كبيرة هي أرض الإسلام، وكثير هم المسلمون، فإنهم يشكلون ربع سكان العالم المليء بالأديان، خُمسهم فقط من العرب، أما 80% فليسوا عربًا، وهم موزعون في مشارق الأرض ومغاربها، ويغفل عنهم وعن حالهم الكثير من المسلمين رغم ترتيب الشريعة على ذلك الحقوق والواجبات، حتى شبهنا النبي صلى الله عليه وسلم بالجسد الواحد حين قال: «مثلُ المؤمنين في تَوادِّهم، وتَرَاحُمِهِم، وتعاطُفِهِمْ مثلُ الجسَدِ إذا اشتكَى منْهُ عضوٌ تدَاعَى لَهُ سائِرُ الجسَدِ بالسَّهَرِ والْحُمَّى»(1).
وفي هذه المقالات، نستعرض بعض صفحات من تاريخ المسلمين في نيجيريا عملًا بهذا الواجب، تلك الدولة التي تعتبر التمركز الأكبر للمسلمين في أفريقيا، حيث يشكل المسلمون فيها 53.5% من عدد السكان الذي يمثل 220 مليون نسمة، وهم مع ذلك في زيادة كبيرة(2)، وإنه ليصح بالنظر إلى الواقع وصفها بالدول لا الدولة؛ فإن كبر مساحتها التي تبلغ 923.769 كم²، وكونها الأكثر في الكثافة السكانية في أفريقيا كلها 218 ن/كم²، وتنوع العرقيات بداخلها بين أكثر من 250 عرقاً، منها: الهوسا، اليوروبا، الفولاني، الإيغبو، الإيجاو، الإيبيبيو، التيف، الكانوري، وغيرها، وتعدد اللغات فيها بين أكثر من 500 لغة، منها: الهوسية والإغبورية واليوربية والفلانية بجانب الإنجليزية التي هي اللغة الرسمية، وأنها جمهورية اتحادية تتكون من 36 ولاية بجانب العاصمة الاتحادية التي تسمح بإقرار كل ولاية لقانونها الخاص، ويشكل المسلمون في 19 ولاية منها الأغلبية المطلقة، ولهم في 12 منها قانون مقتبس من الشريعة الإسلامية(3)، نستطيع قول ذلك.
مبدأ تاريخ الإسلام في نيجيريا
وكذلك الأمر بالنظر إلى التاريخ، فمن حيث تعدد المؤثرات في تاريخ الإسلام فيها، ثم قيام عدة ممالك شملت أجزاء واسعة منها فهي دول لا دولة.
وقد كان مبدأ دخول الإسلام فيها هو ما نالها من تأثير المناطق التي فتحها المسلمون في الشمال الأفريقي في عهد الصحابة الكرام على يد التابعي الجليل عقبة بن نافع (ت 63هـ)، الذي انطلق من الشرق فاتحًا ما وجد من البلاد غربًا حتى بلغ البحر فقال: «اللهم إني أُشهدك أن لا مجاز، ولو وجدت مجازًا لجزتُ»(4)، ثم خلفه موسى بن نصير (ت 97هـ) الذي أعاد من ارتد من أهل تلك البلاد إلى الإسلام حتى شاركوا معه في فتح ما تبقى منها حتى بلغوا الأندلس، ولم يزل بعدها تأثير الإسلام من الشمال الأفريقي ممتدًا إلى وسط وغرب القارة جهة الجنوب سواء عن طريق التزاوج بين القبائل العربية وغيرها من أهل تلك البلاد أو حركة التجارة، ثم الفتح الإسلامي الذي أسس فيما بعد وجود الإسلام وتعززه في نيجيريا.
مملكة غانة
أول إشارة إلى تاريخ الإسلام في غرب أفريقيا كان من مملكة غانة، التي امتدت آنذاك من الصحراء شمالًا ونيجيريا شرقًا والمحيط غربًا وجنوبًا لتشمل سائر دول الغرب الأفريقي تقريبًا، وقد كان أهلها وثنيين حتى دخل إليهم الإسلام شيئًا فشيئًا.
وقد بلغت أوج مجدها في القرن الخامس الهجري، كما وصفها الجغرافي الأندلسي أبو عبيد محمد البكري (ت 487هـ) الذي زارها بالفعل عام 460هـ/ 1028م، ووجد فيها انتشارًا واسعًا للإسلام، وحكى أن عاصمتها مقسمة إلى قسمين كبيرين؛ أحدهما للمسلمين والآخر للوثنيين، وفي الحي الإسلامي 12 مسجدًا في كل واحد منها إمام ومؤذن وقارئ ومعلم، وحتى بداخل الحي الوثني نفسه وجد بقرب القصر الملكي مسجدًا يصلي فيه المسلمون من حاشية الملك(5)، وذكر في سبب ذلك أن الدولة الأموية كانت قد أرسلت جيشاً إسلاميًا لفتح بلاد السودان الغربي في صدر الإسلام، وقد استقر جنود من هذا الجيش في بلاد غانة وحملوا الإسلام إلى أهلها.
وبذلك لم يظهر الإسلام مرة واحدة في إمبراطورية غانة، بل قضى فيها مدة عن طريق الدعوة قبل فتح المرابطين لها في عام 469هـ/ 1076م، حيث سقطت عاصمتها كومبي صالح وضمها المرابطون إلى أراضيهم قبل أن يتأثر تانكامنين ملك غانة بالإسلام، ثم لم يلبث أن أسلم بالفعل وقَبِل بسلطان المرابطين أبي بكر بن عمر، وفتح ذلك الباب واسعًا لإسلام الرعية فتحولت المملكة من الوثنية إلى الإسلام، كما يقول القلقشندي: «وكان أهلها أسلموا في أول الفتح»(6)، وبقيت كذلك حتى سقوطها على يد مملكة الصوصو الوثنيين ومعاونيهم من مملكتي غالام وديارا عام 600هـ.
تأثير مملكة مالي ثم صنغاي وإمبراطوريتي كانم وبرنو على نيجيريا
لم تسقط مملكة مالي وقت سقوط مملكة غانة، بل وبعدها بقرابة 38 عامًا دخلت في حرب مع مملكة الصوصو وقتلت ملكها، وفي عام 638هـ/ 1240م توجه سوندياتا ملك مالي نحو كومبي صالح وفتحها من جديد، وتوزع نفوذ المملكة على معظم أراضي مملكة غانة القديمة، وكان لها الدور الكبير في نشر الإسلام في غرب القارة والحفاظ على الموجود منه فيها حتى في المناطق التي سيطرت عليها الممالك الوثنية، ومن أشهر ملوكها منسا موسى، الرجل الأغنى في التاريخ كما يذكر بعض المؤرخين، وكانت المملكة في عهده من أغنى البلاد وأعظمها عمرانًا وحضارةً.
ثم قامت على أنقاضها مملكة صنغاي، التي تمددت فشملت الشمال النيجيري، ووصل أقصى اتساع لها في عهد محمد بن أبي بكر التوري الملقب بأسكيا محمد، الذي كان مقرِّبًا للعلماء حتى استزور كثيرًا منهم مثل الإمام محمد بن عبدالكريم المغيلي(7) وغيره.
ثم أثر بعدها إمبراطورية برنو التي قامت كامتداد إمبراطورية كانم التي كانت قد قامت في القرن الخامس الهجري، واستمر وجودها في نيجيريا منذ عام 1380 وحتى عام 1893م، بجانب أجزاء من السودان وتشاد وليبيا والنيجر والكاميرون، وأشهر حكامها إدريس الثالث الملقب بألوما (ت 1602م)، الذي كان مسلمًا عظيمًا وقائدًا عسكريًا كبيرًا وحاكمًا صالحًا، وكانت جيشها في عهده مسلحًا بالبنادق التركية، وكان لها سفراء لدى الدول العربية والإسلامية، وكان لأهلها في القاهرة مدرسة خاصة بالفقه المالكي، ثم خُصص لهم بالأزهر رواق للتعليم(8).
وفي أثناء نهايات القرن الثامن عشر، دب فيها الضعف وانتشرت مظاهر الانحراف مما آل إلى ما اشتهر بحرب الفولاني التي قلصت من وجود مملكة برنو في كثير من المناطق، وآذن ذلك بميلاد بطل كبير وقائد عظيم ومجدد للدين في هذه البقعة الجغرافية الكبيرة وهو عثمان دان فوديو، الذي سنتناول قصته في الحلقة القادمة إن شاء الله.
___________________
(1) أخرجه البخاري (6011)، ومسلم (2586) واللفظ له.
(2) في تقرير صادر عن مركز بيو للأبحاث في عام 2015م، قُدِّر أنه وبحلول العام 2060م فإن المسلمين سيشكلون نسبة 60% من سكان البلاد.
(3) تقرير الحرية الدينية الدولية عام 2008م الصادر عن وزارة خارجية الولايات المتحدة الأمريكية.
(4) الكامل لابن الأثير، ج4 ص42.
(5) وصف ما وجده فيها في كتابه: المسالك والممالك، ج2 ص 871، 872.
(6) نقلًا عن كتاب: المسلمون في غرب أفريقيا، ص33.
(7) وقد كانت بينهما سؤالات سميت: أجوبة الفقير على أسئلة الأمير.
(8) ذكر ذلك آدم عبدالله الإلوري في كتابه: الإسلام في نيجيريا.
نقلا عن مجلة المجتمع الكويتية