
قبل عام من الآن صدع البعض رؤوسنا بالتطبيل والتهليل والتصفيق بعد أن وصلت رئاسة الاتحاد الافريقي إلينا خلال القمة الـ37 للاتحاد والتي تتم بشكل دوري وبالتداول بين الدول، وللمرة الثالثة بعد رئاستنا للقارة في عهد الرئيس الأسبق المختار ولد داداه رحمه الله عام 1972 و 2014 خلال فترة الرئيس محمد ولد عبد العزيز .
وصلت الرئاسة الدورية العام الماضي للاتحاد الإفريقي لشمال القارة حسب الترتيب الداخلي للمنظمة، وهناك ست دول فقط في هذه المنطقة، فنتيجة لصراعهما حول ملف الصحراء الغربية، أصبحت الجزائر والمغرب تلقائيا خارج التنافس على الرئاسة الدورية للاتحاد، كما تم استبعاد تونس بسبب مواقف رئيسها قيس السعيد في حق المهاجرين القادمين من جنوب الصحراء، في حين لا تملك ليبيا حكومة موحدة، ومصر كانت مشغولة بشكل كبير بالعدوان على قطاع غزة وانعكاساته عليها، وهكذا تم اختيار موريتانيا لتعذر وجود بديل .
اليوم وبعد أن انقضت رئاستنا لهذا الاتحاد الافريقي، الذي جمد عضويتنا في عام 2008 بعد انقلاب محمد ولد عبد العزيز ومحمد ولد الشيخ الغزواني على الرئيس المدني المنتخب سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله رحمه الله وقبلها عام 2005 بعد انقلاب هؤلاء الضباط على معاوية ولد سيد أحمد الطايع، وبعد عام كامل من المشاركات في معظم القمم الاقليمية والدولية مثل :
قمة رؤساء الدول الإفريقية والمؤسسة الدولية للتنمية/ نيروبي في أثيوبيا
قمة منظمة العالمية في دورتها السابعة والسبعين بجنيف في سويسرا
قمة كوريا الجنوبية وإفريقيا - سيول في كوريا الجنوبية
قمة مجموعة السبع الكبرى -إيطاليا
الاجتماع التنسيقي نصف السنوي للاتحاد الإفريقي -أكرا في غانا
قمة الإفريقية الصينية (فوكاك) -بكين في الصين
قمة المسقبل (رؤية إفريقيا للحلول العالمية) -نيويورك في الولايات المتحدة الأمريكية
قمة الجمعية العامة للأمم المتحدة - نيويورك في الولايات المتحدة الأمريكية
قمة المنظمة الدولية الفرانكفونية - باريس في فرنسا
قمة بريكس -روسيا
القمة الاقتصادي الإفريقية - آبيدجان في الكوت ديفوار
قمة المناخ COP29 - باكو في أذربيجان
قمة مجموعة الـ20 -الأرجنتين
قمة الرؤساء الأفارقة حول الطاقة بدار السلام تانزانيا
ثم مشاركنا في نشاطات واجتماعات اقليمية ودولية مثل :
المشاركة في ذكرى إبادة التوتسي في رواندا بجانب رئيس الكيان الصهيوني الذي لا يعترف الاتحاد بكيانه المحتل
مؤتمر الاستدامة - هامبورغ في ألمانيا
اجتماع لجنة الاتحاد الإفريقي حول ليبيا - طرابلس
حفل إطلاق الاستراتيجية الإسبانية بإفريقيا - مدريد في اسبانيا
ثم تنظيمنا لقمم ونشاطات كبيرة في واكشوط مثل :
اجتماع المؤسسات المالية الإفريقية
قمة مكافحة الأوبئة في أفريقيا والأمراض المستجدة
قمة نواكشوط حول التعليم والتشغيل بإفريقيا
يمكننا القول أن دبلوماسيتنا لم تنجح خلال هذه السنة، فخلال خطاب تسلم ولد الغزواني لرئاسة الإتحاد قبل عام حدد معالم خارطة الطريق وأهداف أربعة ينوي تحقيقها خلال مأموريته :
مجال التعليم
إنهاء ووقف الحروب بالقارة
مجال الإقتصاد
الأمن الغذائي
إنتهت المأمورية ولم يتحقق أي هدف من الأهداف الأربعة
فمثلا تعتبر الازمات والحروب هي التحدي الأكبر للقارة حيث فشلنا في احتواء الأزمات التي تهدد استقرار القارة مثل الحرب في السودان والكونغو الديمقراطية، كما فشلنا كلياً في إدارة الأزمات السياسية في دول الجوار مثل ليبيا، تشاد، النيجر، بوركينا فاسو، ومالي، ولا حتى الصراعات الموجودة بين بعض هذه البلدان الشقيقة ومجموعة دول غرب إفريقيا (إيكواس)، فشلنا في قيادة اية وساطة رغم أزمات القارة الملتهبة وكانت الوساطة الوحيدة التي حاولنا هي في ليبيا حيث زار رئيس الجمهورية العاصمة الليبية طرابلس وترأس خلالها مهمة تقوم بها لجنة الاتحاد الأفريقي الرفيعة المستوى بشأن ليبيا في إطار نداء برازافيل من أجل تسريع عملية السلام والمصالحة في ليبيا، ثم قابل رئيس الوزراء الليبي عبد الحميد الدبيبة، وامضى عدة ايام في البلد لكن سلطات شرق ليبيا بقيادة المشير خليفة حفتر رفضت استقباله، في ظل تكتم اعلامي عن السبب في ذلك، كما فشلنا في المحافظة على بقاء مجموعة دول الساحل الخمس .
كما كان ملفتةً في هذه السنة هو كيف لجأت منظمة السيداو او ايكواس للرئيس السنغالي للوساطة مع دول الساحل الثلاث : مالي وبوركينا والنيجر من جهة، ومنظمة السيداو من جهة أخرى، وهذا على الرغم من أن السنغال عضو في السيداو أصلا ولا يتوقع مبدئيا أن تقود وساطة، ولكن الحقيقة هي أن السيداو كانت تتوقع مبادرة من رئيس الإتحاد الإفريقي محمد ولد الشيخ الغزواني، على الرغم من كون بلادنا كانت من بين البلدان المؤسسة للمنظمة وترتبط بعلاقات قوية مع كل بلدان المنطقة .
كما فشلت دبلوماسيتنا في انجاح السيدة كمبا با خلال ترشحها لمنصب مدير المركز الإفريقي للبحوث الإدارية والتنموية الذي يوجد مقره في الرباط بالمغرب وخسرت أمام البنيني كوفي دييدوني أسوفي .
وخلال هذه السنة لاحظ بعض الدبلوماسيين أن رئاسة ولد الغزواني أصابت أجهزة الإتحاد الإفريقي ديناميكياً، فمثلا جرت العادة أن يجتمع مجلس الممثلين الدائمين في اديس بابا مرتين في الشهر على الاقل، وخلال رئاسة غزواني لم يجتمع الممثلون إلا مرتين خلال أول أربعة أشهر من فترة رئاسة ولد الغزواني .
ولا يمكن الحديث عن الفشل الذريع لدبلوماسيتنا دون الحديث عن احد الأسباب الرئيسية في ذلك وهو ضعف التكوين الدبلوماسي لدى سفيرة موريتانيا لدى إثيوبيا، والمندوبة الدائمة لدى الاتحاد الإفريقي، خديجة امبارك فال، خريجة الثانوية التجارية في نواكشوط والتي لا علاقة لها بالدبلوماسية، كما أنها لاتتحدث الانكليزية في حين أن الإجتماعات الخاصة بلجان المنظمة تجري عادة باللغة الإنجليزية وجميع الوفود تعمل على الوثائق في صيغتها الإنجليزية مباشرة، و نتيجة لعدم كفاءتها عطلت عمل مجلس السفراء الدائمين في أديس أبابا، وتشاجرت مع بعض موظفي مفوضية الإتحاد الإفريقي ولم تتعرض للمساءلة أو الإقالة نظرا لعلاقة المصاهرة التي كانت تربطها بوزير الخارجية ولد مرزوك.
والغريب أنه لا أحد من المسؤولين حاليا في رئاستنا للإتحاد الإفريقي مهني ينتمي للحقل الدبلوماسي، ولا أحد منهم يتحدث اللغة الإنجليزية، وينطبق ذلك على وزير الخارجية نفسه، وعلى سفيرتنا في الإتحاد الإفريقي وكذلك على كل طاقم رئاسة الجمهورية .
وقبل أسابيع قليلة نشرت صحيفة أفريكا انتلجنس مقالا تحت عنوان بـ"غزواني والاتحاد الإفريقي، الفرصة الضائعة " واستغربت كيف كانت رئاسته أسوء من رئاسة القمري آزالي أوسوماني، والتي كانت تعتبر الأسوء في تاريخ الإتحاد الإفريقي .
وهذا الأسبوع، وفي مؤتمر اديس أبابا وخلال عملية تحضير تسليم الرئاسة لرئيس جمهورية أنغولا جواو لورينس، و قدم ولد الغزواني خطاباً عن ماذا فعلت موريتانيا للاتحاد الإفريقي خلال عام ، والذي ضم بين دفتيه ماسماه إنجازات، لكن الغريب أن هذا الخطاب لم يتحدث عن مساهمة أو حتى محاولة ولد الغزواني حل الأزمة السياسية الخانقة في بلده الأم موريتانيا .
كان يفترض بولد الغزواني أن يعطي نموذجًا في إدارة خلافاته مع خصومه السياسيين في مأموريته على رأس هذه المنظمة وهو خليفة رئيس جزر القمر غزالي عثماني صاحب المسيرة السياسية الغير معهودة في بلاده، وعلى العكس من ذلك كانت بلادنا تعيش على جو مشحون بالخلافات والاضطرابات السياسية شهدت البلاد خلالها تنظيم انتخابات لم تكن نزيهة وشفافة ولم يعترف معظم المترشحين بنتائجها وأدت إلى أزمة سياسية . ويضاف إلى ذالك زيادة الاعتقالات السياسية والتعسفية وانتهاكات حقوق الانسان، والتي كان من أبرزها رفع الحصانة عن صاحب المرتبة الثاني في اخر ثلاث انتخابات رئاسية والحاصل على جائزة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان " فرونت لاين ديفندرز " 2013 لأبرز المدافعين عن حقوق الإنسان في العالم والمناهض لظاهرة العبودية في البلاد بيرام ولد الداه ولد اعبيدي، وذلك رغم خطورة فتح الباب أمام رفع الحصانة عن نواب لمعارضة والتي حدثت مرتين في ظل حكم ولد الغزواني وفي أقل من سنة .
وفي اللحظات الأحيرة من رئاستنا للاتحاد الافريقي شاهد العالم كيف حولت سفيرة بلادنا قاعة المؤتمر إلى قاعة حفلات من خلال الزغاريد التي أطلقتها داخل القاعة مما أثار ضجة داخل وخارج البلاد .
والان هل يمكن لأحدكم أن يخبرنا ماذا جنينا من هذه الرئاسة التي كلفت الحكومة ورئاسة الجمهورية مبالغ طائلة من أموال الشعب ؟
هل حصلنا بفضلها على مشاريع اقتصادية وتنموية ؟
هل حالنا أحسن الآن أم قبل رئاستنا للاتحاد ؟
هل تغير الوضع في افريقيا أو احد بلدانها ؟
هل نجحنا في وساطة في القارة ؟
يمكننا القول أن مأموريتنا كانت سيئة وذلك يعود لضعف الدبلوماسية الموريتانية وعدم التأثير في المحافل الدولية والإقليمية، وخير دليل على ذلك أيضاً هو الفشل في انجاح 6 موريتانيين ترشحوا في السنوات الثلاث الأولى من حكم ولد الغزواني أمام مرشحين من دول ذات دبلوماسية قوية في القارة، بينما كان يمكن لنفقات أسفار محمد ولد الشيخ الغزواني خلال هذه الفترة القضاء على أزمة العطش والكهرباء في بلادنا ولربما التعليم والصحة كذلك، حيث أمضى ولد الغزواني 60 يوماً من سنة رئاسته للاتحاد الافريقي خارج موريتانيا و زار خلالها 23 بلداً وكلها على نفقة الشعب الموريتاني .
واللهم إنا لا نسألك رد القضاء، ولكن نسألك اللطف فيه .