رغم كثرة المشاكل التي يعانيها سكان الترحيل يظل العطش أكثرها حضورا وأمرها معاناة فالماء ملاك الأمر كما يقال وهو أرخص موجود وأغلى مفقود لكن في أحياء الترحيل فإن العطش معاناة "مزمنه " تلقي بظلالها الكيئبة على الوضع المعيشي الهش لتزيد "الطين بله" ويستنزف جزء غير يسير من موارد الأسرة كان الأولى أن يوجه لتوفير القوت والطعام.
في مختلف أحياء ترحيل الرياض لا مطلب سوى توفير المياه وحماية السكان من موجات عطش لا ترحم حتى في فصل الشتاء عندما يقع السكان تحت رحمة ملاك الحنفيات وباعة عربات الحمير.
على مقربة من تقاطع 16 بالترحيل يدير يحي ولد علي إحدى الحنفيات الخصوصية وذلك مقابل أجر شهري لا يزيد عن 20ألف أوقية لا يكفي لشراء خبز عياله كما يقول.
لكن العمل في المقابل يؤمن له جرعة مياه لا غنى له عنها على غرار العشرات من سكان المنطقة.
جرعة مياه يمكن أن يقايضوها بكل ما ملكت أيديهم لكن أسعارها تظل غالية طوال العام.
ثمن برميل المياه اليوم 300أوقية فما بالنا في زمن الصيف واشتداد الحرارة تشكو الناجية بنت إبراهيم من سكان الحي، فيما لا تجد الكثير من الأسر غير البرميل الصغيرة كحاويات للمياه رغم أن سعر تعبئتها يصل 50أوقية.
حاويات مهجورة
مسيرو الحنفيات يلقون باللائمة على باعة العربات فسعر تعبئة البرميل زنة 200لتر لا تتعدى 50أوقية وهي تسعيرة شبه معتمدة في الكثير من الحنفيات لكن تكلفة توصيله إلى المساكن ترفع السعر أكثر من 300% كما يقول ولد علي.
لكن عوامل عديدة ساهمت في غلاء المياه كما يقول الباعة كقلة الحنفيات العمومية ووعورة التضاريس التي حولت أجزاء من الترحيل إلى مناطق معزولة وبالتالي يجد الباعة مشقة في الوصول إليها على ظهر دوابهم كما يشرع بائع المياه محمدفال ولد الحسن.
ولا يترك غلاء الأعلاف أي فرصة أمام الباعة لخفض أسعار المياه.
غلاء سعر المياه جعلها سلعة للمضاربة في أحياء الترحيل رغم تمتع ملاك الحنفيات العمومية بامتيازات خاصة عندما يباع لهم الطن بأقل من 200أوقية.
لكن المشكل هو في احتساب الفاقد والذي يتحمله المسير وحده " فنحن نتعامل مع الحسابات كما يقول ولد علي ولا مجال للخطأ ، وفي الغالب يكون المباع من المياه في حدود 50طنا في اليوم.
مأساة العطس المتجددة في أحياء الترحيل كانت محل اهتمام من بعض الجمعيات غير الحكومية والتي دأبت على تنظيم حملات سقاية للسكان لكن جهودها تظل اقل بكثير من سد العجز الحاصل في هذه الخدمة.
على الشوارع الرئيسية تتراص حاويات مياه بيضاء تحمل أرقاما بارزة كانت إلى وقت قريب العنوان الأكثر تميزا لأحياء الترحيل لكنها اليوم أصبحت أطلالا مهجورة وأوعية مشرعة للأتربة والصدأ.
مشكل الماء في الترحيل يلقي بظلاله على مختلف مرافق الحياة عندما لا يجد تلاميذ المدارس ما يبلون به حناجرهم العطشى، وعندما تتأثر ورش ضرب "اللبن" فيهجرها أصحابها بعدما كانت نشاطا واعدا في الترحيل يعلق أحد السكان.
رغم استفحال أزمة العطش في العديد من أحياء نواكشوط إلا أن لأحياء الترحيل خصوصيتها عندما يكون الأطفال والمراهقون هم أكثر من يتولى مهام بيع المياه وتوزيعها على ظهور الحمير.
أطفال ومراهقون في مهام بيع المياه بالترحيل
محمدفال الحسن ذو 17 عاما أحد هؤلاء ترك المدرسة من السنة الخامسة ليتفرغ لبيع الماء والصرف على والديه وأخوته الصغار وهو اليوم لا يعرف له مستقبلا غير المياه ولا يحلم سوى بشراء حمار قوي وعربة جاهزة لخدمة زبنائه الذين ينتظرونه بفارغ الصبر ويزداد عددهم كل يوم ما دامت السلطات لا تعير اهتماما لمطالب السكان بمد أنابيب المياه داخل الأحياء وبالاستفادة من عروض التدخل التي قدمتها بعض الدول المانحة بتزويد الحي بشبكات مياه مكتملة وبأسعار مدعومة.