للخطاب
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين
الحمد لله الذي بنعمته وجلاله تتم الصالحات.
اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك.
التقرير السياسي
السيد رئيس مجلس الشورى الوطني،
السادة نواب رئيس المجلس وأعضاء مكتبه،
السيد زعيم المعارضة الديمقراطية
إخواننا.. أخواتنا أعضاء المجلس الموقرين
قادة الحزب ومناضليه.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ومرحبا بكم من جديد في هذه الدورة الثانية المباركة خلال هذه المرحلة، والتي نسأل الله سبحانه وتعالى في مستهلها أن يلهمنا رشدنا، نبرأ إليه من حولنا ومن قوتنا ونعتصم بحوله وقوته، نحمده على ما وفق له من إنجاز ونستغفره عن ما كان من نقص وتقصير.
نجتمع اليوم في لحظة بالغة الأهمية في تاريخ البلد، والمنطقة والأمة لنتدارس واقع مشروعنا وبلدنا وأمتنا والعالم من حولنا؛ نراجع الخطط التي رسمنا لنرى مؤشرات الانجاز فيها، ونستمع لتقارير عن التطورات السياسية الهامة وأداء حزبنا وشركائنا في الصف المعارض خلالها، ونحلل معا تطورات الواقع، ونستشرف تحولات المستقبل لنوجه بما نراه أفضل السبل لخدمة البلد وديمقراطيته وتنميته وتحقيق العدل فيه.
إن فهما صحيحا للواقع ـ أي واقع ـ لا يتأتى بدون استحضار متكامل الأبعاد للسياق المحيط في عناوينه الإقليمية والدولية وبكل تأكيد الوطنية والمحلية.
فقد كانت الأشهر القليلة الماضية حافلة بالتحولات والتطورات التي يجدر بهيئتنا الموقرة استحضار عناوينها الرئيسة
ففي الجنوب تواصل دول الجوار الإفريقي تراكم المكتسبات الديمقراطية حيث أصبح التناوب الديمقراطي سنة مستقرة، وأمرا مفروغا منه فأغلب هذه البلدان يقودها الآن زعماء تاريخيون للمعارضة أو شخصيات قادمة من رحم المعارضة "ساحل العاج، غينيا كوناكري، غامبيا، مالي، السنغال ..."، كما تحقق هذه البلدان مؤشرات نمو اقتصادي جيدة في عمومها، وإن كان بعضها ـ مع الأسف ـ يواجه إشكالات مزمنة ذات تأثير على تنميته ووحدته واستقراه كما هو الحال في جمهورية مالي الشقيقة التي عرفت خلال الأشهر الأخيرة أحداثا دموية مؤسفة كان من أبرز ضحاياها مكون الفلان، وهي أحداث لم تنل ما تستحق من إدانة على المستوى الدولي.
ولعل من أجمل ما يميز تطورات دول الجوار الإفريقي هو ما استقر في هذه البلدان من قوة المؤسسات الدستورية والمدنية، وهو ما أعطى هذه البلدان ـ في عمومها ـ قدرة على تجاوز ما يتم من إشكالات فحين توجد مؤسسات دستورية ومدنية لا مطعن فيها تهون الإشكالات ويسهل تجاوز الاختلالات.
وفي الشمال تعرف البلدان المغاربية هي الأخرى تطورات يرجى أن تكون نهاياتها تعزيزا لأجواء الانتقال الديمقراطي والشراكة بين الفاعلين السياسيين.
ففي الجزائر يدخل الحراك الشعبي السلمي المدني شهره السادس محققا منجزات مطردة على طريق تحقيق انتقال ديمقراطي توافقي، وهو ما سيكون له بالغ الأثر ليس على مستوى الجزائر فقط وإنما على مستوى المنطقة والقارة والأمة؛ فالجزائر ظلت عبر تاريخها دولة رائدة وذات إشعاع ولعلنا هنا نتذكر بفخر الثورة الجزائرية وكم ألهمت من شعوب وتركت من تأثير في مستقبل التحرر.
وفي ليبيا التي تعاني من محاولات الثورة المضادة الانقضاض على مكتسبات الشعب الليبي تابعنا صمود الليبيين ودفاعهم عن عاصمتهم وإفشالهم للمخططات الشريرة المدعومة من القوى التي لا تريد لهذه الأمة أن تتحرر من قبضة الاستبداد ونير التخلف.
وفي تونس والمغرب تتعزز تجارب الشراكة في الحكم بين القوى الوطنية ذات المرجعيات الفكرية المتنوعة، مكرسة تجربة بالغة الأهمية في قدرة المدارس الفكرية في الأمة على إعلاء المشترك، وتقديم التنازلات المتبادلة لتأسيس نظم حكم ديمقراطية تسع الجميع.
وعلى مستوى القضية المركزية للأمة قضية فلسطين يواصل شعبنا العظيم في الأرض المباركة صموده برغم الخذلان من أغلب الأنظمة الحاكمة على مستوى الأمة، وخلال كل محاولات الصهاينة جس نبض المقاومة أثبت المجاهدون أنهم على مستوى أمل الأمة، فارضين بذلك معادلة جديدة بات الصهاينة يحسبون لها ألف حساب.
إخواننا... أخواتنا
بعد هذا التقديم الموجز عن السياق الخارجي، ندلف إلى وضعنا الداخلي.
لقد كانت السنون العشر الخوالي عبئا ثقيلا على الموريتانيين، وما كادت تنتهي حتى ساد الفقر وشاع الذعر وغابت الثقة بين الحاكم والمحكوم، وتراجعت القيم السياسية لتختزل في التزلف والتطرف، وضاق الأمل في التغيير إلى أبعد الحدود، وفقدت الروح المعنوية لدى كثير من الساسة حتى رضوا من الغنيمة بالإياب ..
في ظل هذه الوقائع كان سقف الطموح السياسي لدى كثير من الموريتانيين هو التخلص من رأس النظام وعدم فتح الباب له لمأمورية ثالثة ولا يبالون كثيرا ببقية التفاصيل ..
وهكذا جاءت انتخابات 2019 غير محضرة فقد كانت مسبوقة بأخرى نيابية وبلدية شغلت الناس وظل المشهد غائما إلى آخر لحظة فيما يتعلق بنية الرئيس مغادرة السلطة؛ فعلى خلاف الرئاسيات السابقة التي يظهر مرشحوها بفترة كافية قبل الاقتراع وتتم الاستعدادات لها سنة أو سنوات، كاد الموعد الرئاسي الأخير يحل والناس حيارى أمام التباس المشهد وخلو الملعب من لاعبين جدد.
في هذا الجو نظمت انتخابات 2019 لتكون الانتخابات الأسوأ في تاريخ البلد من حيث ضمانات الشفافية، فقد تحولت اللجنة من الاستقلال إلى الحزبية ومن الاشتراك إلى انفراد الطيف المؤيد لمرشح النظام بها، وغدت بطاقة التصويت منتجا "حكوميا" بصفقة مشبوهة، وغاب المراقبون الدوليون، أما تدخل الدولة فحدث ولا حرج ..
رغم هذا الواقع أصرت القوى السياسية على دخول المعترك الرئاسي، وواجهت جل التحديات لتنتزع منه وفق النتائج المعلنة التي تشوبها الكثير من الشوائب رقما صعباً (حوالي 48 % من عموم التصويت الرئاسي)، إلا أن قراءة أدق للنتائج تعطينا معنى سياسيا ذا بال بالنسبة للمعارضة فقد هزم النظام هزيمة شنعاء في العاصمتين السياسية والاقتصادية وفي كثير من المدن، ولم يتقدم مرشح النظام على المعارضة إلا في خمس ولايات ..
كما أبانت الانتخابات عن عجز النظام عن توفير حلول لمشاكل الطبقات الهشة الفقيرة رغم ما يدعيه من اهتمام بالفقراء، كما أبانت عن عجزه الفادح عن حل المشكلات المرتبطة بالوحدة الوطنية والتنوع الوطني.
أما بالنسبة لحزبنا فرغم أنه كان داعما وليس مُرَشِحا، فقد حافظ على مكانته المتقدمة في الساحة الوطنية، محققا تقدما ملحوظا على آخر ترتيب حققه في آخر انتخابات رئاسية شاركنا فيها (الترتيب الخامس) حيث حل المرشح المدعوم من الحزب ثالثا بفارق يسير عن الثاني.
وعلى صعيد العلاقات السياسية فقد كانت الانتخابات مناسبة لعلاقات جديدة مع شخصيات وقوى وطنية هامة على رأسها المرشح الرئيس سيد محمد ولد بوبكر، كما كانت فرصة لتوسيع قواعد الحزب بانضمامات جماهيرية ونوعية كثيرة ...
كما حافظ الحزب على علاقاته السابقة مع مختلف مكونات المعارضة، علاوة على المرشحين والقوى الداعمة لهم.
إخواننا.. أخواتنا ..
بغض النظر عن الظروف التي جرت فيها الانتخابات والنتائج التي أسفرت عنها فقد حقق البلد إنجازا مُهِما بتحصين المواد الدستورية الحامية للتناوب على السلطة، ففشلت محاولات الانقلاب الثاني على الدستور وإعطاء مأمورية ثالثة للرئيس، وهو انجاز تستحق كل القوى الوطنية وفي صدارتها قوى المعارضة وتواصل في مقدمتها تحية خاصة بمناسبته فقد كان لنضالاتها الدؤوبة ورفضها الصارم لكل محاولات كسر أقفال الدستور الدور الأهم في تحصين الدستور، وحماية مكسب التناوب.
وهكذا فإن البلد يمر بمرحلة من تاريخه السياسي لم تتضح معالمها بعد حيث؛
1) التباس في معسكر النظام بين مؤشرات استمرار النهج، وما يتمناه البعض من تحول وفتح صفحة جديدة.
2) صعود قوى سياسية جديدة، وتراجع تأثير بعض القوى الأخرى
3) محافظة بعض القوى الأخرى على موقعها ودورها
4) إعادة تشكل للساحة موالاة ومعارضة
5) ميلاد أحزاب سياسية ودخول فاعلين جدد
6) دواعي التأزم الداخلي والخارجي (الإقليمي)
7) اشتداد الوطأة الاقتصادية.
أيها الإخوة والأخوات
لقد كان رهان القيادة التنفيذية للحزب خلال المرحلة الماضية وفق توصيات وتوجيهات هيئتكم الموقرة على تعزيز وحدة المعارضة والدفع باتجاه التغيير الديمقراطي، وهو ما بذل فيه المكتب التنفيذي وكل الهيئات الحزبية المركزية والقاعدية جهودا استثنائية، نعتقد بكل تواضع أنه كان لها دور رائد في السعي أولا لإيجاد مرشح موحد للمعارضة وتقديم التنازلات الضرورية من أجل ذلك.
وحين تعذر ذلك وقع الاختيار بعد مفاوضات أخذت ما تستحق من نقاش وتداول على مستوى الهيئات على دعم مرشح التغيير المدني الرئيس سيدي محمد ولد بوبكر، وهو اختيار تدل تقارير الحملات وتقويماتها المنجزة من الهيئات المختصة وكذا شهادات وتقديرات المتابعين أنه كان موفقا ومثل خدمة جلية للوطن الموريتاني وللعملية الديمقراطية، وهذه منا سبة استأذنكم فيها ـ بعد حمد الله الذي لا نحصي ثناء عليه ـ أن أشكر مرشحنا الرئيس سيد محمد ولد بوبكر على أخلاق الشراكة الرفيعة التي طبعت وتطبع علاقته بنا، وكذا على ثقته التي ظل يعبر عنها في تواصل، هيئات ومناضلين ومناضلات، كما أشكر باسمكم مرشحي المعارضة وأحزابها على ما قدموا من تضحيات ونضال كان له الدور الأبرز فيما تابعنا خلال الحملة من التفاف واسع للشعب الموريتاني بكل مكوناته حول خط المعارضة وخطابها.
السيد رئيس المجلس
السيد زعيم المعارضة
الأخوة والأخوات.
تدركون ويدرك الكل حجم الأزمة متعددة الأبعاد التي يوجد فيها البلد في ختام عشرية قاتمة، سادت فيها الارتجالية، وعم الفساد، وتكرر الإضرار بالوحدة الوطنية، والتعدي على الحريات الفردية والجماعية، منعا لترخيص بعض الأحزاب والجمعيات وحظرا تعسفيا لجمعيات ومراكز ومؤسسات أهليه رائدة في نشر العلم والخير والمحبة والألفة.
وقد زاد من عمق هذه الأزمة إصرار النظام على إدارة العملية الانتخابية بأحادية سبق بسط محطاتها والتذكير بأهم نتائجها، وأمام هذه الوضعية التي يتحمل النظام كامل المسؤولية عن تفاقهما، وفي ظل ما تنذر به من مخاطر لا يتحملها البلد، ولا يستحقها أهله المتطلعون للتغيير يكون من الواجب دعوة جميع القوى السياسية الوطنية إلى تحمل مسؤلياتها كاملة، في مواجهة هذه الأزمة ومخاطرها، من خلال تهيئة الأجواء لحوار وطني شامل لا يقصى أحدا، ولا يستثني مجالا من مجالات الأزمة وعناوينها السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية والأخلاقية والتربوية، فوحده حوار بهذه الروح، وهذه الرؤية يستطيع أن ينقل بلدنا من حال إلى حال؛ من حال الأحادية إلى حال الشراكة والمؤسسية، من حال الفرقة والتشرذم إلى حال الوحدة والألفة، ومن حال الذيلية في تقارير التنمية إلى حال النهوض، ومن حال الفساد وفقدان الثقة في مؤسسات الدولة إلى حال الحكامة الرشيدة ودولة القانون، بإيجاز من حال نظام الاستثناء إلى النظام الديمقراطي العادل.
أظن أنني لا أفتات عليكم إن قلت في مفتتح دورتكم المباركة هذه إننا في تواصل، إنكم في مجلس الشورى الوطني لتواصل ترون هذا الحوار ضروريا بل وتدعون له... أليس كذلك..؟
والله أكبر ولله الحمد.