ناجِر وآجر.. وموجة الحرّ في الدّاخل! / اشريف محمد يحيى

خميس, 2024/05/23 - 16:49

     -ما أشدّ الحرّ ؟
     -ما أشدّ الحَرّ !
   كما ترون؛ علامة الاستفهام قامت مقام الضَمّة، وعلامة التأثّر "التعجّب" سدّت مسدّ الفتحة..
  وخارج دائرتي علامات الترقيم وأحكام النحو، تذكر مراجع اللغة المعجمية أنّ أيّام ناجر التي حدّث أبو الأسود الدؤلي ابنتَه عنها (في القصة التراثية المشهورة)، لم تكن علَما على أيام بعينها؛ بل كانت العرب تطلقها على كلّ شهر مِن أشهر الحَرّ، مع إشارة المراجع المعجمية إلى أنّ شهر صفر -أو رجب- كان يسمّى -في الجاهليّة- ناجِرا.. وفي "لسان العرب" لابن منظور: "كلّ شهر في صميم الحرّ فاسمه ناجِر؛ لأنّ الإبل تَنْجرُ فيه، أي: يشتدّ عطشها حتى تيبس جلودها".. وفي معجم المعاني: "نجر اليوم كان حَرًّا، ونجر الماء أسخنه بالحجر المُحمَى". 
   وفي تسمية تشبه الإتباع، تطْلِق العرب ناجرا وآجِرا على أشدّ ما يكون من الحَرّ، وقد ذكر ابن منظور -في نفس المرجع- أنّ ناجرا وآجِرا "وقت طلوع نجمين من نجوم القيظ"!
     ..هذا عن حضور ناجِر وآجر في التراث اللغوي العربي، فأمّا ناجِر الدّاخل الموريتانيّ -الذي بين أيدينا- فحدِّثوا عن فَيْح حرارته ولا حرَج!..
    وقد كان الآباء -قبل عصر الهواتف الذكية- ينسجون الأساطير لإخافة أبنائهم بحيوان خرافي يضيفونه إلى القيلولة (حِمار القائلة، "كلب الگايلة")، وهكذا يَسبِق الكبارُ الصّغارَ إلى منطقة العقل الباطن؛ فيصدِّقون الخرافة، ويبتلعون الخُدعة، ولا شأن للكبار بعد ذلك بافتضاح الأُخدوعة، بل يعنيهم -فقطّ- انطلاء الحِيلة، حتى يَلْزَمَ الأطفالُ البيوتَ وسْط النّهار، فيستريحوا ويُريحوا، ولْيَكبروا بعد ذلك ويعقِلوا على راحتهم، فلا وقتَ لدى الكبار للتفكير خارج صندوق الخرافة والإخافة!
    ولكن أين تلامذةُ اليوم من أطفال الأمس حتى ينخدِعوا بمسوِّغات زيادة السنة الدّراسية بشهر، وهم يكابِدون حَمارّةَ القيظ وتمتصّ رؤوسهم الحاسرةُ أشعّةَ الشّمس اللاهبة، وفي ذلك كَرب على من شغفتهم الدراسة حُبا وخالطت بشاشةُ التعلُّمِ قلوبَهم، وانشرحَت صدورهم للتحصيل الدّراسي، فضرَبات الشمس ولفحات الحَرّ تُذيب التحمُّس، كما تُفقِدُ المكابرةُ في المحسوس المرأ صوابَه.. والرجوع إلى المنطق خير من التمادي في ضدِّه!