الاستضافة مقابل المال.. قراءة في اتفاقية الهجرة بين موريتانيا والأوروبيين

أربعاء, 2024/10/09 - 13:42
بقلم حبيب الله ولد ميابى

بينما يتأهب نحو 17 مليون إنسان لمغادرة الساحل والصحراء وخوض غمار الهجرة غير النظامية، وقعت دول الاتحاد الأوروبي وموريتانيا مؤخرا إعلانا مشتركا حول استضافة اللاجئين والتكفل بحمايتهم وتمكينهم من الولوج للخدمات.

 

ومع تسرب الأنباء الأولية عن الاتفاق ثارت مخاوف عديدة بشأن تحويل موريتانيا إلى وطن بديل للأفارقة الذين تطاردهم الحكومات الأوروبية في البحار.

 

وفي البداية، تأخرت الحكومة الموريتانية قليلا عن التعليق على التسريبات، ثم نفت بشدة عزمها تحويل البلد إلى معسكر للاجئين، ونصحت الجمهور بعدم التعاطي مع الشائعات.

 

وفي السابع من مارس/آذار الجاري ظهر للعلن ما كان طي الكتمان، فقد وقع الطرفان إعلانا مشتركا في نواكشوط حول الوقاية من الهجرة غير النظامية، واستضافة اللاجئين والتكفل بهم والعمل على حمايتهم.

 

تنص الفقرة الثامنة من الإعلان المشترك بين الطرفين على اعترافهما "بخصوصية موريتانيا كبلد عبور، ينتقل شيئا فشيئا إلى وجهة نهائية لتدفقات المهاجرين".

 

ويشيد الإعلان "بالجهود الحميدة التي تبذلها موريتانيا للتحكم في طرق الهجرة، منها الطرق البحرية، لإدارة الهجرة غير الشرعية ومكافحة شبكات تجارة البشر عبر الحدود والمهربين، وكذلك جهودها المستمرة لاستقبال وحماية والتكفل باللاجئين من شبه المنطقة.

 

وينص الإعلان أيضا على "تعزيز قدرات تحديد وتسجيل وتوثيق طالبي اللجوء في موريتانيا، مع ضمان احترام الإطار الدولي للحماية، وتعزيز قدرات استضافة والتكفل بطالبي اللجوء واللاجئين في ظل احترام حقوق الإنسان، مع إعطاء عناية خاصة للأكثر هشاشة.. إلى جانب تعزيز الولوج إلى الخدمات الاجتماعية والاقتصادية للاجئين وطالبي اللجوء والمجتمعات المضيفة".

 

مصالح أوروبية

وقد أثار الاتفاق مع الأوروبيين كثيرا من المخاوف داخل موريتانيا، ولقي انتقادات واسعة من طرف المواطنين والأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني والناشطين في مواقع التواصل الاجتماعي.

 

فبسبب حرب أوكرانيا والمشاكل المتعددة في القارة الأفريقية والشرق الأوسط، أصبحت بلدان الاتحاد الأوروبي تعاني من ارتفاع معدلات الهجرة، وتسعى لتخفيف اللاجئين نحوها وخاصة من منطقة غرب أفريقيا.

 

وفي الأعوام الماضية بحث الاتحاد الأوروبي عن شراكات مع الدول التي تعتبر منطقة عبور نحو بلدانه، فأبرم اتفاقا مع تونس في يوليو/تموز 2023 بهدف العمل على محاربة الهجرة عن طريق البحر المتوسط.

 

وقد تلقت تونس مقابل صفقة الهجرة قرابة 250 مليون يورو (272 مليون دولار) كدعم فوري لدعم إجراءات الحد من التسلل نحو أوروبا.

 

وبالإضافة لما يشكله المهاجرون من أعباء اقتصادية واجتماعية، فإن الاتحاد الأوروبي يرى أن مشكلة الهجرة من العوامل التي تسهم في تفككه، لأن ملف الهجرة كان من الأسباب الرئيسية التي دفعت بريطانيا إلى مغادرة الاتحاد.

 

ويعتقد كثير من الأوروبيين أن المهاجرين يشكلون خطرا على التجانس الثقافي والاجتماعي لبلدانهم التي تجمع بينها هويات مشتركة.

 

وفي دراسة لمركز الجزيرة للدراسات، فإن 57% من نتيجة لاستطلاع آراء أوروبية يرى أن الهجرة تمثل خطرا على الثقافة الأوروبية.

 

وأشارت الدراسة إلى أن المهاجرين غير الشرعيين يؤثرون بشكل سلبي على الاقتصاد، بسبب استهلاك الموارد المالية للدول المضيفة.

 

اتفاقية غامضة

وترتبط الحكومة الموريتانية مع إسبانيا بما يسمى "اتفاقية مدريد" الموقعة في الثالث من يوليو/تموز 2003 بشأن اعتراض المهاجرين من شواطئ العاصمة الاقتصادية نواذيبو نحو جزر الكناري التي تبعد من المياه الموريتانية 600 ميل بحري.

 

وبموجب معاهدة 2003 تلتزم موريتانيا باعتراض المهاجرين إلى أوروبا والتعامل معهم، فيما تقدم إسبانيا المساعدات إلى نواكشوط، كتمويل المشاريع الاقتصادية وتقديم المنح والقروض، وقد جرى تجديد المعاهدة بين البلدين في عام 2019.

 

ومنذ عام 2006، يوجد في موريتانيا تشكيلان عسكريان من الأمن الإسباني أحدهما من الحرس المدني، والثاني من الشرطة الوطنية الإسبانية، ويراقبان المنطقة البحرية بين مدينة نواذيبو وجزر الكناري.

 

كما تتدخل قوة الوكالة الأوروبية لحرس الحدود والشواطئ" (frontex) لمساعدة الإسبان في التصدي للمهاجرين من غرب أفريقيا عن طريق المياه الموريتانية.

 

وبالتزامن مع التوترات الأمنية في منطقة الساحل والصحراء زاد عدد المهاجرين نحو أوروبا، فاستغلت إسبانيا علاقاتها الجيدة مع نواكشوط للعمل معها في محاربة الهجرة غير الشرعية.

 

وفي فبراير/شباط 2024 قام رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز رفقة رئيس المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين بزيارة للعاصمة نواكشوط لتعميق التشاور حول القضايا المشتركة.

 

وتوجت زيارة الوفد الأوروبي بتوقيع اتفاقيتين إحداهما تتعلق بالتعاون بين الحكومة الموريتانية والمملكة الإسبانية، والثانية تخص موريتانيا والاتحاد الأوروبي، وتدور حول الهجرة وسبل مكافحتها واستضافة المهاجرين وكيفية التكفل بهم ودمجهم في الحياة الاقتصادية والاجتماعية.

 

وبالتزامن مع الاتفاقيتين، أعلن الاتحاد الأوروبي تقديم 200 مليون يورو (نحو 217 مليون دولار) كمساعدة ودعم سنوي للدولة الموريتانية.

 

وفي السابع من مارس/آذار الجاري تم التوقيع رسميا على إعلان مشترك بين موريتانيا والاتحاد الأوروبي يقضي بوضع خطة للعمل المشترك تجاه التحديات الأمنية والتصدي للمهاجرين.

 

خطر على موريتانيا

ويأتي توقيع الإعلان المشترك، في وقت تعاني فيه الحكومة في نواكشوط من تدفق اللاجئين إليها من منطقة الساحل والصحراء، إذ توقع برنامج الأغذية العالمي وصول 100 ألف لاجئ جديد من مالي في بداية 2024.

 

وهذا يعني بلوغ المهاجرين الذين تم إحصاؤهم وتوقع وصولهم ربع مليون نسمة، لأن الحكومة الموريتانية صرحت في المنتدى العالمي للاجئين الذي انعقد بجنيف في ديسمبر/كانون الأول 2023 بأنها تستضيف 150 لاجئا أغلبهم من دولة مالي.

 

وفي المؤتمر ذاته، قال وزير الاقتصاد الموريتاني عبد السلام ولد محمد صالح إن حكومته تعمل على تعبئة الموارد المالية والدعم من طرف الشركاء لتوفير الشروط الأساسية لمتطلبات الاندماج، كما تعتزم توفير التعليم بوصفه الأداة الأولى لترسيخ ثقافة السلام والتسامح.

 

وفي الوقت الذي تبحث فيه الحكومة عن فرص لدمج اللاجئين، يوجد في موريتانيا 56.9% من عدد السكان البالغ نحو 5 ملايين يعيشون في حالة فقر متعددة الأبعاد من حيث انعدام التعليم والصحة وظروف المعيشة وانعدام فرص التوظيف.

 

وخلال قمة الهجرة المنعقدة في روما منتصف عام 2023 قال الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني إن موريتانيا تعد منطقة وصول للمهاجرين مثل ما هي منطقة عبور نحو دول الاتحاد الأوروبي، مؤكدا أن بلاده تستضيف 100 ألف لاجئ من دولة مالي وحدها.

 

معدلات الفقر

وبالتزامن مع توقيع موريتانيا على خارطة عمل مع الأوروبيين بشأن المهاجرين، حذر برنامج الأغذية العالمي من خطورة الضغط على السكان المحليين في موريتانيا، والذين يعانون من شح الموارد وارتفاع معدلات الفقر، إذ يرى أن مضايقتهم قد تكون سببا في الفوضى والتوتر.

 

وفي بداية مارس/آذار الجاري شهدت ولاية الحوض الشرقي الموريتاني مواجهات واضطرابات بين السكان المحليين واللاجئين الأزواديين، ولم تتم السيطرة عليها إلا بعد تدخل كتيبة من الجيش الموريتاني.

 

ويرى عدد من المراقبين أن موريتانيا تختلف عن الدول المغاربية التي وقعت تفاهمات سابقة مع الأوروبيين بشأن استضافة المهاجرين على أراضيها، لأن السكان الموريتانيين لا يتجاوزن 5 ملايين نسمة، ومن ضمنهم أعراق لها امتدادات وجذور في دول منطقة غرب أفريقيا، وكل توطين للمهاجرين قد يسهل من اختلال التركيبة الديموغرافية للسكان.

 

مظاهرات واتهامات

وبالتزامن مع توقيع الاتفاقية المذكورة خرجت مظاهرات في العاصمة نواكشوط وبعض المدن الأخرى تنديدا بما وصفوه بالخيانة العظمى للوطن والسعي لإرضاء الأوروبيين.

 

وقبل توقيع الاتفاق أصدرت الأحزاب السياسية المعارِضة بيانا حذرت فيه الحكومة من إمضاء المعاهدة معتبرة أنها تشكل خطرا على الأمن القومي الوطني.

 

وقالت المعارضة إن الاتفاق مع الاتحاد الأوروبي حول المهاجرين غير الشرعيين سيغير من توازن التركيبة الديموغرافية للوطن، كما يهدد التعايش وانسجام القيم الدينية والأخلاقية والثقافية للشعب الموريتاني.

 

وفي 11 مارس/آذار الحالي أصدر حزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية (أكبر أحزاب المعارضة) بيانا دعا فيه كافة القوى الحية إلى الوقوف صفا واحدا في وجه هذا الاتفاق.

 

وفي تصريحات للصحافة الدولية قال النائب البرلماني محمد الأمين ولد سيدي مولود إن دول الجوار التي تمتلك بنية أمنية واقتصادية أقوى من موريتانيا امتنعت أن تكون طرفا في هذا النوع من الاتفاقيات.

 

من جانبها، قالت الحكومة الموريتانية عبر بيان لوزارة الداخلية إن الاتفاقية المذكورة لا تمس بالمصالح العامة، ولا تشكل خطرا على الأمة.

 

وفي المؤتمر الصحفي الأسبوعي الذي تنظمه الحكومة عقب اجتماع مجلس الوزراء، قال الوزير الناطق الرسمي باسم الحكومة إن موريتانيا لن تكون وطنا بديلا للمهاجرين أو مكان استقرار لأي مهاجر غير شرعي.

 

 

بوادر أزمة سياسية

لكن كثيرا من الكتاب والباحثين المختصين في شؤون الهجرة واللاجئين يعتقدون أن تصريحات المسؤولين الحكوميين في موريتانيا بعيدة من الواقع، فقد اعتبر الباحث المختص في الشأن الأفريقي سلطان البان أن الحكومة غالطت الشعب بفكرة أن موريتانيا ستستقبل المهاجرين من دون توطينهم.

 

وقال سلطان البان على الفيسبوك إن الدولة المستضيفة تستلم الأموال من الاتحاد الأوروبي مقابل الإيواء والاستقبال ثم معالجة الملفات التي من ضمنها الاندماج والولوج للحياة العامة.

 

وتزامنت مشكلة المهاجرين مع اقتراب الانتخابات الرئاسية التي ستنظم في يونيو/حزيران القادم، وقد بدأت الأحزاب المعارضة باستخدام ورقة المهاجرين ضد النظام السياسي القائم، معتبرة أنها خيانة وجريمة في حق الوطن تقتضي المساءلة.

 

وتعاني الحكومة من أزمات سياسية واقتصادية متعددة أبرزها انعدام الثقة بين الفرقاء السياسيين، بسبب الانتخابات التشريعية والبلدية الأخيرة التي شابتها عمليات تزوير واسعة، بحسب المعارضة.

 

حبيب الله الخضر ــ الجزيرة نت