سيرة ذاتية للإمام حسن البنا في ذكرى اغتياله/ الشيخ الأمين مزيد

ثلاثاء, 2025/02/11 - 16:30
الشيخ الدكتور/ محمد الأمين مزيد - مؤلف وأستاذ جامعي

الحمد لله
 هو : حسن أحمد بن عبد الرحمن بن محمد البنا الساعاتي.
نشأته:
ولد حسن البنا سنة1324 الموافق 1906بمدينة المحمودية في مصر ،  ونشأ وترعرع في كنف والده أحمد عبد الرحمن ، وهو عالم اشتغل بالحديث وصنف فيه ، وقد قام بعمل عظيم في هذا المجال هو ترتيب مسند الإمام أحمد على الأبواب في كتابه الذي سماه الفتح الرباني في ترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني وله بدائع المنن في جمع وترتيب مسند الشافعي والسنن.
وقد نشأ رحمه الله تعالى نقي الفطرة ، مائلا إلى العبادة ، محبا للخير .
التحق حسن البنا بمدرسة الرشاد الدينية ، ثم التحق بالمدرسة الإعدادية وكانت كما يقول في مذكراته " على غرار المدرسة الابتدائية اليوم بحذف اللغة الأجنبية وإضافة بعض مواد القوانين العقارية ، والمالية ، وطرف من فلاحة البساتين مع التوسع نوعا في دراسة علوم اللغة الوطنية والدين. "
وكان في هذه المدرسة " يقسم وقته بين الدرس نهارا ، وتعلم صناعة الساعات التي أغرم بها بعد الانصراف من المدرسة إلى صلاة العشاء ، ويستذكر هذه الدروس بعد ذلك إلى النوم،  ويحفظ حصته من القرآن الكريم بعد صلاة الصبح ، حتى يذهب إلى المدرسة. "
ثم التحق حسن البنا بمدرسة المعلمين وهو في منتصف الرابعة عشرة ، "وكانت أيامه في هذه المدرسة أيام الاستغراق في عاطفة التصوف والعبادة. "
وضاعف في هذا الاستغراق أن أحد أساتذته كان مثالا من أمثلة التعبد والصلاح والتقوى والتأدب بأدب الطريق .
وكانت تمر به هو وزملاؤه أيام صمت لا يتكلم أحدهم إلا بذكر أو قرآن.
وكانت المدرسة في دمنهور، فكان حسن البنا يعود ظهر الخميس إلى أهله في المحمودية ويتبع نظاما ثابتا شرحه بقوله : " كنت أنزل من قطار الدلتا إلى الدكان مباشرة فأزاول عملي في الساعات إلى قبيل المغرب ، حيث أذهب إلى المنزل لأفطر إذ كان من عادتنا صوم الخميس والاثنين ، ثم إلى المسجد الصغير بعد ذلك للدرس والحضرة ، ثم إلى منزل  الشيخ شلبي الرجال ، أو منزل أحمد أفندي السكري ، للمدارسة والذكر ، ثم إلى المسجد لصلاة الفجر ، وبعد ذلك استراحة يعقبها الذهاب إلى الدكان ، وصلاة الجمعة ، والغداء ،والدكان إلى المغرب ، فالمسجد فالمنزل . وفي الصباح إلى المدرسة وهكذا دواليك ، في ترتيب لا أذكر أنه تخلف أسبوعا إلا لضرورة طارئة . "
والتحق حسن البنا بعد ذلك بدار العلوم، " وقبل أن يلتحق بها كان في صراع نفسي عنيف بين  قناعته بأهمية العلم للفرد والجماعة ، وبين تعاليم الغزالي التي تعرف العلم الواجب بأنه العلم المحتاج إليه في أداء الفرائض وكسب العيش ، ثم الانصراف بعد ذلك إلى العمل . "
وانتصر العلم في النهاية .
وحصل على دبلوم دار العلوم سنة  1927 وهو ابن إحدى وعشرين سنة ، وكان ترتيبه الأول , وعين مدرسا في مدينة الإسماعيلية في المدرسة الابتدائية الأميرية في الدرجة السادسة بمرتب 15 جنيها وتسلم عمله في 20/9/1927.
وكان من بين الذين ودعوا حسن البنا رجل ذو تقوى وصلاح فكان مما قال له : " إن الرجل الصالح يترك أثرا صالحا في كل مكان ينزل فيه ، ونحن نأمل أن يترك صديقنا أثرا صالحا في هذا البلد الجديد عليه . "
وكان لهذه الكلمات أثر كبير في نفس حسن البنا .
في مدينة الإسماعيلية:
قضى البنا أربعين يوما في مدينة الإسماعيلية لا يختلط بأحد إنما يشغل وقت فراغه بدراسة هذا الوطن الجديد ، من حيث أهله ومناظره وخصائصه ،  أو مطالعةٍ أو تلاوةٍ .
وقد درس حسن البنا الناس والأوضاع دراسة دقيقة فعرف عوامل التأثير في هذا المجتمع وقد وجدها أربعة :
1. العلماء .
2. وشيوخ الطرق .
3. والأعيان .
4. والأندية .
يقول حسن البنا : " أما العلماء فقد سلكت معهم مسلك الصداقة والتوقير والإجلال الكامل  ، وحرصت ألا أتقدم أحدا منهم في درس أو محاضرة أو خطبة. "
أما شيوخ الطرق فقد شرح طريقته معهم بقوله : " كانت طريقتي مع هؤلاء الشيوخ الكثيرين الذين يزورون الإسماعيلية أن أتأدب معهم بأدب الطريق وأخاطبهم بلسانها، ثم إذا خلونا معا شرحت لكل واحد منهم حال المسلمين، وجهلهم بأوليات دينهم، وتفكك رابطتهم،  وغفلتهم عن مصالحهم الدينية والدنيوية، وما يهددهم من أخطار جسام، في كيانهم الديني بزحف الإلحاد والإباحية على معسكراتهم، وفي كيانهم الدنيوي  بغلبة الأجانب على خيرات بلادهم، وكان المعسكرُ غربَ الإسماعيلية، ومكاتب شركة قناة السويس في شرقها، مددا لا ينضب من الأمثلة على ذلك، ثم أذكرهم بالتبعة التي على كاهلهم لهؤلاء الأتباع الذين وثقوا بهم وأسلموهم قيادهم  ليدلوهم على الله، ويرشدوهم إلى الخير، ثم أطلب إليهم في النهاية أن يوجهوا كل جهودهم إلى إثارة أذهان هؤلاء الناس بالعلم والمعرفة، وإلى التربية الإسلامية الصحيحة، وجمع كلمتهم على عزة الإسلام، والعمل على إعادة مجده. "
وأما الأعيان .. فقد حاول حسن البنا الإصلاح بينهم ، وكانوا متنافسين وحاول أن يكسب صداقتهم جميعا.
وأما النوادي .. فقد كان في الإسماعيلية نادي العمال، وقد استعمله حسن البنا لإلقاء المحاضرات الدينية والاجتماعية والتاريخية.
وهكذا بدأ حسن البنا دعوته على ضوء معرفة كاملة بطبيعة المدعوين .
وقد اتجه إلى الدعوة في المقاهي فاختار ثلاث مقاه كبيرة ليلقي في كل منها درسين في الأسبوع،  وكان يختار موضوع الدرس بعناية.
وقد ظل حسن البنا طيلة حياته يدعو إلى الله، ويتجول في أنحاء القطر المصري لا يترك بلدا إلا زاره، وبات فيه واجتمع بالناس في بيوتهم ومساجدهم.
وقد اكتسب من رحلاته خبرة اجتماعية عظيمة في معرفة الطبائع والميول، وكان يخاطب كل أحد بلغته، فيتحدث إلى الفلاحين والعمال بلغتهم، ويتحدث مع المثقفين وعلماء الدين ورجال التصوف ورجال القانون بلغتهم.
وصفه إحسان عبد القدوس في مقال بعنوان ( الرجل الذي يتبعه نصف مليون) بقوله: "يستقبلك الأستاذ حسن البنا بابتسامة واسعة، وآية من آيات القرآن الكريم يعقبها بيتان من الشعر يختمهما بضحكة كلها بشر وحياة !! والرجل ليس فيه شيء غير عادي، ولو قابلته في الطريق لما استرعى نظرك اللهم إلا بضآلة جسمه ولحيته السوداء التي لا تتلاءم كثيرا مع زيه الإفرنجي وطربوشه الأحمر الغامق، ولن تملك نفسك عن التساؤل كيف استطاع الرجل أن يجمع حوله كل هؤلاء الإخوان؟ وكيف استطاع أن ينظمهم كل هذا التنظيم بحيث إذا عطس فضيلته في القاهرة صاح رئيس شعبة الإخوان في أسوان يرحمكم الله.
ولكنك لن تلبث قليلا حتى تقتنع بأن قوة الرجل في حديثه وفي أسلوبه الهادئ الرزين ، وفي تسلسل أفكاره التي يعبر عنها تعبيرا منطقيا ، وربما كان أغرب ما في حديثه أنه يحس بما يقوم في نفسك من اعتراضات فيجيبك عنها ويفندها لك قبل أن يترك لك الفرصة لتصدمه بها وهو لبق يستطيع أن يحلل شخصيتك ويدرس نفسيتك من النظرة الأولى . "
وكان كاسمه بناء عبقريا في البناء " منظما يعمل في هدوء ويبني في اطمئنان " حكيما في دعوته حريصا على الطاقات بصونها أن تتبدد أو تذهب في غير طائل، وكان يبحث عن الأفراد الصالحين لحمل الدعوة وتبليغها للناس، وتنفيذ تعاليمها.
وقد ظل كذلك إلى أن اغتيل في أحد شوارع القاهرة حوالي الساعة الثامنة  مساء يوم 14/ربيع الثاني 1368الموافق 12/2/1949.
ثم كان اغتيالُ البنا الذي مُهِّد له:
1- باعتقال أشقائه جميعا لاسيما عبد الباسط ضابط البوليس وعدم اعتقاله.
2- تجريده من مسدسه الخاص وسحب رخصته .
3- الاستيلاء على سيارته الخاصة حتى يحد ذلك من حركته ، فيضطر إلى استخدام وسائل المواصلات العامة ، مما يسهل لهم أن يكون تحركه تحت أعينهم .
4- عدم السماح له بمغادرة القاهرة .
5- المراقبة الدائم من البوليس السياسي على منزله .
6- إيهام الأستاذ البنا بأن الحكومة ممثلة في إبراهيم عبد الهادي تريد أن تصل معه إلى اتفاق.
بعد هذه التمهيدات دبرت الحكومة جريمة الاغتيال التي تمت حوالي الساعة الثامنة مساء يوم 12فبراير1949وهو خارج من جمعية الشبان المسلمين بعد أن ضربت له الحكومة فيها موعدا غادرا للتفاوض حول قضية الإخوان المسلمين ، وتم الاغتيال بواسطة ثلاث مخبرين عريقين في الإجرام استُقْــــدما لهذا الغرض ، أطلقا الرصاص على سيارة الأجرة التي استقلها البنا ومرافقه .