عن الكتاب المدرسي بعيدا عن جدل العهدة والوصاية

أربعاء, 2024/10/16 - 14:53
بقلم الأستاذ أشريف محمد يحيى

.. نصف نظَر الكاتب عند المدقّق، وعينُ الأخير تُبدي مآخذ كلّت عنها عينُ رضى الأول؛ لأن الممحّصَ أتمّ نظرا من المحرّر.. سواء أكان المدقِّق اللغويّ من قطاع التعليم، أم من مجلس اللسان العربي، أم متنازَعا بين الجهتين!

 ولكنّ أزمة الكتاب المدرسي أزمة محتوى ومضمون، وليس ذلك من عمل "المدقق اللغوي" -رأسا، وما هو بداخل تحت صلاحياته "الفنّية".. من أجل ذلك أرى -من زاوية تجربتي المزجاة- أنّ على المعهد التربوي الوطني أن يفصّل مختاراتِ النصوص الأدبية مع المستويات المستهدفة، ويحرّرَ مقرّر الكتاب المدرسيّ من بواعث السآمة وجوالب المَلل التي رانت على نُسَخِه، ومنها -على سبيل المثال- الروتينية والاعتباطية في وضع الأمثلة المثبتة في الدروس المطبوعة، التي هي "واجهة رسمية"، لا تمحوها لمسة طلاسة، ولا يواريها اجتهاد مدرِّس!.. وتتّسع فداحة تلك الاعتباطية بما تجرّ من رسائلَ وما تنطوي عليه من إيحاءات غيرِ تربوية، وأحيانا غيرِ دبلوماسية!

    ومِن ذلك مثالٌ اقتحمَته عيني وأنا أحضّر درسا من مقرّر اللغة العربية موضوعه: "لا النافية للجنس"، فإذا أولُ مثال في الكتاب: 

"لا سابقة، ولا لاحقة"، ووجه مأخذي على هذا المثال "الملغوم" أنّ به كسرا مضاعفا؛ ففيه تمرير رسالة ليست حُجرةُ الدّرس ساحةَ عرضِها، وليس من الأدب -ولا من التربية- إقحامها في الكتاب المدرسي، بهذا الأسلوب الفجّ!

   ومما يفاقم استفزازية المثال، أنّ من واجب المدرِّس أن يوفيَّ التلميذَ حقَّه من الشرح، حتى "يجعله في الصورة"!.. ومن هنا عدلتُ عن ذلك المثال -عمدا- وأسقطتُه من عَرضي -قصدا- وأتيت بآخرَ خيرٍ منه دلالة وأعمق أداء، وأبعد عن مواطن التأزيم وجواذب اللغط.. ومما زادني تمسُّكا بقرار استبدال المثال "المثير" أنّ القسم المختلِط كان ثلاثة صفوف: صفّ للأولاد، وصفّان للبنات؛ فلم أشأ أن أنقل ساحة "المعركة النسوية" إلى أفهامهم ورؤوسِهنّ، فجئت -من عندي- بمثال فيه حصول الغرض ودَرْأُ اللغط!