صالون المستقبل الثقافي تعالوا لنحرق الطُّوب

اثنين, 2024/11/25 - 10:51
الدكتور الشيخ أحمد البان - أستاذ جامعي

ثم إني أعيذكم من المحاضرات المناقبية، فالمناقب ورد ذاتي لا نشاط جمعوي، أتمنى أن أرى صالونا يناقش منهج آب ولد اخطور، لا مناقب آبه، وأسلوب محمد مولود (آدَه) لا مناقبه، ويطرح عبقرية جمال من خلال إنتاجه، لا من خلال ذكريات أصدقائه وطلبته، ويذكر الشيخ محمدو النانة بن المعلى من خلال قراءة نقدية حقيقية جادة لإنتاجه وغير ذلك.

 

 

 

أنصحكم بالاهتمام بالثقافة العامة، وتنظيم صالونات حول قضايا ثقافية وفكرية بحتة، فإن مقتل المؤسسات الثقافية عندنا دائما هو إفرادها منابرها الثقافية لموضوعات لا يهتم بها المثقف القارئ، وإنما تهم السياسي والنقابي والباحث الاجتماعي، فلو دعوتني لنشاط عن قضايا الساحل لن أحضر هذا النشاط –ولعل كثيرين مثلي لن يحضروه- ولكن إذا دعوتني لنشاط يقرأ كتاب البادية للشيخ محمد المامي قراءة واعية نقدية جريئة لكنت أول الحاضرين، وكذلك كثيرون مثلي، دعوا تلك القضايا للقنوات الفارغة ومراكز الدراسات الباحثة عن التمويل، واشتغلوا ببناء الوعي الثقافي الحقيقي من خلال مناقشة الأفكار.

 

 

تحدي المحلية المهلكة: وهو تحد كبير، وتجاوزه صعب، فقد كبر عليه الصغير وشاب عليه الكبير، وهو مقتل ساحتنا الثقافية الذي أماتها، سر ضعف الوعي الثقافي والفكري لنخبنا الناشئة والوسيطة، إن الثقافة –كما قلت في بداية هذا المقال- انفتاحية بطبيعتها، وأضيف هنا أن غاياتها تهذيب النفس وبناء العقل، وهذا مشترك إنساني لا قضية محلية، فيا فرحتي يوم أجد عنوانا لصالونكم يناقش أدب الرافعي، وآخر ينتقد كتابات محمد شكري، وثالث يبحث موسوعة كاجيري عن مالي وممالكها القديمة، ورابع يطرح قضية الذكاء الاصطناعي وتحدياته، انظرو حولكم وفوقكم ودعوا إدمان النظر إلى هذه الأرض، فإن جمالها ليس ذاتيا ولكنه جمال أخذته من سياقها العالمي والعربي والإفريقي.

 

تحدي الجمهور: ينبغي أن لا تتفاجؤوا من قلة الجمهور، فالتداول الثقافي والفكري ليس مهرجانات الهتاف والإنشاد، المعول فيه على المضمون ورقي التداول وقوة الطرح وصراحة النقد، ويوما بعد يوم ستجتذبون النخبة الشبابية والمكتهلة، وفي تجربة مبادرة اقرأ معي نموذج صالح، فقد بدأت وواصلت وقل جمهورها فترة ثم ظلت تتحدى التحديات حتى جعلت لنفسها جمهورا معتبرا، يترقب مناشطها، ويرتاد مكتبتها، ويتداول الثقافة والفكر في فضائها.

 

 

تعالوا بنا لنحرق الطوب معا، قبل أن ينهار بناؤنا الاجتماعي وكياننا السياسي، فقد قال الكاتي انطوني تشيخوف: " بدون شعب مُثقف ثقافة واسعة ستنهار الدولة كالبيت المشيد من طوب لم يُحرق جيدًا"، إذن أنتم من أعلن بداية حرق الطوب، فلتواصلوا حرقه، لنستمع ببناء قوي متين.

 

 

أخير، أعود كما بدأت لأقول لنا هنيئا لنا بهذا الصالون الثقافي، وأقول لكم لقد بدأتم العزيمة على الرشد الثقافي وما زلنا ننتظر منكم "الثبات في الأمر"، اللهم إني أسألك الثبات في الأمر والعزيمة على الرشد.