
صحيح أن ما يعرف بميثاق روما الأساسي لمحكمة الجنايات الدولية، نص ـ نظريا ـ في مادته 27 على أن النظام ينطبق على جميع الأشخاص، بغض النظر عن صفاتهم الرسمية، بما في ذلك صفة رئيس الدولة، إلا أن هذا النص يقف في مواجهته عرف دولي راسخ وطاغ، لم ينخرم بعد، يكفل لرئيس الدولة الحصانة المطلقة أثناء ممارسة مهامه..
وفي حالة فخامة الرئيس عمر حسن البشير يقف في وجهه إضافة لذلك قانون جمهورية السودان الذي يعطي الحصانة لرئيس الجمهورية، وجمهورية السودان غير موقعة على ميثاق روما..
وقد دخل الرئيس عمر حسن البشير دولة جنوب افريقيا بصفته رئيس دولة متمتع بالحصانة التي تكفلها الأعراف الدولية، والقوانين الوطنية، وبترتيبات قانونية وابرتكولية ودبلماسية متعارف عليها تلتزم الدولة المضيفة بموجبها بحماية رئيس الدولة الزائر من كل التهديدات والمخاطر بما فيها المتابعات القانونية..
من هنا فإن الرئيس عمر البشير محمي بسيادة دولة جنوب افريقيا في مواجة القانون وأعمال القضاء الوطني..
ثم إنه علينا استصحاب السوابق القانونية الدولية المعروفة، و المشهورة في حالات مشابهة، وَضْعُ الرئيس البشير القانوني أفضل منها..
فقد رفضت محكمة العدل الدولية في فبراير 2002 رفع الحصانة عن وزير خارجية الكونغو اعتبارا للعرف الدولي القاضي بحماية الدبلماسيين، مع أن الوزير متابع في جرائم ضد الإنسانية..
وهناك القضية المشهورة المتعلقة بأوامر القبض الدولية الصادرة من القضاء الاسباني بحق الرئيس التشيلي الأسبق بِينُوشِيهْ، الذي طلب القضاء الاسباني من القضاء البيريطاني توقيفه سنة 1998، من أجل تسليمه لمحاكمته، إثر وصوله للعلاج إلى بريطانيا، وبعد توقيف مبدئي لبينوشيه أفرج عنه، وعاد إلى بلاده، برغم أنف مذكرات الاعتقال الدولية، ونداءات المنظمات الحقوقية..
وفي سنة 1998 أيضا رفضت فرنسا وبلجيكا مطالب تقدمت بها عدة منظمات ناشطة في مجال حقوق الإنسان من أجل توقيف الرئيس الكونغولي لوران كابيلا خلال زيارته لكل من الدولتين، من أجل محاكمته بتهم تتعلق بالإبادة الجماعية وجرائم ضد الإنسانية..
هذه حالات علنية موثقة، حديثة العهد نسبيا، وهناك حالات أخرى سرية ( تتوفر عنها معلومات جدية) تخلصت فيها دول ذات قيم قانونية وديمقراطية بطرقها الخاصة من إحراجات قانونية، وذلك لصالح المطلوبين..
بقى أن أشير ـ وهذه نقطة مهمة لم يتنبه لها البعض ـ إلى أن أوامر المنع من مغادرة جنوب افريقيا التي تحدث عنها الإعلام تعمم في العادة على المعابر الرسمية العادية، وتتكفل بتنفيذها الضبطية القضائية الخاضعة للسلطة القضائية..
ووفق الترتيبات الابروتوكولية و الدبلماسية المتعارف عليها في جميع الدول لا يمر رؤساء الدول من نقاط العبور تلك، ولا يخضعون لإجراءات السفر العادية، فهناك أجنحة رئاسية في المطارات خاضعة للأجهزة السيادية في الدول يعبر من خلالها الرؤساء، ولا يحتكون بأجهزة الضبط القضائية، إذ ترافقهم وتتكفل بحمايتهم قوات وأجهزة خاصة لا صلة لها بالضبط القضائي نهائيا..
من كل هذا فإني أرى أنه لا خوف بإذن الله على الرئيس عمر حسن البشير من "العدالة" الإنتقائية للمسماة "محكمة الجنايات الدولية"..
وليس الأمر ـ من وجهة نظري ـ أكثر من عنترية "زميل، أو زملاء" يركب بها موجة يريد أن يطفو من خلالها على السطح، ويتطاول بها إلى وظيفة دولية في المحكمة أو نظيراتها..
هذا وكتبتُ المنشور على عجل وتعب، وعقب يوم عمل طويل، وليلة قل فيها النوم، وتحت ضغط شغب الشَّامتين بالرئيس البشير سلَّمه الله، ولذلك لم يكن المنشور بالمتسوى اللائق بالحدث..
القاضي أحمد عبد الله المصطفى