تمتمات
في وداع شيخ مختلف!!!
الشيخ عبد الرحمن ولد حدن
كانت معرفتي بالوالد و ابن العم الأكبر
الشيخ عبد الرحمن حدن في التسعينات
من القرن الماضي؛ حين كان يزور القرية،
و يقدم دروسا و محاضرات، و كانت معرفتي به
أكبر حين أُسألُ عنه من طرف الناس
في العاصمة و غيرها.
كانوا يسألون عن ذلك الرجل الذي يُعطي
و ينصح بلطف و لين و يبذل الوقت
رغم ضعفه الجسدي الواضح.
ثم دارت الأيام و ارتبطتُ بالشيخ ارتباط
الولد بالوالد ، فكان يسأل عني و يبحث
إذا تأخرت أنا ،أو طالت المدة.
وجدت في الشيخ ذلك الصاحب الوقور
و هي صفة تكاد تكون معدومة في جيله،
ذلك أن الكبار و العلماء. يجعلون مسافة
بينهم و بين من يَصغرهم سنا، و هي
أمور مفهومة؛ فهم لا يريدون ضياع
الوقت و لا صحبة من لا يُفيدهم في
الطريق التي يرسمونها.
كان الشيخ يُحدثني عن قضايا الأمة
و آلامها و جراحها، و يطرح طرق إصلاح
الخلل ، و يبحث عن تصحيحها حتى مني
و من غيري ..
كان يحدثني حتى في المساحة الممنوعة
اجتماعيا؛ عن إصلاح الأسر و بنائها بناء
صحيحا.
كان يُذكرني برسائله عبر الوسائط إذا تخلفتُ
عن المشاركة الشعرية و النثرية في قضية
كبرى من قضايا المسلمين العامة؛
و كأنه يقول لي ليس لك أن تتخلف في مثل
هذه المواقف التي هي للرجال و الأدباء،
كان ذلك بلين و لطافة و طرافة.
كان الرجل عفيفا و كريما إلى درجة
لا تكاد تُوصف..
ثم رأيتُ مرة أن أكلمه في تدوين كتبه
المخطوطة و طباعتها، فرفض بداية
الأمر تواضعا ؛فهو يظن أن أفكاره أقل من
أن تجد طريقها إلى المطابع العالمية.
و بعد إصرار كبير وافق على كتاب شرط
أن أراجعه أنا و بعض أصدقائه من العلماء
و الأساتذة، و أشركنا في اختيار عنوانه
و كأنها مسابقة بين العلماء و الأدباء.
و أخيرا تم اختيار العنوان الكبير ؛
(العدلُ أساسُ العمران).
قدمتُ الكتاب إلى مطبعة آي كتب بلندن
و كان الشيخ يتصل ليغير فصلا أو يحرر
فصلا آخر ، و هو متردد في إتمام الطباعة
ورَعا و خوف من تقديم شيء يكون
هناك ما هو خير منه ، و أخيرا أعطيتُ
الموافقة للمطبعة دون إذنه، و أخبرتُه
بإمكانية تغيير أي فصل لاحقا.
وافق أدبًا و حِلما، فطُبِع الكتاب الرائع
و أرسلتُ له النسخ،فوزعها بسرعة
رحمه الله، ثم رأيتُ أن أقترح عليه
المشاركة بالكتاب في مسابقة جائزة
شنقيط، فوافق بعد تدخل بعض أصدقائه
و طَبع هو النسخ المطلوبة عند مطبعة
محلية بالعاصمة، و قدم للمسابقة
في الوقت المحدد.
ثم راسلني بكتاب آخر عنوانه (الإنسان)
و تم طبعه هو الآخر عند نفس المطبعة
و أرسلتُ له النسخ.
زرتُ موريتانيا بعد ذلك و زرته في بيته
العامر لأقدم له بعض دواويني و ملحمة
يوميات حطط، كان الوحيد الذي أعطيته
نسخا من جميع مطبوعاتي .
راسلني و اتصل بي و دعاني مرات و كان
قد أجهده المرض.
و اتصل بي مرة وقال يا شاعرنا هنا كبش لكم فهل أرسله إلى علبادرس؟
فقلتُ له اتركه عندكم حتى أحضر،
فضحك ضحكته التي تحمل البر و الطرافة
و التقدير و قال أنا لستُ راعيا.
قل لي أين أرسل لك الكبش؟
ثم راسلني بعد ذلك و أمرني أن أتوقف
عن الطباعة و التحرير لكتبه حتى يستعيد
عافيته …
رحمه الله.
و المؤلم أن نتائج جائزة شنقيط خرجت
في 2021 موزعة على ثلاثة من
الدكاترة صغار السن، كحال الجوائز في عالمنا العربي،التي يكون وراءها لوبيٌ يسيطر
عليها، و كان رأيي في الجوائز أن تكون
تقديرية فقط ، كي يذهب الباحثون
عن المال إلى وجهة أخرى،
و كذلك رأيي في الإمامة ..
مؤلم أن لا يُقدر بلد شيخا خدمه حتى
شاب و مرض و ذهب في صمت..
سألته بعد خروج النتائج قائلا،
هل تعتقد أنهم رفضوا الكتاب لأنه
يتحدث عن العدل و الحاكم؟
فقال لا أعتقد ، أخبرني صديق لي أنه
رأى نسخة منه في يد الرئيس محمد
الشيخ الغزواني ، و هذا هو الهدف
أن يصل إلى أصحاب القرار
فقد يستفيدون منه .
ربما كان ذلك آخر حديث بيننا..
رحم الله الشيخ الذي عمل لله و كان
بعيدا عن الأضواء و بهارج الدنيا،
و عن أماكن البحث عنها…
إبراهيم محمد أحمد الأندلسي
25/05/2023