
تأسس "ميثاق الحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية للحراطين" في 29 أبريل 2013، كإطار جامع يسعى للدفاع عن حقوق شريحة الحراطين ومناهضة التهميش والعبودية ومخلفاتها في موريتانيا. وتولى الناشط محمد سعيد ولد همدي أول رئاسة للميثاق، حيث شكل شخصية توافقية جامعة لكل التيارات، ومثّل صوتًا موحدًا لقضية الحراطين.
انقسام داخلي وتعدد في الرؤى
بعد انتهاء فترة ولد همدي، شهد الميثاق انقسامًا بارزًا إلى جناحين رئيسيين:
• جناح بقيادة محمد فال ولد هنضي، الذي يمثل التيار المتماهي مع الزعيم الحقوقي بيرام الداه اعبيدي. يُعرف هذا الجناح بخطابه الجذري وحضوره في الميادين الاجتماعية والحقوقية.
• جناح آخر في نسخته الحالية، التي يُنظر إليها على نطاق واسع على أنها تميل إلى مهادنة السلطة، وغائبة عن الأنشطة الميدانية، باستثناء تنظيم مسيرة سنوية تُقام في 29 أبريل، تنطلق من مسجد المغرب إلى بن عباس، ثم يعود المشاركون إلى أماكنهم دون أثر عملي يُذكر.
تقييم نقدي للميثاق الحالي
تراجعت شعبية الميثاق الحالي بشكل ملحوظ، ويظهر ذلك في ضعف الحضور الجماهيري في مسيرته السنوية. ويُعزى هذا التراجع إلى شعور شريحة الحراطين بأن الميثاق لم يعد يمثل طموحاتهم أو يعبّر عن مطالبهم في مجالات العدالة والتعليم والصحة والتمكين السياسي.
المقارنة بين الميثاق وبيرام
عند مقارنة خطابي الميثاق الحالي وخطاب بيرام الداه اعبيدي، وكذلك حشديهما الجماهيريين، تظهر الفوارق بوضوح:
• من حيث الكثافة والحماسة، يتفوق بيرام بشكل ملحوظ، حيث يحشد آلاف الأنصار ويقدم خطابًا تعبويًا قويًا.
• من حيث التوعية والمحتوى، يحمل خطاب بيرام بُعدًا تحرريًا جذريًا يتصل مباشرة بمعاناة الحراطين، بينما يبدو خطاب الميثاق أقرب إلى المجاملة الشكلية والتكرار السنوي غير المؤثر.
الأحزاب السياسية ودورها
رغم إصدار بعض الأحزاب السياسية مثل حاتم وتواصل والإنصاف بيانات لدعم المسيرة، فإن حضورها لم يُحدث تحولًا نوعيًا في مشهد الميثاق، الذي يبدو أنه فقد تأثيره كمظلة جامعة.
السؤال المحوري: ما القيمة المتبقية لهذا الميثاق؟
بعد انقسامه على نفسه، وتراجع تمثيله الجماهيري، وضعف أثره في السياسات العامة، يُطرح تساؤل جوهري: ما قيمة الميثاق ومسيرته السنوية إذا لم يعد يمثل آمال الحراطين ولا يعبر عن غضبهم وتطلعاتهم؟
في ظل بروز خطابات بديلة أكثر جرأة وتأثيرًا، يبدو أن الميثاق مطالب بإعادة تعريف نفسه أو المخاطرة بفقدان شرعيته تمامًا. يظهر أن ميثاق الحراطين، الذي تأسس كإطار دفاعي عن حقوق هذه الفئة، شهد تراجعًا في شعبيته وتأثيره بسبب الانقسامات الداخلية وضعف التأثير الجماهيري. ورغم محاولات بعض الأحزاب السياسية لدعمه، فقد فقد الميثاق قدرته على تمثيل تطلعات الحراطين بشكل فعال، مقارنة بحركات بديلة مثل حركة بيرام الداه اعبيدي. في ظل هذا التراجع، يطرح السؤال حول جدوى الميثاق في المستقبل، مما يفرض عليه ضرورة إعادة تعريف نفسه لإعادة بناء شرعيته وفعاليته.
إضافة جديدة
بالإضافة إلى ما تم ذكره، يمكن القول إن مسيرة اليوم لم تكن حاشدة كما كانت في السابق. فعدد المشاركين كان أقل بشكل ملحوظ، ما يعكس تراجع الدعم الشعبي للميثاق، وهو ما يعكس نفسه في ضعف التأثير الجماهيري بشكل عام. أما خطاب المسيرة فقد افتقر إلى الوضوح والقوة، إذ بدت الرسالة غير واضحة ولم تحمل النداء المطلوب لتحقيق التغيير الفعلي. على الرغم من وجود بعض المشاركات الرمزية من الأحزاب السياسية، إلا أن هذه المسيرة لم تُحدث أي تحول جوهري في المشهد السياسي أو الحقوقي، مما يعزز القلق بشأن قدرة الميثاق على تجديد نفسه وتحقيق تطلعات الحراطين في ظل تحديات الواقع الراهن.
محمد محمود ولد الناجي
محلل سياسي باحث في الشؤون الاجتماعية والحقوقية