
لم يشتهر شاعر ولا شاعرة في تاريخ العرب بحرقة الرثاء والنواح كما اشتهرت الخنساء بنت عمر بن الشريد
تتالت المصائب على الخنساء في شبابها بدء بموت أبيها عمرو ثم زوجها مرداس ثم أخيها معاوية ثم أخيها صخر الذي انفجر عنده شلال حزنها شعرا دامعا حتى طغت شهرة مراثيها له على مراثي من سبقه
عاشت الخنساء بقية حياتها تحمل مصيبتها وكانت تطوف بمواسم العرب كعكاظ تعاظم العرب بمصيبتها بأبيها وأخويها، وتقول: أنا أعظم العرب مصيبة، فيُقرّ لها الناس في ذلك.
لم يفارق الحزن الخنساء في أي وقت وكان معها كما قالت:
يُذَكِّرُني طُلوعُ الشَمسِ صَخراً
وَأَذكُرُهُ بكُلِّ غُروبِ شَمسِ
لكن الخنساء هذه التي ذاقت طعم الفقد بكل ألوانه يتما وترملا وفقدا للسند، صارت بعد إسلامها خلقا آخر يقدم فلذات أكباده إلى الموت طواعية.
يوري المؤرخون أن الخنساء حرضت بنيها على القتال حين كان المسلمون في مواجهة مه الفرس فقالت:
"يا بني إنكم أسلمتم وهاجرتم مختارين، والله الذي لا إله غيره إنكم لبنو رجل واحد، كما أنكم بنو امرأة واحدة، ما خنت أباكم ولا فضحت خالكم، ولا هجنت حسبكم ولا غيرت نسبكم. وقد تعلمون ما أعد الله للمسلمين من الثواب الجزيل في حرب الكافرين. واعلموا أن الدار الباقية خير من الدار الفانية يقول الله: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ٢٠٠﴾ [آل عمران:200]. فإذا أصبحتم غدًا إن شاء الله سالمين، فاغدوا إلى قتال عدوكم مستبصرين، وبالله على أعدائه مستنصرين. وإذا رأيتم الحرب قد شمرت عن ساقها واضطرمت لظى على سياقها وجللت نارًا على أوراقها، فتيمموا وطيسها، وجالدوا رئيسها عند احتدام خميسها تظفروا بالغنم والكرامة في دار الخلد والمقامة"