
الكتاب يقرأ من عنوانه ، كما يقال،وعلى ضوء ذلك أعتبر أن أي عنوان،لا يناسب متنه،هو مثل رأس حط على جسد غير جسده.
ومن هنا كثيرا ما أعتمد آلية للقراءة أسميها:"جدل المتن و العنوان"، أقيس بها مدى مصداقية العنوان، حسب تجليات بنيته في نسيج المتن، وهكذا عندما أرجعت البصر كرتين في عنوان قصيدة "إيقاع غجري"للشاعر الدكتور: خالد عبد الودود لاحظت أن عنوانها يؤسس للعبة الأضداد، التي تمثل البنية العميقة لنواميس الكون،، حيث يحيل "الإيقاع" على الانتظام والاتساق،ويحيل "الغجر" على الفوضى والتشتت، وبتركيب العنصرين يلتحم الضدان التحام تفاعل خلاق، ليكون هناك إيقاع متسق فعلا، لكنه اتساق غجري يجد انسجامه في فوضاه، والعكس صحيح.
وبعد تأسيس هذه العتبة الأولى، ذهبت ألتمس تجليات بنية العنوان في بنية المتن،اختبارا لمدى الجدل بينها،فوجدت البنية الضدية ذاتها- في المقطع الأول- من خلال ثنائية: الغجر- طارق بين زياد،بكل ما تكتنزه هذه الثنائية من إحالة - طافحة بالمفارقة- على ما يعيشه أحفاد طارق بن زياد، الذي فتح باب أوربا للإسلام وحضارته، واصلا ضفتي مجمع البحرين،بعد حرقه للسفن استبسالا، وإصرارا على النصر المبين، بينما بقي أحفاده اليوم أيتاما يحترقون بؤسا في أوطانهم العاقة المنهوبة، فيدمنون "حرقا" آخر لأوراق هوياتهم، فرارا من "محرقة" الحياة، في بلادهم،واستعدادا لرحلتهم الغجرية المستمرة، إلى جنة أوربا الموهومة، بحورياتها الشقروات، ومفاتنها المتبرجة في مكبوتاتهم، رامين بأنفسهم إلى التهلكة، آبقين إلى أي فلك مشحون،من "قوارب الموت"، رغم علمهم المسبق بأنهم قد يكونون من المُدْحَضين، فيلتقمهم الحوت، أويقذفهم اليم إلى الساحل، منبوذين بالعراء، دونما شجرة يقطين،تعطف على أجسادهم السقيمة. ودونما تابوت، يقيهم الغرق المتربص بهم ريب المنون. وبقدر ما يتحد الحريقان،في الفعل فقط، تختلف الدوافع، والأهداف، والنتائج، فيا شتان ما بين حريق الفاتح العبقري، وحريق التائه الغجريِّ!
وفي الخطوة الثانية إلي المقطع الثاني تلح ثنائية ضدية جدية،حيث يبقي طرفها الغجري ثابتا، ويستبدل الفاتح طارق بن زياد، ب صقر قريش،المؤسس الفعلي لدولة الإسلام وحضارته بالأندلس، ومن رحم هذه البنية الضدية تتناسل ثنائيات أخري:الماضي-الحاضر/ الحلم- الواقع/ الخطى- الأثر/ الضياء- الظلام/ الوهم- الحقيقة/ حياة الأماني-موتها/ الهلال- الصليب....ويبقي المسرح العام لصراع هذه الثنائيات المتغلب سلبيها- طبعا –على إيجابيها هو مسرح خطايا البشر،المتهافتين على جسد المرأة مركز الفتنة والإغواء،ملء تضاريس" مصارع العشاق" بين الخصور، والنحور، وحور العيون.
وعند ولوج باب المقطع الثالث، يتحقق الكشف –بالتجلي- عن ثنائية: ملوك الطوائف القدماء، وملوك الطوائف الحاليين،بما يكتنفهما من زمان كئيب مزور، وليالي أنس حبلى بالعجائب والمصائب، يتحد كل هل هؤلاء الملوك- مهما تشعب بهم طيف الطائفية -على المصيرالوخيم،"صرعى" جميعا للتكالب على عروش الحكم، ومتع الجسم،( ويا لانخِذالِ الرجَالِ
إذا ما قَضوا فِي سبيلِ قَضَاءِ الوطرْ) كما يقول الشاعر.
وفي المقطع الرابع ينظر الشاعر"الرائي" من خلال سواد الكحل في عيني فتاته، فلا يرى إلا سواد مداد تاريخ الجدود المراق عبثا،بين ثنائية:ملك الأمين، وحزن الحسين،(السنة- الشيعة)، استمرارا في جو الطائيفة المجلل بغبار الخيل العتاق "العاديات ضبحا، والموريات قدحا" بين الفرق المتفانية باسم دين واحد، حيث تميع الحقيقة،ويستعصي تبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود،عبر المنظار التاريخي الكليل، وتلتبس المفاهيم، فتندك الحدود المنطقية بين طرفي كل ثنائية، حسب الشاعر: (وخطفُ النساءجِهادٌ
ونزفالمشاعرِمُنكَرْ
أراناجَميعًاهُزِمنا
وكلٌ يَرَى نَفسَه مُنتـصِرْ)
................. د .أدي ولد آدب