لا ينقضي العجب من هؤلاء؛ قادة مبادرات منع الماعون، فبينما تطأطئ البشرية جميعا رؤوسها خجلا من تفرجها على مأساة غَـZـَّة، وهي لا تملك سوى الدمع أو جمع دريهمات لا تسد عشر الحاجة للمنكوبين؛ يقود هؤلاء المرضى نفسيا حملة لوقف التبرعات، ويسوؤهم أن مجتمعا أصيلا -كالمجتمع الموريتاني- قرر أن يسهم في إطعام يتيم أو دواء مريض أو إيواء مشرد في غَـZـَّة العزة، تلك المدينة التي وقفت وحدها تقارع طغيان الأرض.
أفهم –وهي صفة خسيسة- أن يبخل المرء بماله، ولكنني لا أستطيع فهم سيكولوجية إنسان يضيف إلى بخله القبيح أمر الناس بالبخل، إن البخيل الأصيل يخجل من بخله ويحب لو كان جوادا، لكن بخلاء السوء في وطننا انتكست فطرهم فحسبوا البخل فضيلة، فصاروا يدعون الناس إليها في رابعة النهار.
عجب أمركم والله، تقبضون أيديكم بالمال وتبسطون ألسنتهم بالسوء، وودوا لو بخل الناس، كان الأجدر بكم أن تبكوا ضمائركم أن ماتت، وأن تستروا وجوهكم أن نضب منها ماء المروءة، وما دمتم أمسكتم خشية الإنفاق فما يهمكم أعطى الناس كثيرا أم قليلا، كما قالت بنت صاحبكم البخيل.
اشترى رجل من البخلاء دارا وانتقل إليها، فوقف ببابه سائل فقال له: فتح الله عليك. ثم وقف ثان، فقال له مثل ذلك، ثم وقف ثالث، فقال له مثل ذلك، ثم التفت إلى ابنته، فقال لها: ما أكثر السّؤال في هذا المكان. قالت: "يا أبت ما دمت مستمسكا لهم بهذه الكلمة فما تبال كثروا أم قلوا".
دمتم كرماء