مريم جالو سيدة الأمهات في موريتانيا (لقاء حصري)

اثنين, 2015/08/10 - 16:11
المرحومة مريم جالو

ليست هذه المرة كسابقاتها فبعد سفرها لآخر مرة إلى أميركا طلبا للعلاج والتداوي كانت على موعد مضبوط مع الأجل، إنها السيدة مريم جالو تركت خلفها أبناءها الذين يصل عددهم إلى العشرات، وهم في الحقيقة أبناؤها بالتبني، توفيت هذه السيدة قبل يومين بعد معاناة طويلة مع المرض ربت خلالها وقبلها في غرف بيتها عشرات الأطفال الموريتانيين الذين كبروا ليكونوا فاعلين، دكاترة ومهندسين وموظفين مرموقين.

 

توفيت "مريم جالو" بعد أن أحيت في قلوب عديدين نموذج المرأة الإنسانة .. التي ضحت بمالها وبوقتها بل وبعمرها من أجل ضم مجموعة من الأطفال المشردين، هي سيدة بلغت من الكبر عتيا تربت يتيمة الأب وعاشت في كنف والدتها و جدتها اللائي وفرن لها كل متطلبات الحياة فتعلمت، وحصلت على شهادة في التمريض مكنتها من شغل وظيفة ممرضة رئيسية بالمستشفى.

 

تاريخ مع العمل الطوعي

 

ومنذ أن كانت طفلة في سن 10 حلمت بأن تتمكن من مساعدة الأطفال المحتاجين، ودعمتها والدتها في ذلك و في سنة 1968 بدأ حلمها يتحقق حيث تبنت أول طفل في تلك السنة لتتسارع وتيرة حصولها على الأطفال الأيتام بعد العثور عليهم في الأماكن العامة على حافة الطرق وقرب المستشفيات والمخابز، وفي كل مرة كانت تحصل فيها على طفل تحس بأنها أنجبت طفلا أخر لكونها أما لجميع الموجودين في دارها التي وفرت غرفها لإيوائهم.

 

تقول مريم جلو في حديث مع السراج "إنه ليس بمقدور أم أن ترمي صغيرها في الشارع خوفا من العار" مؤكدة عدم معرفتها لدوافع تلك الأمهات الحقيقية وراء ما قامن به" متخوفة من "الحكم عليهن وهي لم تعرفهن لتفعل ذلك" وذاك ما جعل عديدين يعتبرونها سيدة التسامح والإنسانية والوطنية فلا يخفى على الرائي أن الأطفال الذين تتبناهم وترعاهم متنوعي الألوان والأعراق.

 

وتضيف مريم جالو في مقابلة معها خصت بها "السراج" قبيل أشهر قليلة من وفاتها "أنها تحمد الله على نعمة كونها أما لعشرات الشباب والشابات وأن مكنها الله من تربية كل هؤلاء الرجال والنساء" وأنها في هذه الأيام يصل عدد الذين تؤويهم في بيتها إلى ثلاثين.

 

سيدة الأمهات

وتستدعي مريم جالو شريط الذكريات وقد ارتسمت ابتسامة على محياها كيف كانت تسهر وهي في قمة التعب بسب مرض أحد هؤلاء الأطفال تقول "تخيلي أنك أم لـ 20 طفلا تنامين بينهم وتعدين لهم حليب الرضاعة وتغيرين لهم الحفاظات"، تقول ذلك وقد رفعت رأسها وهي تسرد ما حققته من خدمات إنسانية جعلتها عملا إلزاميا على نفسها غير متناسية الإرهاق الذي سببه ذلك.

 

 لم تكن مريم جالو صاحبة ملجإ لليتامى والأطفال المشردين، وإنما كانت خادمتهم ومربيتهم وهو ما أهلها بانفراد أن يطلق عليها إسم "سيدة الأمهات".

 

 تقول السيدة جالو "إن من الصعب لدى أمهات اليوم أن يعتنين بطفل واحد بدون انزعاج وتأفف، وهي كانت تقوم أحيانا بحضانة ورعاية 4 أطفال كلهم من مواليد شهر واحد، كما كانت مسؤولة عن كل ما يخصهم"، مؤكدة "أنهم تعلموا الحبو والكلام وخطوا أولى خطواتهم أمام عينيها وهم ينادونها "نان" والتي تعني أمي.

 

مربية أجيال

تقول مريم جالو "إن من بين الأطفال الذين ربتهم في بيتها واعتنت بهم حتى كبروا دكاترة أطباء وموظفون مؤكدة أن العديد منهم يعمل في مجالات متنوعة، وأنهم يهتمون ويعتنون بها حين كبرت وصارت تقترب من نهاية مشوار الحياة بخطى شبيهة بخطوات أبنائها متعددي الألوان والسحنات كان يمكن أن يتعثرون في مدارج الطفولة تقول السيدة جالو في حديثها للسراج " هاجر عدد منهم للعمل في الخارج وخصوصا أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية وقد يسر لي أحد أبنائي هؤلاء سفر علاج إلى أمريكا حين مرضت، و"ساغدر بعد يومين" تقول مريم جلو "لم أحس يوما بانزعاج من أي واحد من أطفالي الذين ربيت في بيتي كما يستحيل أن تغضب أم من تصرف أبنائها وهو ما يحصل مع بعض الأمهات العاديات".

 

تضج عبارات مريم جالو بالعواطف الجياشة ومشاعر الأمومة الطافحة وهي تحكي لصحفي "السراج" تفاصيل مشروعها الإنساني مستذكرة كل الذين ربتهم وكبروا ليصبح منهم شيء يذكر في الحياة.

 

في الوقت الذي زارت فيه "السراج" السيدة مريم جالو في بيتها كان هناك 30 طفلا من مختلف الأعمار يعيشون في البيت موفرة لهم مختلف متطلبات الحياة، من دفء البيت إلى المأكل والتعليم والأمن والنظافة رغم أن المساعدات التي تحصل عليها كانت مخصصة لتعليم الصغار فقط، فكانت تكافح لتعليم جميع أبناءها (من تتبناهم).

 

لم تعدم مريم جالو هذه السيدة البشوش الطيبة نتيجة لعملها الإنساني الواضحة آثاره مد المساعدة بكرم فقد قالت إن هنالك من قدم منزله والذي بني بطريقة عصرية كهدية للأطفال، مؤكدة أنها عادة ما تحصل على هدايا مماثلة تقدم كعطف ومساعدة للأطفال.

 

توفيت هذه السيدة الإنسانة أو كما يصفها البعض بـ "سيدة الأمهات" أو بـ "أم المشردين" يوم الجمعة 07 أغسطس 2015 لتثير حزن آلاف الموريتانيين بفقدان أم ربت أجيالا حفاظا عليهم من الضياع، وقد ماتت عن 40 طفلا بين ولد وبنت، وقد تركتها السراج قبل 3 أشهر تربي 30 فقط، مما يعكس مجهود الأم في ضم حالات جديدة في حضن الأمومة الرحب الذي تمتلكه المرحومة.