
أخيرا أنهى الرئيس محمد ولد عبد العزيز التكهنات الكثيرة التي دارت حول تشكلته الحكومية وقطع الشك باليقين، حيث أبعد أربعة من ورزاء حكومته، وسمح لآخرين بالدخول إلى السراي الحكومي من جديد في سعي لإعادة تشكيل المشهد الوزاري، لكن هذا التعيين يخفي دون شك وراءه أزمة العمل الحكومي وترنح أكثر القطاعات الحكومية بين الفشل والترهل وضعف الأداء
وزراء الأزمة
لم يكن خروج وزير المالية اتيام جامبرا من الحكومة أمرا مستبعدا، رغم الحملة الإعلامية التي أطلقها خلال الأسابيع الأخيرة لتلميع صورته والحديث عن ثقة مطلقة يتمتع بها لدى رئيس الجمهورية.
خرج اتيام جامبرا تشيعه رائحة الفساد المنبعث من وزارة المالية، والذي تكشف بشكل كبير من خلال أزمة المحاسبين الجهويين، وكذا الاختلالات التسييرية في قطاعات عديدة تابعة لوزارته.
وأسند ولد عبد العزيز وزارة المالية إلى رجل ثقته المختار ولد اجاه القادم من إدارة الضرائب بعد أن حقق حملة جباية قوية مكنت الحكومة من استعادة مبالغ مالية ضخمة تجاوزت أكثر من 100 مليار أوقية خلال العام 2012 لوحده.
كما كان ولد اجاه أيضا أحد أهم وسائل الضغط والتخويف التي يستخدمها النظام ضد رجال الأعمال في موريتانيا، حيث وجهت اتهامات كثيرة لإدارة الضرائب بالتحول في أحيان كثيرة إلى آلية للعقاب السياسي ضد رجال أعمال يشتبه النظام في ولائهم، أو ينافسون مقربين من هرم النظام.
الخارجية في قبضة النساء
يعود وزير الخارجية أحمد ولد تكدي من زيارته إلى مصر، لينتقل إلى منزله، منهيا بذلك مرحلته في وزارة الخارجية، وكذا في الوظيفة العمومية بعد إحالته للتقاعد.
فيما ستقود الدبلوماسية الموريتانية وزيرة الثقافة السابقة فاطمة فال بنت اصوينع التي ستجد نفسها أمام ملفات بالغة التعقيد، أبزرها ملف العلاقة مع المملكة المغربية وجارها اللدود الجزائر، وكذا ملف العلاقة مع دول الاتحاد الأوربي في ظل أزمة الصيد وملف حقوق الإنسان، وكذا ملف الجاليات إضافة إلى ملفات عديدة أبسطها تسيير وزارة ضخمة الموارد والقطاعات والملفات.
ويطرح إبعاد ولد تكدي عن منصب وزير الخارجية تساؤلات كثيرة عن مسار علاقة ولد عبد العزيز مع القطب الأمريكي بشكل خاص، حيث اعتبر ولد تكدي أحد أهم الشخصيات المحسوبة على اللوبي الصهيوني، ورغم أن ولد تكدي أدار ملف الخارجية بمستوى عال من الفعالية، إلا أن مخرجات هذا الأداء كانت ضعيفة جدا على مستوى المانحين وكذا على مستوى العلاقات مع القوى الغربية الفاعلة.
ويمكن القول إن السلطات الموريتانية بتعيين منت اصوينع وزيرة للخارجية تسعى إلى تحقيق هدفين أساسيين:
الحد من الانفتاح الدبلوماسي والبهرجة الإعلامية التي طبعت الفترة الماضية دون أن تكون لها نتائج واقعية فاعلة.
انتهاج دبلوماسية التسول من جديد، حيث سبق لولد عبد العزيز أن انتهج ذات الأسلوب مع الوزيرة السابقة الناها بنت مكناس قبل أن يتخلص منها بالتزامن مع انهيار نظام العقيد القذافي أبرز الداعمين السياسيين والاقتصاديين للنظام الموريتاني سابقا.
ومن المتوقع في ظل تعيين الوزيرة الجديدة، أن تعود الدبلوماسية الرئاسية إلى الواجهة من جديد.
وبتعيين بنت اصوينع وزيرة للخارجية، تسقط وزارة الخارجية في قبضة نسائية كاملة، حيث ستعمل بنت اصوينع رفقة مساعدتها كاتبة الدولة المكلفة بالمغرب العربي، مع فريق إداري تقوده الأمنية العامة للوزارة العالية بنت منكنوس ذات التأثير القوي في الوزارة.
الرياضة في حقيبة كمبة
كان من المتوقع أيضا أن تغادر وزيرة الرياضة حليمة صو منصبها بعد سلسلة الأخفاقات التي طبعت أداءها خلال الفترة الوجيزة، حيث لم تستطع الوزيرة الشابة التخلص من عقلية المراهقة الرياضية، كما لما تستطع أيضا إدارة علاقة فاعلة مع موظيفها والقطاعات التابعة لها، وتميزت شخصية الوزير بالضعف الهائل مما دفع إلى خسارة موريتانيا لمقاعد وتمثيل دولي بسبب خجل السيدة الوزيرة من الحديث أمام الجماهير أو أمام المكرفونات.
تترك السيدة صو مقعدها لصالح السيدة كمبا با التي ستضم إلى حقائبها الشهيرة حقيبة جديدة للرياضة، وتعتبر السيدة با من أهم شخصيات الثقة لدى الرئيس محمد ولد عبد العزيز حيث تمثل "قطعة غيار وزاري" جاهزة للاستخدام في تشكلاته الحكومية المتتالية.
ولد البشير من المياه إلى الطاقة
وزير المياه محمد سالم ولد البشير يعزز هو الآخر موقعه ومجال الثقة التي يحظى بها داخل مؤسسة الحكومة، حيث وكل إليه الرئيس محمد ولد عبد العزيز إدارة ملف الطاقة والمعادن.
يستلم ولد البشير وزارة المعادن خلفا لوزيره محمد ولد خونه المحسوب على العقيد ولد القطب أحد أهم قيادات الحرس الرئاسي، وأحد الثوابت الرسمية في حكومات ولد عبد العزيز المتعاقبة، رغم فشله المتواصل في مهامه الوزارية.
يخرج ولد خونه إلى وزارة المياه، وذلك بعد أزمة ثقة متفاقمة بينه وبين أغلب مستشاريه ومعاونيه، وفي ظل أزمة متفاقمة في قطاع المعادن والطاقة دفعت إلى توقيف عدد كبير من المشاريع الاستثمارية في منطقة تيرس الزمور وانشيري.
كما يأتي في ظل تراجع إنتاج النفط الموريتاني بشكل غير مسبوق، وفي ظل أزمة عالمية في أسعار النفط، دفعت دول الجوار إلى تخفيض أسعاره، بينما واصلت موريتانيا الحفاظ على تسعرة غالية وسط اتهامات للحكومة بالتربح من المواطنين.
وفيما يتوجه ولد خونه إلى وزارة المياه، حيث لن تكون مهمته عسيرة جدا بالمقارنة مع مهامه السابقة.
ملل إلى التشغيل
يغادر وزير التشغيل محمد الأمين ولد المامي منصبه لصالح الأمين العام السابق لرئاسة الجمهورية جا آمادو ملل القادم هو الآخر من مسار وظيفي طويل من ضمنه وظيفة محاسب في السفارة الموريتانية لدى الكيان الصهيوني
يواجه ملل ملفات بالغة التعقيد، أبرزها التعامل مع ملف البطالة، وتحويل وعود الرئيس محمد ولد عبد العزيز بتشغيل العاطلين عن العمل، وهي مهمة لا تبدو سهلة في ظل الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تعيشها البلاد، وعجز السياسة التشغيلية للسلطة عن توفير فرص عمل للعاطلين.