الغاز الموريتاني: الانعكاسات الاقتصادية والتحديات البيئية

أحد, 2025/01/12 - 09:21
محمد عينين أحمد - رئيس الجمعية الموريتانية للسلامة والصحة المهنية والمحافظة على البيئة

يُعاني المواطن الموريتاني صعوبات اقتصادية عديدة، رُغم احتياطات الحديد والذهب والنحاس، وشاطئ بحري كان حتى وقت قريب غنيا بالثروة السمكية، لكن المعتاد أن النفط والغاز مرتبطان بالتطور الاقتصادي والرفاه المالي للدول المنتجة، في آخر يوم من العام المنصرم 2024 أعلن وزير النفط الموريتاني أن موريتانيا انضمت رسميا لنادي الدول المنتجة للغاز وما يحمله ذلك من طفرة اقتصادية وبشارة بمستقبل أفضل لساكنة لا تتعدي الأربع ملايين.

 

سنحاول في هذا المقال تسليط الضوء على الغاز الموريتاني وانعكاساته الاقتصادية وتأثيراته البيئية على البلد.

 

وقَّعت الحكومة الموريتانية مع نظيرتها السنغالية، في 21 ديسمبر / كانون الأول 2018، اتفاقًا نهائيًّا يقضي بتقاسم حقل الغاز المشترك بين البلدين. ووقعت أيضا شركتا بريتش بتروليوم لبريطانية وكوسموس إنرجي الأميركية على الاتفاق بوصفهما المستثمريْن الرئيسييْن في المشروع.

 

وبهذا التوقيع تكون الشركتان الاستثماريتان وشركاؤهما قد اتخذوا القرار الاستثماري النهائي للمرحلة الأولى من حقل السلحفاة الكبير/ أحميم، ويتكون المشروع من منصة عائمة للإنتاج والتخزين والتفريغ تعالج الغاز وتزيل المكونات الهيدروكربونية الثقيلة ووحدة التسييل العائمة للغاز الطبيعي.

 

كان من المفترض حسب اتفاقيات الاستغلال أن يبدأ إنتاج الغاز الطبيعي المسال من حقل السلحفاة بداية العام 2022، ثم أجل بسبب جائحة كورونا إلى 2023 قبل تأجيله إلى الربع الأول من 2024، لكن تأخر وصول المنصة العائمة كان كافيا للإعلان عن تأجيل ثالث إلى الربع الثالث من نفس العام ليعلن أخيرا عن ترقبه في الربع الأول من العام الجاري، وأن أول شحنة منه رأت النور.

 

نتحدث هنا فقط عن حقل غاز السلحفاة الكبيرة / أحميم، الذي يبلغ عمقه 2700 متر، في حين يبلغ احتياطيه 450 مليار متر مكعب، أي ما يمثل حوالي 15% من احتياطيات غاز نيجيريا.

 

وتُقدر احتياطات الحقل بـ25 تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي عالي الجودة في هذه المنطقة، وتمتاز السوق الجديدة للغاز المسال بميزات عديدة تجعلها مفضَّلة للمنتجين والمسوقين الكبار في السوق الدولية مما يغريهم بشكل أكبر بالاستثمار في منطقة الاكتشافات الجديدة، ومن هذه الميزات:

- الجودة والنقاء،

- سهولة الاستخراج، وانخفاض تكلفة الإنتاج،

- القرب من أوروبا وأميركا وهي الأسواق الأكثر استهلاكًا للغاز.

 

التقديرات تُشير إلى أن عائدات الغاز على البلدين خلال العقد الأول من الإنتاج حوالي أربعة عشر مليار دولار فضلًا عن الفوائد الأخرى الناتجة عن حجم استثمار الشركات والتي ستنعكس إيجابيا الجوانب الاقتصادية والاجتماعية؛ فشركة كوزموس إنرجي التزمت بموجب الاتفاق بتدخل اجتماعي بقيمة استثمارية تصل 30 مليار دولار في مجالي التعليم والصحة في الدولتين، ويتوقع أن تحظى موريتانيا منها بألف ومئتي مدرسة وثلاثين مستشفى.

 

ومن الفوائد الاقتصادية الأخرى توفير آلاف فرص العمل المباشرة، فضلًا عن استفادة البلدين من إنتاج الكهرباء من الغاز لغرض الاستهلاك الداخلي وحتى التصدير الخارجي.

 

استخدم الإنسان الغاز الطبيعي مصدراً للوقود لأول مرة في عام 1785م في بريطانيا، حيث استخدم البريطانيون الغاز الطبيعي الناتج من اشتعال الفحم لإنارة المنازل والشوارع، ومنذ ذلك الحين يعتبر الغاز الطبيعي مصدراً هاماً للطاقة، إلا أن لاستخدامه أثراً على البيئة نذكر منها:

 

- تأثير استغلال الغاز على الغلاف الجوي: إن أحد أكبر سلبيات استخدام الغاز الطبيعي مصدراً للوقود، هو انبعاث غاز ثاني أكسيد الكربون الضار بالغلاف الجوي من احتراقه، مما يؤدي على المدى الطويل في تغير المناخ وحدوث الاحترار العالمي، بالإضافة إلى ثاني أكسيد النيتروجين وثاني أكسيد الكبريت والهيدروكربونات العطرية متعددة الحلقات وأول أكسيد الكربون والمركبات العضوية المتطايرة.

 

- التأثير على مصادر المياه: حيث يؤدي استخدام الغاز الطبيعي إلى تلوث الماء، فعندما يتسرب بعض الغاز إلى الهواء، يؤدي ذلك إلى تسمم المياه القريبة منه، وهو الماء الذي تعتمد عليه الكائنات الحية كمصدر للشرب، مما يؤثر سلباً على صحة الإنسان والحيوان والنباتات والنظم البيئية.

 

- تأثير الغاز الطبيعي على التربة: يؤثر الغاز الطبيعي على التربة العميقة بشكل أكبر من تأثير على التربية السطحية، وذلك بسبب سرعة تبخره في الهواء، أما في أعماق التربة، فإن تسرب الغاز من الأنابيب الموجودة تحت الأرض إلى التربة يؤدي إلى تسميمها، فتختنق جذور النباتات والأشجار في المنطقة الملوثة.

 

- تأثير الغاز الطبيعي على صحة الإنسان: يترتب على التعرض للغاز الطبيعي تأثير سلبي خطير على صحة الإنسان، كإصابته بالسرطان، وانخفاض وظائف الرئة، ومشاكل الربو والجهاز التنفسي عنده، ومرض الانسداد الرئوي المزمن، وأعراض أمراض القلب، وتلف الجهاز العصبي، وتأخر النمو العصبي عند الأطفال والوفاة المبكرة، ووجد أن أكثر الناس تأثراً بالغاز الطبيعي هم الأطفال وكبار السن والمدخنين.

 

إن قياس مدى تأثير استغلال الغاز على البيئة يعتمد على ثلاثة أمور رئيسية، هي:

- طريقة الحفر لاستخراج الغاز الطبيعي من الأعماق،

- طريقة نقل الغاز من منطقة إلى أخرى،

- طريقة حرق الغاز الطبيعي واستهلاكه.

 

يعتبر الغاز الطبيعي أقل أنواع الوقود الأحفوري تلويثاً للبيئة، مقارنة بغيره من أنواع الوقود الأخرى، وذلك لأنه عند احتراقه، ينتج عنه كمية من غاز ثاني أكسيد الكربون (CO₂) بنسبة أقل بكثير من تلك الناتجة من عملية احتراق النفط العادي، أو الصادرة من محطات الطاقة التي تعمل بالفحم.

 

لكننا في موريتانيا نُطالب الشركات المسؤولة عن المشروع بضرورة التقيد بالإجراءات الوقائية والنظم البيئية العالمية في المجال، ونُطالب الجهات الحكومية بوضع ترسانة قانونية رادعة لمواجهة التأثيرات البيئية المحتملة، والاستثمار في الكوادر البشرية وجمعيات المجتمع المدني المتخصصة في المجال البيئي، لمواجهة المخاطر البيئية التي قد تحدث في أي لحظة.