التمثيلية النقابية بين الشفافية وتحكم الإدارة

جمعة, 2025/02/07 - 19:30
محمدن الرباني - الأمين العام الكونفدرالية الوطنية للشغيلة الموريتانية

صادق مجلس الوزراء مع مطلع شهر نوفمبر 2024 على بيان يقضي بتنظيم التمثيلية النقابية.
ولقد بعث هذا البيان امل المنظمات الجادة المتعطشة لإجراء التمثيلية النقابية بموضوعية وشفافية وحياد من الإدارة.
غير ان هذا الأمل كاد يتلاشى بعد تلقي اعضاء المجلس الوطني للشغل والتشغيل والضمان الاجتماعي دعوة لدورة تناقش مشروعا لتعديل المرسوم 156- 2014 يوم 25 نوفمبر، وذلك بسبب ما حمل من مقترحات بعيدة من الموضوعية والواقعية.
وتجدد الأمل مع التعاطي الإيجابي للسلطات مع الرسالة الموقعة من 36 مركزية نقابية، وتمثل ذلك التعاطي الإيجابي في لقاءات وزير الوظيفة العمومية والعمل والوزير الأول للمركزيات النقابية وتأكيدهما أن الحكومة ستأخذ برأي الجميع وستعمل على تنظيم المسار بأكبر قدر من التوافق والموضوعية والشفافية والحياد.
ولأن اللجنة الفنية نصبت تنصيبا رسميا يوم 31 يناير 2025، وهو ما يعني الانطلاقة العملية لهذا المسار، فإننا تحملا للمسؤولية سنعرض في هذا المقال تنويرا للرأي العام عموما وللعمال خصوصا حول الإجراءات اللازمة لتنظيم تمثيلية نقابية شفافة وموضوعية، وبيان مدى أهمية المنظمات النقابية الأكثر تمثيلا.
أولا- الإجراءات اللازمة لتنظيم تمثيلية نقابية شفافة وموضوعية
1-    ضرورة مراجعة بعض مقتضيات مدونة الشغل، خاصة المادة 120 التي تحصر الترشح لانتخابات مندوبي العمال على النقابات الأكثر تمثيلا، فقد جاء في نصها: "في الدورة الانتخابية الأولى، تعد كل قائمة من طرف المنظمة المهنية الأكثر تمثيلا في كل منشأة بالنسبة لكل فئة من فئات العمال" وتحديد النقابات الأكثر تمثيلا مسؤولية الوزير المكلف بالعمل كما تنص المادة 90  من المدونة "یحدد الطابع التمثیلي لنقابة أو لتنظیم مھني من طرف وزیر الشغل الذي یجمع كافة عناصر التقدیر مع أخذ رأي المصالح المعنیة لإدارة الشغل، ویتم تقدیر التمثیلیة على أساس المعاییر المقررة بموجب المادة 265" وهذا التحديد لم يحدث مطلقا، مما يعني عدم وجود نقابات أكثر تمثيلا.
2-    عدم اعتبار المندوبين المنتخبين خارج مسار التمثيلية لاعتبارات أساسية منها:
-    أن الانتخابات التي كانت تجرى مخالفة في معظمها لمقتضيات المادة 120 من مدونة الشغل كما بينا في الفقرة السابقة، ولا يمكن أن تؤسس تمثيلية شرعية على انتخابات أقل ما يقال فيها إنها محل جدل قانوني منذ عقود.
-    أنه على افتراض أن الانتخابات مفتوحة في غياب النقابات الأكثر تمثيلا أمام جميع المنظمات النقابية المتشكلة قانونيا في شعبة النشاط المهني للمؤسسة، فإن جل المؤسسات لا تبلغ أغلب المنظمات النقابية نيتها تنظيم الانتخابات. وبلغ الأمر اوجه حين جرت انتخابات مكثفة في السنة الماضية 2024 بناء على رسائل متكتم عليها من مفتشي الشغل، لم تشعر بها المنظمات النقابية، فضلا عما شاب كثيرا منها من شوائب.
3-    ضرورة أن تكون الانتخابات مباشرة في القطاع الخاص كما هو التوجه في القطاع العام، بأن يحدد يوم وطني أو أيام للانتخابات العمالية في القطاعين العام والخاص، وهذا هو مقتضى أغلب المحاضر المشتركة والتعهدات السابقة يين الشركاء، وهو الموقف الذي تعبر عنه أغلب المركزيات. 
4-    ضرورة إبقاء النسب المشترطة في التمثيل كما هي منصوصة في المرسوم 156/2014 دون رفع، إلا على مستوى الوظيفة العمومية التي ينبغي أن تكون النسبة فيها 10% كما هو في  الحال في نسبة التمثيل على مستوى المؤسسة حسب المرسوم. 
5- ضرورة تحديد اللائحتين الانتخابيتين في القطاعين ووضعهما تحت تصرف المنظمات النقابية، للتأكد من شفافية الموضوع.
ثانيا - أهمية المنظمات الأكثر تمثيلا:
لإدراك خطورة استحقاق إفراز النقابات الأكثر تمثيلا، يكفي أن نطلع على بعض مميزات هذه النقابات:
1-    النقابات الأكثر تمثيلا هي وحدها التي يحق لها أن تفاوض باسم العمال وأن توقع باسمهم.
2-    وهي وحدها التي يحق لها التمثيل في الهيئات والمجالس الاستشارية كالمجلس الأعلى للوظيفة العمومية والإصلاح الإداري (المادة 25 من قانون الوظيفة العمومية 09/ 93) والمجلس الوطني للشغل والتشغيل والضمان الاجتماعي (المادة 417 من المدونة) والمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي وعضوية محاكم الشغل والتمثيل على المستوى الدولي...
3-    وهي وحدها التي يحق لها الترشح لانتخابات مندوبي العمال في الشوط الأول (المادة 120 من المدونة)
4-    وهي وحدها التي يحق لها إعلان الإضراب على مستوى نقابات الموظفين (المادة 03 من قانون ممارسة الإضراب في المرافق العمومية 09/2015) فلا يمكن لنقابة في التعليم أو الصحة ان تعلن الإضراب ما لم تكن نقابة أكثر تمثيلا.
وعموما فإن ما سوى النقابات الأكثر تمثيلا يصير بقوة القانون اشبه بالنقابات الكرتونية، عديمة الجدوى ويجعلها معرضة للتلاشي بعد أول استحقاق.
إن التمثيلية النقابية من الأهمية والحساسية بالمكانة التي لا تقبل التلاعب، ولا البناء على أسس منهارة، وبناء عليه فإنه لا مجال للأمور المعلبة ولا المعدة سلفا في تنظيم تمثيلية قانونية موضوعية شفافة، يفترض أن تقف الإدارة فيها موقف الحياد، وتحمل المسؤولية في إحقاق الحق وإرساء أسس  العدل والإنصاف.
ورغم تصريحات الوزير الأول ووزير الوظيفة العمومية والعمل المطمئنة، إلا أنه لا يمكن إخفاء الانزعاج من بعض المؤشرات المقلقة على سلامة هذا الاستحقاق والمتمثلة حتى الآن فيما يلي:
1- غياب تمثيل المنظمات النقابية في اللجنتين الوزارية والفنية المكلفتين بالموضوع.
2- عدم نص خارطة الطريق المعلنة على تعديل مدونة الشغل.
3- حديث المسؤولين عن التوجه لاعتماد المندوبين المنتخبين خارج مسار التمثيلية في القطاع الخاص.
وختاما فإننا نهيب بالعمال أن يدركوا حساسية الاستحقاق، وأن يتابعوا الحدث بما يستحق من المواكبة، وان يدركوا ما له من دور في تحديد مستقبلهم، وليعلموا أن مكانة وطبيعة النقابات بعد التمثيلية النقابية سيختلف اختلافا جذريا عما كان قبلها، فإما أن يكون ما بعد التمثيلية عهد منظمات نقابية قوية جادة، وإما أن يكون عهد تدجين وتحكم، دون خشية إحراج الاحتجاجات النقابية التي تقض مضاجع المفسدين، وتنتزع منهم مكاسب، ما كانت لتتحق لولا تلك الاحتجاجات، ولقد كان ذلك رغم ما كان عليه العمل النقابي من فوضى وضعف، فكيف به إذا تنظم واستوى على سوقه؟
محمدن الرباني الأمين العام للكونفدرالية الوطنية للشغيلة الموريتانية CNTM.