مقدمة
يُعتبر مندوب العمال ممثلاً أساسيًا للعمال داخل المؤسسات، حيث يضطلع بمهمة الدفاع عن حقوقهم وتمثيل مطالبهم أمام الإدارة. ولضمان استقلاليته، أعطت القوانين الوطنية والاتفاقيات الدولية حماية خاصة له، مستندة إلى مبادئ العدالة المهنية والشرعية النقابية.
إلا أن الواقع العملي يكشف عن ممارسات قد تفرغ هذه الحماية من مضمونها، ومن أبرزها نقل مندوب العمال خارج دائرته المنتخبة، وهو ما يستدعي التوقف عند مدى مشروعية هذا الإجراء.
أولاً: عدم مشروعية نقل مندوب العمال خارج دائرته المنتخبة
يُعد انتخاب مندوب العمال إجراءً جوهريًا يمنحه مركزًا قانونيًا خاصًا، يمنع أي قرار إداري من التأثير على ممارسته لمهامه إلا وفق مبررات قانونية مشروعة.
وقد أكدت المادة 68 من الاتفاقية الجماعية الموريتانية على هذه الحماية، حيث نصت على:
"ولا يجوز نقله خلال مدة انتدابه خلافًا لرغبته إلا بعد موافقة مفتش الشغل المختص."
ويعني ذلك أن أي قرار إداري بنقل المندوب دون رضاه ومن دون الحصول على موافقة مفتش الشغل يُعد غير مشروع قانونيًا، مما يجعله عرضةً للبطلان الإداري والقضائي.
كما أن المادة 118 من مدونة الشغل الموريتانية تنص على أن انتخاب مندوب العمال يتم داخل منشأة محددة، وبالتالي فإن نقله إلى منشأة أخرى دون مبرر قانوني يمثل خروجًا عن الإطار القانوني الذي تم انتخابه فيه، مما يجعله إجراءً تعسفيًا يهدف إلى تقييد نشاطه النقابي.
وفي هذا الإطار، عرّفت المادة 101 من مدونة الشغل الموريتانية المؤسسة والمنشأة على النحو التالي:
"كل شخص طبيعي أو اعتباري من القانون الخاص أو العام، يستخدم عاملاً أو عدة عمال يشكل مؤسسة. وتشمل المؤسسة منشأة أو عدة منشآت، وتتكون كل منشأة من شخص أو من مجموعة من الأشخاص يعملون معًا، في مكان معين، تحت سلطة مشتركة، ورئيس المنشأة ممثل المؤسسة."
وبما أن المنشأة وحدة مستقلة داخل المؤسسة، فإن نقل مندوب العمال من منشأته الأصلية إلى منشأة أخرى دون مبررات قانونية مشروعة يُعد انحرافًا بالسلطة، حيث إنه يؤثر جوهريًا على ظروف ممارسته لمهامه التمثيلية. فإذا ثبت أن النقل تم بقصد إضعاف العمل النقابي أو عزله عن زملائه، فإنه يكون مصدراً للتعويض عن الأضرار المهنية والمعنوية التي قد تلحق بالمندوب نتيجة لهذا القرار.
كما تعزز المادة 131 من مدونة الشغل هذه الحماية، حيث نصت على أنه:
*"تسري أحكام هذا القسم:
• على مندوبي العمال الأصليين والاحتياطيين المباشرين لمهامهم.
• على المترشحين لمهام مندوبي العمال خلال الفترة الواقعة بين تاريخ تقديم القوائم إلى رئيس المؤسسة وتاريخ الاقتراع.
• على مندوبي العمال خلال الفترة الواقعة بين نهاية عضويتهم وانتهاء الستة أشهر التالية للاقتراع."*
وهذا يؤكد أن حماية المندوب لا تقتصر فقط على فترة انتدابه، بل تمتد إلى مراحل أخرى، مما يعزز مناعة المندوب ضد أي إجراء تعسفي يهدف إلى التأثير على نشاطه النقابي.
ثانيًا: النقل التعسفي في ضوء المبادئ القانونية الدولية والأعراف المهنية
ولا يقتصر عدم مشروعية نقل مندوب العمال على التشريعات الوطنية فحسب، بل يمتد ليشمل المبادئ القانونية الدولية والأعراف المهنية التي ترسخ حماية الممثلين النقابيين.
تؤكد الاتفاقيات الدولية الصادرة عن منظمة العمل الدولية، خاصة الاتفاقيتين رقم 87 و98، على ضرورة حماية ممثلي العمال من أي إجراء إداري قد يؤثر على استقلاليتهم أو يحد من قدرتهم على تمثيل زملائهم.
كما أن الأعراف المهنية تؤكد أن نقل مندوب العمال دون موافقته يُعد انتهاكًا صريحًا للحماية النقابية، إذ أن بقاءه في محيطه المهني الأصلي ضروري لاستمرارية دوره التمثيلي.
وفي هذا السياق، توفر المادة 68 من الاتفاقية الجماعية الموريتانية ضمانة إضافية، حيث لا تكتفي بمنع النقل التعسفي، بل تؤكد على عدم تأثير ممارسة المندوب لوظيفته الانتدابية على ترقيته أو رفع أجره، مما يضمن عدم المساس بحقوقه المهنية بسبب نشاطه النقابي.
ثالثًا: الأثر القانوني للإجراء التعسفي وسبل الطعن فيه
وبالنظر إلى خطورة النقل التعسفي على استقلالية مندوب العمال، يترتب على هذا الإجراء آثار قانونية متعددة، تتيح للمتضرر إمكانية الطعن فيه عبر المسارات القانونية المتاحة.
استنادًا إلى القوانين الوطنية والمعايير الدولية، يحق للمندوب العمالي الذي تم نقله خارج دائرته المنتخبة اللجوء إلى القضاء والإدارات المختصة للطعن في القرار، وذلك عبر:
• إلغاء القرار لعدم المشروعية، نظرًا لمخالفته لنصوص مدونة الشغل الموريتانية والاتفاقيات الجماعية.
• إعادة المندوب إلى منصبه الأصلي لضمان استمرارية دوره النقابي.
• المطالبة بالتعويض عن الأضرار المهنية والمعنوية، إذا ثبت أن النقل كان يهدف إلى التضييق على النشاط النقابي.
ويمكن للمندوب العمالي تقديم الطعن أمام مفتشية العمل أو القضاء الإداري، للمطالبة بـ إلغاء القرار التعسفي وإعادته إلى منصبه، مع التعويض عن أي أضرار لحقت به نتيجة النقل التعسفي.
تأسيسًا على ما سبق
وانطلاقًا من هذه الضمانات القانونية الوطنية والدولية، يصبح من الضروري التصدي لأي تجاوز يمس الحماية النقابية، وهو ما يقتضي البحث في سبل الطعن وضمانات إعادة الأمور إلى نصابها.
ويتضح أن المادة 68 من الاتفاقية الجماعية الموريتانية تشكل حجر الأساس في حماية مندوبي العمال، حيث تنص صراحةً على أن نقلهم خلال مدة انتدابهم لا يجوز إلا بموافقتهم أو بعد الحصول على موافقة مفتش الشغل المختص.
وبما أن مبدأ الأمان القانوني والاستقرار المهني يقتضي تمتع مندوب العمال بحماية قانونية فعالة ضد أي إجراء يؤثر على دوره التمثيلي، فإن أي قرار إداري يتعارض مع هذه المبادئ يجب أن يخضع للطعن والمساءلة القانونية، حفاظًا على نزاهة التمثيل النقابي ومنع أي تجاوزات قد تؤثر على استقلاليته.
محمد محمود الناجي
مندوب عمالي لدى الشركة الوطنية للماء