من إعاقة إقامة عدل الله في أرض الله وبين عباده، الشفاعة في المجرمين، إذ العقوبات المقدرة من قبل الشرع جعلت للردع والزجر عن اقتراف المنهيات والاعتداء على الكليات الخمس المأمور بحفظها شرعا: الدين، النفس، العقل، النسل، المال.
وحكى القرافي إضافة البعض قسما سادسا وهو: حفظ العرض ، وتبناه ابن السبكي، ودافع عن هـذا الشوكاني فقال: " وقد زاد بعض المتأخرين سادسا وهو: حفظ الأعراض؛ فإن عادة العقلاء بذل نفوسهم وأموالهم دون أعراضهم، وما فدي بالضروري فهو بالضرورة أولى، وقد شرع في الجناية عليه بالقذف الحد، وهو أحق بالحفظ من غيره؛ فإن الإنسان قد يتجاوز عمن جنى على نفسه أو ماله ولا يكاد أحد أن يتجاوز عمن جنى على عرضه، ولهذا يقول القائل:
يهون علينا أن تصاب جسومنا
وتسلم أعراض لنا وعقول".
ثم إن الشفاعة منها المحمود، ومنها المذموم، فأما الأول فكل سبيل لجلب مصلحة وقضاء حاجة وتفريج كربة، وأما الثانية فهي الطريق الأخرى أي طريق الشر وجلب المضار واقتطاع الحقوق بغير وجه حق.
قال صاحب التحرير والتنوير:"والشَّفاعَةُ: الوَساطَةُ في إيصالِ خَيْرٍ أوْ دَفْعِ شَرٍّ، سَواءٌ كانَتْ بِطَلَبٍ مِنَ المُنْتَفِعِ أمْ لا؟".
ومنه قول الحق تبارك وتعالى: ﴿مَن يَشْفَعْ شَفاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنها ومَن يَشْفَعْ شَفاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنها وكانَ الله عَلى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتًا﴾ . [النساء ٨٥].
قال ابن القيم : "وتأمل قوله تعالى في الشفاعة الحسنة ﴿يكن له نصيب منها﴾ وفي السيئة ﴿يكن له كفل منها﴾، فإن لفظ الكفل يشعر بالحمل والثقل، ولفظ النصيب يشعر بالحظ الذي ينصب طالبه في تحصيله وإن كان كل منهما يستعمل في الأمرين عند الانفراد، ولكن لما قرن بينهما حسن اختصاص حظ الخير بالنصيب، وحظ الشر بالكفل".
وقد حذر الشارع الحكيم من الشفاعة في الحدود لما
روى ابن حبان في الصحيح باب ما جاء في كراهية أن يشفع في الحدود من حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: ( أنَّ قريشًا أهمَّتهم شأنُ المرأةِ المَخزوميَّةِ الَّتي سرَقت فقالوا: مَن يُكلِّمُ فيها رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم؟ فقالوا: ومَن يجترئُ عليه إلّا أسامةُ بنُ زيدٍ حِبُّ رسولِ اللهِ صلَّى الله عليه وسلم فكلَّمه أسامةُ فقال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: 《أتشفَعُ في حدٍّ مِن حدودِ اللهِ؟》 ثمَّ قام فاختطَب فقال: 《إنَّما هلَك الَّذين مِن قبْلِكم أنَّهم كانوا إذا سرَق فيهم الشَّريفُ ترَكوه وإذا سرَق فيهم الضَّعيفُ أقاموا عليه الحدَّ وايمُ اللهِ لو أنَّ فاطمةَ بنتَ محمَّدٍ سرَقتْ لَقطَعْتُ يدَها》.
هذه شريعة العدل والرحمة والإحسان، وحفظ الأنفس والأعراض وصون كرامة الإنسان.
حفظ من جهة الوجود بالقواعد الناظمة لأساس الحياة الكريمة، وحفظ من جهة العدم بالعقوبات الزاجرة عن زعزعة ناموس الفطرة.
سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك.