تمتمات في وداع شيخ مختلف/ إبراهيم محمد أحمد الأندلسي

خميس, 2024/01/18 - 19:25
إبراهيم محمد أحمد الاندلسي - شاعر وكاتب موريتاني مقيم في إسبانيا

تمتمات

في وداع شيخ مختلف!!!

الشيخ عبد الرحمن ولد حدن

 

كانت معرفتي بالوالد و ابن العم الأكبر

الشيخ عبد الرحمن حدن في التسعينات

من القرن الماضي؛ حين كان يزور القرية،

و يقدم دروسا و محاضرات، و كانت معرفتي به

أكبر حين أُسألُ عنه من طرف الناس

في العاصمة و غيرها.

كانوا يسألون عن ذلك الرجل الذي يُعطي

و ينصح بلطف و لين و يبذل الوقت

رغم ضعفه الجسدي الواضح.

ثم دارت الأيام و ارتبطتُ بالشيخ ارتباط

الولد بالوالد ، فكان يسأل عني و يبحث

إذا تأخرت أنا ،أو طالت المدة.

وجدت في الشيخ ذلك الصاحب الوقور 

و هي صفة تكاد تكون معدومة في جيله،

ذلك أن الكبار و العلماء. يجعلون مسافة

بينهم و بين من يَصغرهم سنا، و هي 

أمور مفهومة؛ فهم لا يريدون ضياع

الوقت و لا صحبة من لا يُفيدهم في 

الطريق التي يرسمونها.

كان الشيخ يُحدثني عن قضايا الأمة

و آلامها و جراحها، و يطرح طرق إصلاح

الخلل ، و يبحث عن تصحيحها حتى مني

و من غيري ..

كان يحدثني حتى في المساحة الممنوعة

اجتماعيا؛ عن إصلاح الأسر و بنائها بناء 

صحيحا.

كان يُذكرني برسائله عبر الوسائط إذا تخلفتُ

عن المشاركة الشعرية و النثرية في قضية

كبرى من قضايا المسلمين العامة؛

و كأنه يقول لي ليس لك أن تتخلف في مثل

هذه المواقف التي هي للرجال و الأدباء،

كان ذلك بلين و لطافة و طرافة.

كان الرجل عفيفا و كريما إلى درجة 

لا تكاد تُوصف..

ثم رأيتُ مرة أن أكلمه في تدوين كتبه

المخطوطة و طباعتها، فرفض بداية

الأمر تواضعا ؛فهو يظن أن أفكاره أقل من 

أن تجد طريقها إلى المطابع العالمية.

و بعد إصرار كبير وافق على كتاب شرط

أن أراجعه أنا و بعض أصدقائه من العلماء

و الأساتذة، و أشركنا في اختيار عنوانه

و كأنها مسابقة بين العلماء و الأدباء.

و أخيرا تم اختيار العنوان الكبير ؛

(العدلُ أساسُ العمران).

 

قدمتُ الكتاب إلى مطبعة آي كتب بلندن

و كان الشيخ يتصل ليغير فصلا أو يحرر

فصلا آخر ، و هو متردد في إتمام الطباعة

ورَعا و خوف من تقديم شيء يكون

هناك ما هو خير منه ، و أخيرا أعطيتُ

الموافقة للمطبعة دون إذنه، و أخبرتُه

بإمكانية تغيير أي فصل لاحقا.

وافق أدبًا و حِلما، فطُبِع الكتاب الرائع

و أرسلتُ له النسخ،فوزعها بسرعة

رحمه الله، ثم رأيتُ أن أقترح عليه

المشاركة بالكتاب في مسابقة جائزة 

شنقيط، فوافق بعد تدخل بعض أصدقائه

و طَبع هو النسخ المطلوبة عند مطبعة

محلية بالعاصمة، و قدم للمسابقة

في الوقت المحدد.

ثم راسلني بكتاب آخر عنوانه (الإنسان)

و تم طبعه هو الآخر عند نفس المطبعة

و أرسلتُ له النسخ.

زرتُ موريتانيا بعد ذلك و زرته في بيته

العامر لأقدم له بعض دواويني و ملحمة

يوميات حطط، كان الوحيد الذي أعطيته

نسخا من جميع مطبوعاتي .

راسلني و اتصل بي و دعاني مرات و كان

قد أجهده المرض.

و اتصل بي مرة وقال يا شاعرنا هنا كبش لكم فهل أرسله إلى علبادرس؟

فقلتُ له اتركه عندكم حتى أحضر،

فضحك ضحكته التي تحمل البر و الطرافة

و التقدير و قال أنا لستُ راعيا.

قل لي أين أرسل لك الكبش؟

ثم راسلني بعد ذلك و أمرني أن أتوقف

عن الطباعة و التحرير لكتبه حتى يستعيد

عافيته …

رحمه الله.

و المؤلم أن نتائج جائزة شنقيط خرجت

في 2021 موزعة على ثلاثة من 

الدكاترة صغار السن، كحال الجوائز في عالمنا العربي،التي يكون وراءها لوبيٌ يسيطر

عليها، و كان رأيي في الجوائز أن تكون

تقديرية فقط ، كي يذهب الباحثون

عن المال إلى وجهة أخرى،

و كذلك رأيي في الإمامة ..

مؤلم أن لا يُقدر بلد شيخا خدمه حتى

شاب و مرض و ذهب في صمت..

سألته بعد خروج النتائج قائلا،

هل تعتقد أنهم رفضوا الكتاب لأنه

يتحدث عن العدل و الحاكم؟

فقال لا أعتقد ، أخبرني صديق لي أنه

رأى نسخة منه في يد الرئيس محمد

الشيخ الغزواني ، و هذا هو الهدف

أن يصل إلى أصحاب القرار 

فقد يستفيدون منه .

ربما كان ذلك آخر حديث بيننا..

 

رحم الله الشيخ الذي عمل لله و كان

بعيدا عن الأضواء و بهارج الدنيا،

و عن أماكن البحث عنها…

 

إبراهيم محمد أحمد الأندلسي

25/05/2023

الشيخ عبد الرحمن حدن رحمه الله تعالى