عن الحكم الفقهي للنقل الحضري عبر التطبيقات الذكية/ د. محمدن محمد غلام

سبت, 2024/09/21 - 11:53

عن الحكم الفقهي للنقل الحضري عبر  التطبيقات الذكية ("CARUP" و"سهديني" وأخواتهما)

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله..
أولا: التصور
في هذه المعاملة ثلاثة أطراف أساسية:
١. شركة تمتلك تطبيقا ذكيا ومقرّا وهاتفا فعّالا؛ ولديها موظفون للتعاطي مع شرائح العملاء المحتاجين لمشاوير؛ إضافة إلى خطة تسويقية تضمن حضورا في أوساط ملّاك السيارات الخصوصية المستعدين من جهة، وأوساط شرائح العملاء من جهة ثانية.
٢. أصحاب السيارات الخصوصية المستعدين لتخصيص أوقات للقيام بمشاوير محددة لعملاء الشركة مقابل أجرة يقتسمونها مع الشركة بنسبة يتفق عليها الطرفان (تفتح لهم الشركة الاستفادة من تطبيقها وتوفر لهم الزبائن وتدير لهم تحديد الأجرة وخطّ السير وتقديره - مع احتمال المشاوير المفتوحة التي تمتلك الشركة آلية لقياس قيمتها - وتستقبل منهم محافظ مالية صغيرة تقتطع منها قسطها من أجرة المشوار)
٣. العملاء الزبائن الذين يتواصلون مع الشركة لطلب سيارة لمشوارهم، الذي تعلن عنه الشركة على التطبيق ليبادر إليه أقرب أصحاب السيارات المشتركين في تطبيقها لتنفيذ ما اتفق عليه العميل مع الشركة، وليستلم أجرة المشوار من العميل (ستقتطع الشركة قسطها من المشوار من محفظته المالية لديها فور انتهاء المشوار)

ثانيا: تكييف العلاقة بين الأطراف
١. العلاقة بين العميل والشركة: علاقة إجارة/ كراء؛ يؤجر فيها العميل من الشركة سيارة تتصرف فيها بتوكيل (مدفوع الثمن) من صاحبها، لمسافة محددة مقابل أجرة محددة (أو قابلتين للتحديد في المشوار المفتوح) 
٢. العلاقة بين صاحب السيارة والعميل: وهي علاقة بسيطة ينفذ فيها صاحب السيارة الاتفاق الحاصل بين الشركة والعميل.
٣. العلاقة بين الشركة وصاحب السيارة: وهي علاقة مركبة؛ 
 أ. تقدّم فيها الشركة خدمات جوهرية؛ من قبيل: التسويق بتوفير السوق/ العميل، إتاحة التطبيق، تحديد الأجرة حسب المسافة بدقة، التعاقد مع العميل وكالة...
ب. بينما يقدّم فيه العميل سيارته وجهده في قيادة السيارة لتنفيذ الاتفاق مع العميل.
والظاهر أن هذه العلاقة علاقة صحيحة فقها يطلق فيها صاحب السيارة يد الشركة للتعاقد مع العميل نيابة عنه، ويشرك الشركة في الأجرة بنسبة يتفقان عليها تتحدد بمؤشر يتفقان عليه (ما لم يكن معلوما منه ابتداء فإن جهله جهل يؤول إلى علم) 
وهذه النسبة المستحقة عليه هي في مقابل خدمات:
. التسويق والسمسرة بتحصيل السوق/ العميل 
. إدارة التعاقد مع العميل
. تحديد أسعار المشاوير حسب المسافة
. إتاحة التطبيق
. وغير ذلك.

ثالثا: البحث عن الحكم
وأرشّح (وأرجّح) للفقهاء خلاصة الحكم بجواز هذه المعاملة؛ نظرا للمرجحات التالية:
١. أن العلاقة بين العميل والشركة (ومن خلفها صاحب السيارة) علاقة أجرة واضحة المعالم
٢. وأن العلاقة بين صاحب السيارة والشركة (وإن كانت  مركبة) فإن الأصل في المعاملات الجواز والإباحة؛ وهي علاقة لا تتضمّن ربا ولا غررا ولا أكلا لأموال الناس بالباطل، كما أنها ليست من العقود التي نهى الشارع عن أعيانها (وهذه هي معاقد المنع الأساسية في العقود غير المساة والمركبة من مسماة)
بل هي معاملة منضبطة تتضمن:
- "مصلحة لهما من غير ضرر بواحد منهما.
- والشرع لا يرد بتحريم المصالح التي لا مضرة فيها، بل بمشروعيتها.
- ولأن هذا ليس بمنصوص على تحريمه، ولا في معنى المنصوص؛ فوجب إبقاؤه على الإباحة"
على حدّ قول ابن قدامة في حديثه عن السفتجة، في المغني.

رابعا: نوازل في المعاملة
١. يتضمن العقد بين الشركة وصاحب السيارة (غالبا) فقرة يلتزم فيها صاحب السيارة بعدم تعامله مع العملاء الذين توفرهم له الشركة من وراء ظهرها (تبادل أرقام الهواتف وتقديم خدمات النقل دون المرور بالشركة) والظاهر أن الوفاء بهذا الالتزام لازم للعميل؛
أ. وفاء بالعقود (يا أيها الذين ءامنوا أوفوا بالعقود)
ب. وحفظا للمصداقية والصدق
ج. ومحافظة على مصالح الشركة وضمان التوازن بين "شركائها" من أصحاب السيارات.
٢. تقوم الشركة قبل التعاقد مع صاحب السيارة (غالبا) بمعاينة سيارته؛ ضمانا للتأكد من صلاحيتها لما تلتزم به الشركة لعملائها من توفير مشوار مريح بوسيلة نقل نظيفة... وعليه فإنه لا ينبغي لصاحب السيارة أن يأتي بسيارة تتوفر فيها المعايير  للمعاينة، ثم يوفر الخدمة من خلال سيارة أخرى متهالكة؛ لما فيه من الغشّ والخديعة والنيل من مصالح الشركة والعميل معا.
ذلك، والله تعالى أعلم.
د. محمدٌ محمد غلام