مفاهيم قرآنية ح 1/ التقوى التي هي حكمة الصيام(قراءة في المعاني والأسرار)

أحد, 2024/03/17 - 04:09
الشيخ سيدي محمود ولد الصغير

 التقوى قيمة قرآنية عظيمة، نالت اهتماما كبيرا في كتاب الله تعالى.

وذلك ما تخبر عنه عشرات الآيات التي ورد فيها ذكر لهذه القيمة بصيغة من الصيغ. والمتأمل في كتاب الله تعالى يرى كيف يسوق الله تعالى عباده إلى التخلق

بهذا الخلق من أخلاق النفس الباطنة، ذات الانعكاس في الأعمال والأخلاق الظاهرة، والله تعالى يقول (فإنها من تقوى القلوب)، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (التقوى هاهنا ويشير النبي صلى الله عليه وسلم إلى صدره). صحيح مسلم.

ويمكن هنا تصنيف أنماط الآيات التي تتناول هذا المعنى-في كتاب الله- تصنيفا أوليا، لإعطاء صورة تقريبية، دون استقصاء لا يتسع له المقام، من خلال العناوين الآتية:

التقوى حاد إلى امتثال الأوامر، واجتناب النواهي. ويمكن تلمس ذلك في مقارنة الأمر بها، تقريرَ أحكام يراد امتثالها، فعلا، أو تركا.

وهذا يأخذ أشكالا متعددة، لعلَّ أولها في ترتيب المصحف:

1-فاتقوا النار:

(فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة أعدت للكافرين). وهذا في معرض الإيمان بالقرآن، قال الله تعالى: (وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله وادعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين، فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة أعدت للكافرين (كأنه قال فآمنوا بالقرآن. أو فدعوا الكفر).

2-اتقاء اليوم الآخر:

(واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا ولا يقبل منها شفاعة ولا يؤخذ منها عدل ولا هم ينصرون). "والمراد بالتقوى هنا معناها المتعارف في اللغة لا المعنى الشرعي ، وانتصاب يوما على المفعولية به وليس على الظرفية ولذلك لم يقرأ بغير التنوين. والمراد باتقائه اتقاؤه من حيث ما يحدث فيه من الأهوال والعذاب فهو من إطلاق اسم الزمان على ما يقع فيه كما تقول مكان مخوف" التحر

وقال أيضا سبحانه:

(واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله).

 قيل هي آخر ما نزل من كتاب الله. قال أبو جعفر الطبري: "يعني بذلك جل ثناؤه: واحذروا أيها الناس يوما ترجعون فيه إلى الله، فتلقونه فيه، أن تَرِدوا عليه بسيئات تهلككم، أو بمخزيات تخزيكم، أو بفاضحات تفضحكم، فتهتك أستاركم، أو بموبقات توبقكم، فتوجب لكم من عقاب الله ما لا قِبل لكم به"

 

 3-وأكثرها واتقوا الله:

(يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها ولكنَّ البر من اتقى-أي برُّ من اتقى- وأتوا البيوت من أبوابها واتقوا الله لعلكم تفلحون)

وفي الآية تصحيح لعادة من نسك أهل الجاهلية: أنهم كانوا حين يتلبسون بالإحرام، أو يسافرون ويعودون لا يدخلون البيوت من أبوابها تديُّنا، فأبطل الله هذه العادة، وبين المسلك الطبيعي الموافق للفطرة، وجاء بذلك على شكل قاعدة تصلح في كل مجال "وأتوا البيوت من أبوابها"

(الشهر الحرام بالشهر والحرمات قصاص فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم واتقوا الله واعلموا أن الله مع المتقين)

(وأتموا الحج والعمرة لله فإن أحصرتم فما استيسر من لهدي...إلى واتقوا الله واعلموا أن الله شديد العقاب)

وهذا ما سمح به وقت الحلقة، وإلى تكملة في الحلقات القادمة.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.